ديفيد هيرست - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس
منذ وقت ليس ببعيد كان السؤال الذي يتردد في أذهان كثير من الناس هو من تختار الولايات المتحدة شريكا في تحرير مدينة الباب شمالي سوريا من براثن مقاتلي تنظيم الدولة "داعش"، هل تختار الأتراك أم الأكراد.
ومنذ ذلك الحين أجيب عن هذا السؤال في مناسبتين على الأقل. تحصل القوات البرية التركية على غطاء جوي من الروس ومن القوات الجوية التركية أيضا، وليس بوسع الولايات المتحدة أو حلفائها الأكراد وحدات الحماية الشعبية أن يفعلا سوى القليل حيال ذلك.
أعلنت وكالة سبوتينك التي حلت محل وكالة أنباء نوفوستي ناطقا رسميا لروسيا، والتي كانت في مرحلة من المرحل محظورة في تركيا، أعلنت عن أول ثلاث غارات روسية حول مدينة الباب بالصيغة التالية:
"حظيت عملية درع الفرات التي تشنها تركيا للدفاع عن حدودها من الإرهابيين بدعم ملحوظ من روسيا، فقد أعلن مسؤولون عسكريون أتراك أن مقاتلات روسية قتلت 12 مسلحا من داعش في غارات جوية. كانت الولايات المتحدة خجولة في دعم تركيا بينما دعمت وحدات الحماية الشعبية التي تسعى منذ وقت طويل إلى إنشاء دولة مستقلة عن أنقرة".
حذفت سبوتنيك الإشارة إلى أن موسكو تؤيد الأكراد السوريين في هذا الطموح، وسمحت لهم بفتح أول مكتب دولي لهم في موسكو، وقد صار ذلك كله الآن من الماضي.
الـسـعـوديـة لـم تـعـد مـهـتـمـة
مرحبا بالنظام العالمي الجديد، على الأقل فيما يتعلق بسوريا. يميز سقوط حلب شكلا من أشكال تغيير النظام بين الدول التي تتحكم سرا في المعارضة السورية السياسية والمسلحة، تمثل في خروج الولايات المتحدة والسعودية ودخول تركيا.
منذ وقت ليس ببعيد كانت السعودية تتحكم في أصغر تحركات المعارضة السورية. عندما انسحب قادة المعارضة السورية من جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف، كانت هناك اتصالات من الرياض تأمرهم بمغادرة الفندق في موعد محدد.
في ديسمبر/ كانون الأول ألقى الملك سليمان خطابا أمام مجلس الشورى المعين، فيما يمكن عده خطاب حالة المملكة، وكان هذا الخطاب قبل سقوط حلب ببضعة أيام. لم يشر الملك سلمان إلى سوريا في الجزء الخاص بالشؤون الخارجية من خطابه باستثناء جملة قصيرة في الفقرة المخصصة للعمل الإنساني أشاد فيها بالحملة السعودية لإغاثة اللاجئين السوريين.
كان هذا الإغفال متعمدا. كانت الرسالة التي وجهها الملك سلمان إلى الثوار الذين كان يمولهم ويسلحهم ذات يوم رسالة بسيطة: لم نعد مهتمين. كان لهذا تدعيات واضحة على تركيا أيضا.
كان استياء تركيا من إدارة أوباما المنتهية قد تراكم باطّراد، ووصل إلى ذروته بعد الانقلاب الساقط في العام الماضي. طلب الأتراك لسنوات إقامة منطقة حظر طيران، ولم يحصلوا عليها، وطلبوا على مدى سنوات أسلحة تمكن الجيش السوري الحر من تغيير مسار الحرب، لكن أوباما رفض ذلك أيضا.
وسواء أكانت نظرية مؤامرة أم لا، تعتقد غالبية الحكومة التركية أن واشنطن لها يد في محاولة الانقلاب في يوليو/ تموز، أو كانت على معرفة مسبقة بها. العلاقات مع أوروبا علاقات باردة، بعد إخفاق الاتحاد الأوروبي في تنفيذ ضفقة إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة، وهذا أحد الأسباب التي أجبرت أحمد داود أوغلو على الاستقالة من منصب رئيس الوزراء.
الكثير من هذه التطورات كان هدية من السماء لفلاديمير بوتين الرجل الذي صار أقرب حليف أجنبي لأردوغان. صار الملف التركي مهما للغاية بالنسبة إلى موسكو، وأهم من أن ينحرف به قتل السفير الروسي. تركيا تملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو الذي أضعف توسعه شرقا الكثير من القوة الجيوسياسة الروسية. إن احتمال أن يتمكن أردوغان من الانسحاب من الناتو، وهو احتمال ما يزال ضئيلا، سيكون إنجازا كبيرا لبوتين.
لقد حصل بوتين على ما يريد من تدخله في سوريا، فلديه قاعدته العسكرية في سوريا، وأُنقذت الدولة السورية، كما أضعف الثوار الذين باتوا مستعدين، أو هكذا تظن روسيا، لقبول اتفاق لتشكيل حكومة انتقالية تبقي الأسد في منصبه.
خـطـر الـتـداعـيـات الـسـلـبـيـة
لا تهتم روسيا بالقضاء المبرم على المتمردين السوريين في إدلب، أو إثارة غالبية السكان السنة ضدهم. كان نشر 400 من رجال الشرطة العسكرية الشيشانيين، وهم من المسلمين السنة، في حلب ثمرة أخرى للاتفاق التركي الروسي، وجاء بناء على طلب تركيا.
إنْ شعر دونالد ترامب بأن لديه مشكلة مع المسلمين الأمريكيين الذين يشكلون 1% من سكان أمريكا، فإن الأقليات المسلمة، وغالبيتها من التتار والباشكير الأتراك والشيشانيين، يمثلون ما يقارب 14% من سكان روسيا الاتحادية. هناك مليون مسلم في موسكو وحدها، وقد نظموا أكبر احتفال في العالم بالعيد. إن خطر التداعيات السلبية في سوريا على شوارع موسكو هو خطر حقيقي، مع، أو بدون، التهديدات التي تبثها بالفيديو الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش في العاصمة الروسية.
تكمن مصلحة روسيا في إنهاء الصراع السوري عاجلا وليس آجلا، وآخر شيء يريد بوتين أن يفعله هو تكرار الخطأ الذي ارتكبه جورج بوش في العراق أو الخطأ الذي ارتكبه السوفييت بالفعل في أفغانستان، وفي كليهما انتصرت القوات الغازية في الحرب، لكنها خسرت في السلام.
عند هذه النقطة تتباعد المصالح الروسية والإيرانية. لم يكن لدى روسيا مشكلة قط مع الغارات الجوية الإسرائيلية على خطوط إمداد حزب الله في جنوب سوريا، وعلى النقيض من روسيا، فإن دوافع إيران في سوريا هي دوافع أيديولوجية.
إيران هي العقل المدبر لخطة الأسد بإعادة رسم الخريطة العرقية في وسط سوريا، فهم يريدون إخلاء جميع السنة من مناطقهم الواقعة بين دمشق والحدود اللبنانية. نقلت إيران 300 عائلة شيعية من العراق وأعادت توطينهم في ضاحية داريا في دمشق التي كانت معقلا للمعارضة قبل انسحابها منها في أغسطس/ آب، كما نقلوا عائلات شيعية لحماية مرقد السيدة زينب. المخطط الإيراني هو مخطط استراتيجي طائفي عميق طويل المدى.
تضغط إيران لشن هجوم شامل على إدلب بعد سقوط حلب، بحجة، لكن دون جدوى الآن، أنه لا ينبغي منح الثوار أي فترة راحة.
الـرابـحـون والـخـاسـرون والـمـنـسـحـبـون
هذا إذن هو الوضع القائم في سوريا الذي سيواجهه ترامب في العشرين من يناير/ كانون الثاني. ودون أن يضطر ترامب إلى اتخاذ قرار سياسي واحد، فإن الوضع القائم ملائم للتقارب الأمريكي الجديد مع بوتين وأردوغان الذي يحظى بمباركة إسرائيل.
أما الخاسرون من الاتفاق الروسي التركي الذي يحظى بترحيب ترامب، فهم الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران ووحدات الحماية الشعبي. حدثت توترات بين إيران ومجموعة من أكراد العراق، على الرغم من أنهم ينتمون لجماعة مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع للبرازاني، وهي جماعة إيرانية معارضة مسلحة تطلق على نفسها الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. وقد اتهم الحزب إيران بالوقوف وراء التفجير الذي وقع في كويسنجق شرقي مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وأسفر عن قتل خمسة من قاتليها وشرطي عراقي.
شهد العام الماضي أول اشتباكات عنيفة منذ عدة سنوات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني والحرس الثوري الإيراني في شمال غرب إيران. وفي الوقت الحالي ما تزال القوات الكردية السورية التابعة لجيش سوريا الديمقراطي الذي تدعمه الولايات المتحدة تواصل مسيرها نحو مدينة الرقة.
سيحظى الاتفاق الفعلي بين روسيا وتركيا بتقاسم مناطق النفوذ خارج سوريا بمباركة الملك سلمان. كان السعوديون فزعين للغاية من التدخل الروسي والاتفاق النووي مع إيران، وإقرار الكونغرس لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا"، إلى حد أنهم سيفعلون أي شئ لمسايرة الإدارة الأمريكية الجديدة.
على أن هذا ليس نهاية القصة، فلن يكون من السهل ردع الأسد وإيران اللذين يرغبان في تأكيد مكسبهما ضد المتمردين، مثلما تظهر آخر خروقات وقف إطلاق النار حول دمشق. ونظرا لأن إيران استثمرت كثيرا في في تدخلها الخارجي، فإنها لن تسمح لتركيا بتوطيد الجيش السوري الحر وتقويته تحت قيادة موحدة، وهو ما تتوعد تركيا بعمله الآن.
لن يكون من السهل أيضا تحريك فصائل المعارضة المسلحة سواء لوقف القتال أو الهجوم. إنني لا أشارك موسكو الثقة في أن فصائل المعارضة ستجلس مع الأسد في غرفة واحدة، ناهيك عن أن توافق على بقائه. كل ما شهدناه هو مجرد فصل آخر من مسيرة طويلة لانسحاب أمركيا من الشرق الأوسط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس