محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
بعد لقائه مع عدد من القادة التركمان مع الرئيس التركي وخلال تواجده في أنقرة أجرينا معه لقاء مطولا كشف لنا بالكثير من التوضيح واقع الحركة التركمانية في العراق وشؤون التركمان وهمومهم وآليات المحافظة على الصف التركماني وتوحيده، ويعتبر الأستاذ صاري كهية من أوائل الذين حاولوا تنظيم الحركة التركمانية وتحويلها إلى حركة سياسية تتولى الدفاع والمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب التركماني في العراق.
بداية نسأل مؤسس ورئيس الحزب لماذا حزب توركمن أيلي وليس الحزب التركماني؟
توركمن اللي ويعني المناطق التركمانية، ويعني أن باستطاعة كل المقيمين في هذه المناطق الانضمام إلى الحزب مهما كانت طائفتهم وقوميتهم ودينهم من أبناء شعبنا العراقي العزيز، لأن الحزب يؤمن بالقيم الإنسانية والإسلامية والقومية المشتركة لكل العراقيين، ولم يكن هذا الحزب للتركمان حصرا في مناطق تواجد التركمان (تركمن ايلي).
تأسس الحزب في 16 كانون الثاني/ يناير 1994 الذي يصادف ذكرى استشهاد كوكبة من المناضلين التركمان على يد النظام البائد. وأصبح الحزب بعد سقوط النظام حزبا رسميا مجازا في العراق.
هل تطلعنا على وضع التركمان في العراق؟
وضع التركمان في العراق قبل الاحتلال
التركمان موجودون في العراق منذ القدم وربما كان لهم حضورهم كمسلمين، ومجيئهم إلى العراق في عهد الأمويين، وسبقهم العرب حضورا كمسلمين في العراق في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بعد تأسيس الدولة العراقية ووضع العراق تحت الانتداب البريطاني سعى الإنكليز إلى تهميش التركمان في العراق باعتبارهم جزءا وامتداد للأمة التركية، وربما كبقايا العثمانيين الأتراك في العراق وقد استمر هذا التهميش إلى يومنا هذا حتى وصل الأمر بالنظام السابق إلى صهر ومحو القومية التركمانية من العراق وتم مسح كلمة القومية التركمانية حتى من البطاقات الشخصية وجعلها ضمن غيره من القوميات العربية أو الكردية.
التركمان شعب متمدن ونحن نفتخر كوننا تركمان، ليس لدى القومية التركمانية أية عداوة أو كراهية أو بغضاء مع أي طرف بل نحن نحب كل أفراد شعبنا، فثقافة التركمان التعايشية مع الآخرين متأصلة وموروثة من الآباء والأجداد، فلا توجد عقد إطلاقا على الاختلاط والتعايش السلمي مع الجميع من أبناء وطننا العزيز.
وضع التركمان في العراق بعد السقوط
بالطبع ضمن الدستور العراقي الحالي حقوقا واسعة للتركمان سواء الثقافية منها أو التعليمية أو السياسية، ورغم أنه أثناء كتابة الدستور لاقت مطالبتي كعضو في لجنة كتابة الدستور بضمان حقوق التركمان في المواد الدستورية تعاطفًا واضحًا ومميزًا وخصوصًا من التحالف الوطني، إلا أنه رغم وجود هذه المواد التي تضمن الحقوق التركمانيآ تفاجأنا بالكثير من العراقيل التي تمنع تطبيق فقرات ومواد الدستور حول الحقوق المشروعة للتركمان، وهذه العراقيل التي كانت بتاثيرات محلية وربما خارجية وضعت التركمان في وضع يشبه إلى حد كبير وضعهم إبان النظام السابق أو الحكومات التي سبقته.
الحقيقة التي يجب أن نذكرها هي أن الوزارة التي شكلها إبراهيم الجعفري قد أعطت للتركمان ثلاثة حقائب وزارية لأول مرة في تاريخ الدولة العراقية لكن في وزارة الرئيس العبادي لم تمنح أية حقيبة وزارية للتركمان مما يدل على أن الحكومة الحالية هي تحت ضغوطات شديدة وأيضا يدل على أن الحكومة العراقية الحالية وصلت إلى سن الشيخوخة وهي غير قادرة على ممارسة الآلية الديمقراطية حتى في مؤسسات الدولة بصورة طبيعية وإن أكثر المتضررين من هذه الوضعية الصعبة للنظام هم التركمان القومية الثالثة في العراق.
ما هي أكثر الأمور التي تقلق التركمان في هذه الفترة؟
مشاريع مشروعة ومشاريع مشبوهة
أعطى الدستور العراقي الحق لإقامة أقاليم مناطقية لعدة مدن ومحافظات وكذلك منح الحق في إقامة إقليم لمحافظة واحدة ولكنه اشترط نجاح الاستفتاء لمواطني هذه المحافظات التي تطالب بإقامة هذه الأقاليم، لكن يبدو أن هناك أجندة إقليمية ومحلية تسعى لطرح مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق إثنية ومذهبية، تلي تلك المشاريع إقامة كيانات مستقلة عن بعضها البعض، نحن نرى أن هذه المشاريع خطرة جدا ومشبوهة لأنها تحول العراق العظيم إلى دويلات صغيرة تنشأ معها الخلافات والصراعاتـ والأطماع وأن أكثر الذين يصيبهم الضرر هم أيضا التركمان الذين سيتوزعون في هذه البقع الجديدة بين إقليم كردستان وإقليم السنة ولا وجود للتركمان في جنوب العراق.
وأيضا الضرر الآخر من هذا التقسيم هو أن التركمان ينتمون إلى الطائفتين السنية والشيعية ووجود الطائفة الشيعية في المناطق السنية بعد هذه المرحلة يعتبر خطرا يضاف إلى خطورة تشتيت شمل التركمان.
وعليه ليس من خيار أمام التركمان إلا توحيد صفوفهم وبقاؤهم متوحدين في مناطقهم والسعي إلى أن يكونوا مشاريع تحمي وجودهم وأن تكون مشاريعهم لحماية أنفسهم وقوميتهم وأن يكونوا حصة لأنفسهم وليست حصة للأخرين.
التركمان وكما أسلفنا بأن الدستور يضمن إقامة الأقاليم المناطقية، يسعون إلى إقامة إقليم كركوك كوحدة ويكون التوزيع الإداري والمسؤليات بنسب معينة وهي 32% للمكونات الثلاث التركمان والعرب والأكراد ونسبة 4% لغير المسلمين، إضافة إلى ذلك نسعى كحزب في الحركة التركمانية إلى إقامة إقليم تلعفر إقليم تركمان اللي بعد أن تتحول إلى محافظة. ومطلب تحويل تلعفر إلى محافظة هو مطلب كل التركمان في العراق، وإن إقامة إقليم تركمان اللي في تلعفر هو لاحتضان التركمان في العراق وجعل هذا الإقليم بمثابة المركز المعنوي والإداري الرئيسي للتركمان في العراق.
كيف تقيمون نشاطات الحركة التركمانية في العراق؟
من البديهي القول بأنه ليست للحركة التركمانية في الوقت الحاضر قدرة على إيصال التركمان إلى بر الأمان بسبب وجود عدة عوامل تؤثر بشكل مباشر على عملها، وأهم هذه العوامل هي التعصب المذهبي والمناطقي، فهذه هي الآفة التي تقضي على قوة ووحدة التركمان، المطلوب من التركمان أن يقدموا ويفضلوا الرابط القومي على غيره من الروابط كالتعصب المذهبي الدخيل على الجسد التركماني والذي من شأنه إثارة الكثير من الخلافات والنعرات والاقتتال بين أبناء القومية الواحدة. إن الأولوية للشعب التركماني وللقيادات التركمانية هي تعليم أبنائنا بالحفاظ على اللغة الأم إضافة إلى الحفاظ على الأراضي التركمانية من السيطرة عليها من قبل جهات اخرى واستعادة الأراضي المغتصبة إلى أصحابها وكذلك إدامة المعالم التركمانية والشواخص الأثرية العائدة للقومية التركمانية، والمطلب الأخير هو تمثيل التركمان في مؤسسات الدولة والمناصب الإدارية والوزارية، لكننا الآن نرى أن القيادات التركمانية تولي مسألة خاصة أولوية في البحث عن حصة التركمان المشروعة في مناصب الدولة العليا.
كيف تقيم العلاقة بين التركمان والأتراك؟
العلاقة التركية مع التركمان في العراق هي علاقة تاريخية قديمة تمتد إلى مئات السنين وهي علاقات أخوية وقد ساهمت في الكثير من النشاطات وخصوصا الثقافية حيث ساهمت في فتح مراكز ثقافية للتركمان في عهود وفترات سابقة.
للأتراك علاقة طبيعية مع مختلف أطياف الشعب العراقي وأساس هذه العلاقة هو التاريخ والدين المشترك والجيرة.
لم تكن تركيا في يوم من الأيام تقيم علاقات مريبة خفية مع أية جهة تركمانية أو غيرها في العراق بل كانت السند لكل الأطياف وخير دليل هي وقوفها بكل قوة مع وحدة الأراضي العراقية وكذلك مسارعتها لمد يد العون للاجئين العراقيين وكذلك مساهماتها الكثيرة في معالجة الجرحى العراقيين في المستشفيات التركية.
الشيء المهم بالنسبة للتركمان أن تركيا لا تفرق بين التركمان سواء السنة أو الشيعة ولهذا نقول إنه لا بد من الاستفادة من التجارب التركية في شتى المجالات سواء القانونية أو الاقتصادية أو التنموية في شتى المجالات ومنها العمرانية وكانت للمساهمات التركية في إعمار كردستان العراق خير مثال على سعينا في الاستفادة من الطاقات التركية. ولموقع تركيا المحاذي للعراق ولسهولة الحصول على إذن الدخول إلى الأراضي التركية ولما تتمتع به من معالم حضارية وإسلامية ومناظر طبيعية بيئية خلابة كل هذه ساهمت إلى جعل تركيا المقصد الأول للكثير إضافة إلى التسهيلات الكبيرة للمستثمرين أصبحت تركيا أيضا من الدول المتقدمة في أعداد المستثمرين الأجانب على أراضيها.
ما الذي دار في اجتماع الوفد التركماني برئيس الجمهورية التركية؟
بناء على دعوة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، زار وفد مكون من ثلاث عشرة قياديا تركمانيا يمثلون مختلف المدن التركمانية ومن المذهبين السني والشيعي، وهذه لأول مرة يجتمع رئيس الجمهورية التركية مع وفد من تركمان العراق، ربما كانت هناك زيارات لشخصيات تركمانية بصورة فردية وربما كانت هناك لقاءات إن صحت التسمية مع رئيس الجمهورية في السابق ولكن لم تصل إلى هذه المستوى من الاهتمام.
لقد كان اللقاء مثمرا جدا، وقد أكد سيادته بأن تركيا لا تفرق بين التركمان الشيعة والسنة، كما أكد على حرص تركيا على إقامة أفضل العلاقات مع كل الشعب العراقي، وأكد أن وجود القوات التركية في العراق هي لغرض مساعدة العراق في التخلص من داعش، وبالنسبة إلى ما بعد داعش أكد الرئيس أردوغان على أن تركيا ستساهم مساهمة فعالة في دعم وإسناد العراقيين في إعمار البنية التحتية المتضررة من الحروب مع داعش وخصوصا في المناطق التركمانية.
وقد طلب الوفد التركماني من الرئيس التركي المساهمة في ترتيب البيت التركماني باعتبار أن لتركيا تجارب سابقة في هذا المضمار، ونحن كحزب كنا نفضل أن تقوم الدولة العراقية بهذه المساعدة ولكن العراق يعاني من المشاكل الكثيرة والكبيرة التي تلهيه عن القيام بهذا الدور.
إن تنظيم وترتيب البيت التركماني هي الأولوية بالنسبة إلى حزبنا لأن بقاء التركمان بهذه الحالة يعتبر خسارة كبيرة لكل التركمان لأنهم سيضيعون فرصتهم في نيل حقوقهم الدستورية وأتمنى أن تكون هناك رغبة حقيقية للقادة والسياسين التركمان في هذا الشأن.
مشكلة تلعفر وما هي برأيكم الحلول الناجعة لمعالجتها؟
المشكلة في تلعفر هي مشكلة بين السياسين والأحزاب السياسية أنفسهم، فلم يكن هناك خلاف بين الأفراد والعشائر والمثقفين ويكمن الخلاف بين السياسيين والأحزاب السياسية كون هذه الأحزاب والجهات السياسية لها ارتباطات بمراكز القوى التي تتحكم بها ولها أجنداتها الخاصة بها، والاختلافات الحزبية المركزية تنعكس بصورة مباشرة على الأوضاع بصورة عامة في المدن العراقية وفي تلعفر بشكل خاص ثم يتحول إلى صراعات واقتتال بين أبناء البلد الواحد.
بعد خروج داعش من المدن العراقية ومن تلعفر يجب أن تكون هناك ورشات عمل إنسانية وثقافية وأمنية للطائفتين لغرض بناء الثقة بين أبناء هذه المدينة من جديد، كما يجب أن تكون هناك لجنة أمنية تعمل بمهنية بعيدة عن الطائفية.
ويجب أن يأخذ المثقفون التركمان دورهم في سبيل منع التركمان من أهالي تلعفر من الانجرار مرة أخرى خلف التخندق الطائفي الذي يؤدي إلى المزيد من الكراهية ومزيد من الدماء.
هل تعرفون القارئ الكريم بالجبهة التركمانية العراقية؟
تم تاسيس الجبهة التركمانية في عام 94، وتعود حادثة تشكيل الجبهة التركمانية فبعد حصول الخلافات بين الحزب الوطني التركماني وحزبنا حزب تركمن أيلي اقترحت في حينها على قيادة الحزب الوطني أن نقيم جبهة تتولى حل الخلافات بيننا وتكون حماية مشتركة لنا وبنفس الوقت نؤسس مؤسسات إغاثية إنسانية، تمت الموافقة من الحزب على هذا الاقتراح كما أبدى أعضاء نادي الإخاء التركماني رغبة في الانضمام إلى الجبهة كما انضم إلى الجبهة عدد من الشخصيات التركمانية المستقلة.
بعد تشكيل الجبهة توسع الجانب المؤسساتي على حساب الجانب السياسي، وهذا خلافا للمتعارف عليه في طبيعة الجبهات الحزبية المشكلة، وقد ساهمت الضغوطات السياسية في تحويل مسار اهتمامات الجبهة بعد أن كان الغرض من إقامة الجبهة هو تشكيل حكومة إدارية للتركمان وهذا كان مطلبا للتركمان في العراق.
هناك عدة افكار لغرض ترتيب البيت التركماني والقيادة التركمانية، ومنها على سبيل المثال تحويل الجبهة إلى ائتلاف كسابق عهده، وهذا الرأي نحترمه، بالنسبة إلى حزبنا نحن الذين انسحبنا من الجبهة، لكن في حالة تأسيس مجلس التركمان يضم (لجان التربية والأمن والثقافة والإعلام) سننضم إلى المجلس، وفي حالة تحويل الجبهة إلى خيمة للتركمان فإننا سندرس هذا الاقتراح.
من المفيد القول بأن الثقافة السياسية والتحزب بين الأوساط التركمانية والمثقفين هي ثقافة حديثة العهد، والسبب يعود إلى رد الفعل حول الممارسات السابقة لحزب السلطات وما تركته من آثار سيئة على نفوس المواطنين بعد تحويل هذه الأحزاب إلى أدوات أمنية تتولى القمع نيابة عن الأجهزة الأمنية الرسمية، لذا نرى أن التحزب والدعوة إلى التحزب والعمل السياسي هي من متطلبات المرحلة لكون الأحزاب هي الجهة التنظيمية التي تتولى ترجمة وتنفيذ طلبات المواطنين المشروعة وأهدافها النبيلة.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن ترك برس
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس