متين تشوراباتير - دورية السياسة التركية - ترجمة وتحرير ترك برس
استقبل البعض إعلان الرئيس التركي بأن بإمكان بعض اللاجئين السوريين الحصول على الجنسية التركية بالدهشة. أرضى الإعلان بعض السوريين، لكنه في الوقت نفسه أثار حالة من الذعر في وسط المجتمع المضيف. وعلى الرغم من أن المسألة تنوسيت سريعا، فإن أزمة اللاجئين السوريين في تركيا ما تزال واقعا مريرا يستدعي حلا عاجلا. هل يمكن أن يكون منح الجنسية حلا دائما لثلاثة ملايين لاجئ في تركيا، أم أن هناك وسائل أخرى أقل حساسية من الناحية السياسية، لكن يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي مساو؟
على الرغم من أن منح الجنسية الوطنية ما يزال مسألة تقع فقط في نطاق اختصاص ما تقرره كل دولة، فإن هذا الحل هو الأكثر ثباتا، وغالبا ما يكون أكثر الحلول المرغوبة على المدى الطويل لشخص يأمل في وضع نهاية لوضعه لاجئا. تشير المادة 34 من اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين بقوة إلى الحل التالي:
"تسهل الدولة المتعاقدة بقدر الإمكان استيعاب اللاجئين ومنحهم جنسيتها، وتبذل على وجه الخصوص ما في وسعها لتعجيل إجراءات التجنس، وتخفيض أعباء هذه الإجراءات ورسومها إلى أدنى حد ممكن."
تكرر العديد من الوثائق الدولية توصية مماثلة فيما يتعلق بالدول التي تتخذ إجراءات التجنيس. من هذا المنظور يستحق إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الإشادة، ويمكن تقييمه على أنه محاولة حقيقية لإيجاد حل دائم مستمر ومستدام للأزمة الإنسانية في سوريا، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن تركيا تتعامل مع الأزمة دون استراتيجية شاملة. وقد أثار الإعلان ردود فعل سيئة قوية لدى وسائل الإعلام والشعب التركي، وأظهر أيضا أن القضية ما تزال حساسة إلى حد كبير من الناحية السياسية.
تعتقد بعض أحزاب المعارضة وبعض الجماعات أن تضييف عدد كبير من اللاجئين السوريين قد يكون باعثا لحزب العدالة والتنمية لتحقيق مكسب سياسي. إدخال ملايين الناخبين الجدد في النظام مع منحهم الحق في التصويت في الانتخابات العامة والمحلية، وخاصة الاستفتاء القادم على الدستور التركي الجديد قد يلعب لصالح الحكومة.
وعلى أي حال، فإن وضع اللاجئين في الوقت الراهن في تركيا، وهم ليسوا سوريين فقط، ما يزال يائسا، حيث تقيم أغلبية اللاجئين في تركيا دون وضع قانوني أساس ودون وجود حل واقعي دائم. وفي الوقت نفسه، فإن التطورات الأخيرة في سوريا تقلل من احتمالات العودة طواعية، وبعد سقوط حلب في أيدي النظام السوري وحلفائه صارت أحلامهم في العودة أقل احتمالا. ماذا بعد؟ هذا هو السؤال الأكثر تداولا منذ أن دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة مع نظام ديكتاتوري منتصر يعتمد اعتمادا كليا على روسيا، ويسيطر على معظم المدن الكبرى، لكنه يسيطر فقط على ثلث البلاد. هُدمت مدن مثل مدينة حلب إلى حد كبير. في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة ما تزال داعش تسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية، وأصيب المجتمع الدولي بالدهشة لاستعادة داعش لمدينة تدمر الأثرية القديمة من الجيش السوري. حافظت جماعات المعارضة المعتدلة على سيطرتها على بعض المناطق الريفية. يعيش ما يقارب ستة ملايين لاجئ في الدول المجاورة. تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان اتهما نظام الأسد بارتكاب جرائم حرب، معضلة التفاوض مع الحكومة السورية بشأن مستقبل البلاد، وهذا هو السبب في استمرار الحرب على الرغم من سقوط حلب، ومن المحتمل أن تستمر لسنوات قادمة.
والآن فإن مسؤولية تركيا والعالم الغربي إجراء تغييرات جذرية في التفكير حول ما ينبغي القيام به، فالأمر يستدعي إجراء تغييرات نموذجية في نظم اللجوء والإدارة التركية. يتطلب إيواء ثلاثة ملايين لاجئ معظمهم من المعوزين إجراءات فورية لتجنب استمرار معاناة هؤلاء الناس، وتجنب آثار اللجوء على الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة.
لا تواجه تركيا اليوم مشكلة التعامل مع عدد غير مسبوق من اللاجئين فحسب، بل تواجه أيضا أزمة إنسانية طال أمدها. اعتبارا من الأول من كانون الأول/ ديسمبر سيكون هناك 2.8 مليون لاجئ سوري من أصل ثلاثة ملايين لاجئ في تركيا. يعيش هؤلاء اللاجئون في ظل أوضاع مختلفة، كما هو موضح في قانون 4 نيسان/ أبريل الصادر عام 2014 عن الأجانب للحماية الدولية، وهذا يشكل تحديا كبيرا بالنسبة إلى تركيا. مع بداية وصول اللاجئين إلى تركيا الذي بدأ في ال29 من نيسان 2011 وقت اندلاع الأزمة، كان اللاجئون السوريون يوصفون بالضيوف، ولم يتغير هذا المصطلح إلا عندما دخل قانون الأجانب والحماية الدولية حيز التنفيذ بعد بضع سنوات في عام 2014، ومنذ ذلك الحين يخضعون للحماية المؤقتة وفقا للمادة 91 من القانون.
يشير مصطلح الحماية المؤقتة إلى أن تركيا تدرك أزمة اللاجئين السوريين بوصفها ظاهرة مؤقتة. لم يكن السوريون فقط من يخضعون لحماية مؤقتة ويتوقعون في نهاية المطاف العودة إلى وطنهم، حيث إن تركيا تمنح اللجوء للاجئين من العديد من البلدان غير الأوروبية، يشملون اللاجئين العراقيين والإيرانيين والأفغان واللاجئين من الدول الأفريقية. وعلى الرغم من أن تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، فإنها تُبقي على القيد الجغرافي، وهو ما يعني أنها لا تتحمل التزاما بمنح اللاجئين القادمين من دول غير أوروبية وضع اللاجئ الكامل. يرتبط وضع اللاجئ بقائمة من الحقوق التي رسخت في اتفاقية اللاجئين عام 1951 لتمكين اللاجئين من بدء حياة جديدة كريمة في بلد اللجوء، وهو الحل الذي يعد الحل الدائم الأكثر شيوعا. هناك حلان آخران طويلا الأجل هما العودة الطوعية وإعادة التوطين في بلد ثالث، ويطبق الحل الأخير عندما تكون ظروف العودة الطوعية غير موجودة أو عندما لا تقدم الدولة المضيفة أو لا تستطيع أن تقدم وضع اللاجئ الكامل. وينطبق وضع تركيا على هذه الحالة الأخيرة بسبب القيود الجغرافية.
ونظرا لأن تركيا تقدم الحماية الدولية فقط لجميع اللاجئين من أصول غير أوروبية، فليس هناك حل دائم سوى إعادة توطينهم في البلدان التي تقبل منحهم وضع اللاجئ الكامل. وعلى مدى سنوات أعادت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توطين عشرات الآلاف من اللاجئين من دول غير أوروبية، على أن إعادة التوطين في الوقت الراهن ليست إمكانية عملية، حيث إن الحكومات التي كانت تقبل اللاجئين من دول غير أوروبية توقفت عن قبولهم. ليس بمقدور المفوضية العليا الآن سوى إعادة توطين بضعة آلاف من اللاجئين "الأكثر عرضة للخطر" مثل القصَّر غير المصحوبين، والمعاقين، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.
إن تضييف ثلاثة ملايين لاجئ لمدة ست سنوات هو بطبيعة الحال عبء لا يصدق بالنسبة لأي بلد، فألمانيا على سبيل المثال أعلنت إعادة توطين 900 لاجئ سوري فقط في عام 2017، بينما أعلنت السويد إعادة توطين 300 فقط. متوسط عدد الحصص لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى يصيب بالحيرة، وتتراوح بين خمسة إلى مائة شخص، في حين تضيف تركيا بسخاء ثلاثة ملايين لاجئ منذ سنوات. أقيمت مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية عام 2013، واكتمل انشاؤها في 81 محافظة وبعض المقاطعات المهمة أيضا، وقد صممت في البداية لحالات الحماية الفردية فقط وليس لمثل هذا التدفق الجماعي. أما الوزارات الأخرى التي تحتاج إلى لعب دور أكبر في هذه الأزمة فتضم وزارات التعليم والعمل والصحة ووزارات الإسكان على الرغم من أنها مجهزة تجهيزا كافيا. على أن المشكلة الاساسية لنظام الجوء التركي تتعلق بعدم قدرتها على إحداث تغيير نموذجي لإزالة القيد الجغرافي الذي يحتفظ به نظام اللجوء التركي من اتفاقية اللاجئين عام 1951. وما دام القيد الجغرافيا باقيا، يصبح الاندماج خيارا مستحيلا من الناحية القانونية، وسيظل ملايين الناس مقيمين في تركيا دون تحديد وضعهم ولا يستطيعون التمتع بحقوقهم الأساسية.
وفقا للقانون الدولي للاجئين يجب أن يمنح اللاجئون نموذجا آمنا دائما مثل منحهم الإقامة الدائمة. إن منح اللاجئين الإقامة الدائمة هو واحد من من أكثر الوسائل فعالية لإعدادهم لبدء حياة جديدة في البلد المضيف. وإذا استمر تجاهل وضعهم، فسيكون من المستحيل بالنسبة إليهم إثبات وجودهم في مجتمعهم الجديد. تمكن تصاريح الإقامة الدائمة اللاجئين من تعلم لغة البلد المضيف، وهو أمر جوهري في العثور على عمل، وتمكنهم من التمتع بحقوقهم التعليمية، والتواصل مع السكان المحليين. وعلاوة على ذلك، فإن الحصول على السكن المناسب والمواءمة الاجتماعية هي عناصر أساسية في أي مخطط اندماج، إلى جانب المساواة في الحصول على المساعدة والمنافع الاجتماعية (الرعاية الصحية في المقام الأول).
تحاول تركيا بالتأكيد أن تفي بالتزاماتها الإنسانية، وقد أنفقت مليارات الدولارات على السوريين منذ وصولهم في عام 2011. إن الرعاية الصحية المجانية، والحق في الحصول على التعليم، وتصاريح العمل المحدودة ليست سوى بعض إنجازات الدولة التركية. حتى الآن حصل 11 ألف سوري على تصريح للعمل. وفي الآونة الأخيرة بدأ برنامج الغذاء العالمي وجمعية الهلال الأحمر التركي برنامج المساعدات النقدية لمدة عام بتمويل من الاتحاد الأوروبي لدعم مليون لاجئ سوري. على أن هذه الجهود في معظم الحالات ذات طبيعة خيرية ولا تقوم على نهج الحقوق، ونتيجة لذلك فهي بعيدة عن أن تكون مرضية أو دائمة.
وهذا هو السبب في أن تركيا تحتاج إلى تغيير نموذجي في نهجها في التعامل مع قضية اللاجئين. يجب أن تكون نقطة البداية التنفيذ الكامل للقانون الدولي للاجئين دون أي قيود. وهذا سيمكن اللاجئين من أن يقل اعتمادهم تدريجيا على أموال الدولة، وسيسمح لهم في نهاية المطاف بأن يصيروا فاعلين في الاقتصاد التركي. إن رفع القيود الجغرافية التركية، والاعتراف بالحقوق الاساسية للاجئين هي استراتيجية الخروج الوحيدة والممكنة، وهي أقل حساسية سياسية من التجنيس.
من ناحية أخرى تحتاج الدول الغربية والولايات المتحدة إلى تغيير مماثل في نهج تعاملها مع الأزمة الإنسانية الحالية، فيجب عليها أن تكون أكثر سخاء في تحمل العبء، ويجب عليها أن تشجع وتدعم بقوة وسخاء أكثر جهود الدول التي تضيف أكبر عدد من اللاجئين، مثل تركيا والأردن ولبنان. يجب إيجاد مزيد من خيارات إعادة التوطين مع زيادة الأموال المخصصة لرعاية اللاجئين في الدول المضيفة. إن القاعدة الأساس للنظام الدولي للاجئين، وفهم أن مشكلة اللاجئين ذات طبيعة دولية ينبغي معالجتها على الصعيد الدولي فقط، كما هو مبين في الفقرة الرابعة من اتفاقية اللاجئين عام 1951.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس