جمال قارصلي وطلال جاسم - خاص ترك برس
تشير الكثير من الدراسات إلى أن هناك فقط عشرة في المائة من السوريين مع النظام ومثلهم مع المعارضة، وباقي السوريين يصطفون إلى هذا الطرف أو ذاك، كرها بالطرف الآخر أو خوفا منه.
حل الأزمة السورية يحتاج إلى مؤتمر للمصالحة والمصارحة والمسامحة، تُدعى إليه كل الأطراف المتنازعة وجميع مكونات المجتمع السوري، ولا يُستثنى أي طرف منها مهما كان صغيرا أو لأية جهة ينتمي. الهدف هو الوصول إلى لقاء يكون فيه كل السوريين ممثلين، بغض النظر عن جهة انتمائهم القومي أو الديني أو الطائفي أو الفكري وعدم حصر هذا المؤتمر فقط بين الفئات المتقاتلة. كل اللقاءات أو المؤتمرات التي عُقدت إلى الآن لم تُجدي نفعا مثل جنيف وباريس، لأنها استبعدت فئات مهمة من المجتمع السوري، وما يدور الآن من نقاش حول انعقاد مؤتمر أستانة لن يكون أفضل من غيره.
مؤتمر مثل هذا يحتاج إلى رعاية من قِبل منظمات أممية أو دولة تتبنى كل تبعاته اللوجستية والمالية والعملية والتنظيمية. فحسب وجهة نظرنا نرى بأن ألمانيا هي الدولة المناسبة للقيام بمثل هكذا مشروع، لأنها تحظى باحترام كل الأطراف المتنازعة ومكونات المجتمع السوري. تحت الإدارة ألمانية يمكن مشاركة المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وكذلك الدول المؤثرة بالشأن السوري. ألمانيا تستطيع أن تطرح مبادرة سلام سورية أو خارطة طريق والتي تبدأ بانعقاد مثل هذا المؤتمر. نحن نعوّل على الدبلوماسية الألمانية البارعة والتي استطاعت أن تحل أزمات دولية كثيرة.
الـخـطـوات الـعـمـلـيـة
يسبق مؤتمر المصالحة العام مؤتمرا تشاوريا مصغرا يُدعى إليه حوالي مئة شخصية ومن كل الأطراف لتقريب وجهات النظر والإعداد للمؤتمر العام.
من هذا المؤتمر تنبق ثلاثة لجان:
- لجنة مؤلفة من حوالي 30 شخصا من أجل تنظيم مؤتمر المصالحة العام.
- لجنة لتحضير مشروع إعادة بناء الدولة مع كل تفرعاته وتفاصيله.
- لجنة دستورية من أجل كتابة مسودة دستور جديد للبلاد تمهيدا لعرضه على المؤتمر العام ومن ثم للاستفتاء عليه من قِبل الشعب.
مـؤتـمـر الـمـصـالـحـة الـعـام
في هذا المؤتمر يتم وضع أسس المرحلة الانتقالية والتي ستدوم لعامين متتاليين. نقترح دعوة حوالي ألف شخصية سورية وفق نسب لا يشترط أن تعبر عن النسب الحقيقية للتعداد السكاني للمكونات وإنما تهدف لطمأنة الجميع بأنهم شركاء في هذا الوطن والتي يجب أن يكون للمرأة نصيبا فيها ويتناسب ونشاطها ودورها في المجتمع. ويتم تمثيل كل مكون من كل اتجاهاته السياسية والعسكرية والمدنية والحقوقية وكذلك الشباب والمرأه. فمثلا يمثل الكورد من المجلس الوطني الكوردي وقوات سوريا الديمقراطية والمستقلين الكورد واتحاد القوى الديمقراطية الكوردية ومنظمات شباب الكورد ومن الناشطين في منظمات المجتمع المدني وممثلين عن الكورد الموالين. وهذا ينطبق على باقي المكونات. كما يتم مشاركة كل الجهات السياسية المتمثلة في النظام والمعارضة السياسية والفصائل العسكرية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والبحثية, إضافة إلى شخصيات وطنية لها احترامها عند الجميع عابرة للطوائف والقوميات والتخندقات، وعدد من العلماء والخبراء الدستوريين والمغتربين أصحاب الخبرات الكبيرة ومن ذوي الشأن في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها.
التجارب علمتنا بأنه لا يمكن إقامة دولة على أساس المواطنة إلا بعد توافقات تؤسس لثقة بين المواطنين، مبنية على الإعتراف بحقوق الآخرين المختلفين قوميا أو دينيا أو فكريا. ونشير هنا إن قوة الدولة ومؤسساتها هي الضامن الأكبر لكل الحقوق والتفاهمات والاتفاقات المبرمة بين كل فئات ومكونات المجتمع من أجل بناء دولة المواطنة والعدالة والمساواة. ويجب الأخذ بعين الاعتبار استقلالية القضاء وفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. في ختام هذا المؤتمر يجب أن يتم تشكيل بعض المؤسسات التي سيكون لها دور هام في قيادة البلاد في المرحلة التحضيرية مثل البرلمان والحكومة وبعض المؤسسات القضائية.
موازاة إلى التحضيرات التي تتم من أجل انعقاد مؤتمر المصالحة العام، علينا أن ندعم كل مبادرات بناء الثقة بين فئات ومكونات وأطياف المجتمع، لتكون أساسا للمصالحة والمسامحة، إضافة إلى إجراءات تعزز هذه الثقة، وكذلك الاتفاق على المظلوميات وتأطيرها وإيجاد آليات وأسس لمعالجتها، وتقديم الضمانات من الكل وللكل بأن هذه المظلوميات لن تتكرر ولن يستطيع أي مكون أن يسلب الآخرين حقوقهم أو ينتقص من كرامتهم. علينا أن نبدأ من حيث يمكن أن نتفق، وكلما تقدمنا خطوة في الاتفاق وفي بناء الثقة فيما بيننا، تقدمنا بخطوة في نقاش القضايا الأكثر حساسية، وهكذا. نأمل أن يحقق هذا المؤتمر النقاط التالية:
- العمل على تثبيت وقف إطلاق النار على كافة الأرض السورية من خلال إقناع كل الأطراف بأن الحل ممكن وهناك مشروع لإنقاذ سوريا وسيحصل الكل على حقوقه ضمن اتفاق عام لا يقصي أحدا.
- العمل على تطوير ودعم تجارب الحكم المحلي من خلال تشكيل لجان مركزية وفرعية لدعم الحكم المحلي المدني وتقوم هذه اللجان بتأمين وتبادل الخدمات والإشراف على عمل المجالس المحلية ومعالجة المشاكل فيما بينها لحين ممارسة الحكومة التي سيُتفق على مهامها بحيث نضمن إستمرار حياة الناس بشكل مقبول كخطوة في إعادة دمجها في الدولة من جديد.
- السماح بمرور الإغاثة والإعانات الطبية والبضائع وتمكين مؤسسات المجتمع المدني والحقوقي والمنظمات الدولية بالتحرك بحرية والقيام بعملها وحمايتها من قبل القوة العسكرية المسيطرة.
- البدء بحوارات على المستوى المحلي بين المدنيين والعسكر المحليين على كيفية إدارة المناطق والتخلص من السلاح وتوظيفه في مرحلة السلام. وإعادة تأهيل المقاتلين للعودة إلى الحياة المدنية.
- التشجيع على البدء بتقديم بعض الخدمات الأساسية ومساعدة السكان المحليين على إعادة تأهيل ما يمكن تأهيله للبدء بمرحلة جديدة في مجال التعليم والصحة والسكن وخدمات المياه والكهرباء.
- العمل على توحيد الجهود في محاربة الإرهاب فكريا وعسكريا واعلاميا وإزالة مسببات الإرهاب.
- الاتفاق على تشكيلة البرلمان في المرحلة التحضيرية وبطريقة الانتقاء من المؤتمر العام ومن خارجه ولمدة سنتين يمثل كل أطياف المجتمع السوري بجميع مكوناته حيث يمثل فيه السلطة والمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والمكونات أيا كانت توجهاتها السياسية وحسب النسب التي سيتم الإتفاق عليها في هذا المؤتمر.
- تشكيل حكومة كفاءات تمثل كل المكونات والمحافظات والإتفاق على شكل الحكم (لامركزية إدارية أم سياسية أم فيدرالية أم نظام غير متماثل) وكيفية تقاسم السلطة وتوزيع الموارد. ويمكن أن تلعب الموارد دورا إيجابيا في إعادة اللحمة الوطنية والعيش المشترك.
- الاتفاق على معالم طريق دستور مؤقت للبلاد يعتمد مبادئ دستورية تقدم ضمانات بعدم المساس بحقوق المكونات والحريات العامة من كل الأطراف ووضع التوافقات بين المكونات السورية نصا وروحا ضمن الدستور القادم بحيث يضمن الحقوق ويزيل المخاوف ويكون واضح وخالي من الألغام والأفخاخ, ويمكن أن نستفيد من الدستور السوري الذي وضع في خمسينيات القرن الماضي وكذلك من الدستور الأخير المعدّل.
- الاتفاق على كيفية إعادة بناء الجيش والشرطة والأمن وإعادة تشكيلها على أسس وطنية وتشمل كل المكونات. وكيفية حماية الوطن والمواطن في المرحلة التحضيرية وخاصة من الأخطار الإرهابية. ويمكن تشكيل لجان لهذا الغرض.
- الاتفاق على تشكيل لجان قضائية ومحاكم خاصة لدراسة المظالم الخاصة والعامة و تعويض المتضررين من تبعات الحرب وكذلك من تبعات المظالم التي حلّت بالشعب عبر المراحل السابقة ووضع جدول زمني على مراحل لحلها ونقاشها وجدول للأولويات لكي لا نسمح للمظلوميات أن تدمر الدولة وإنما تكون أساسا لدولة عادلة مع جميع أبنائها.
- الاتفاق على شكل ومصادر تمويل إعادة إعمار سوريا بداية من المدارس والمساكن البسيطة والمشافي والمراكز الصحية, فهناك أرقام مرعبة من ذوي الإعاقات الدائمة. البداية تكون انطلاقا من المهام الاجتماعية ومن ثم تتبعها باقي القطاعات.
- التوافق على تشكيل لجنة مركزية مختصة للمسامحة والمصالحة الوطنية مؤلفة من الوجهاء والزعامات وشيوخ العشائر. ويكون هناك لجان على مستوى المحافظات والمدن والبلدات والقرى.
- التوافق على كيفية إعادة هيكلة التوزيع الإداري للمحافظات من خلال تحويل بعض المناطق السورية إلى محافظات، مع القيام بتغييرات بما يراعي المرحلة الحالية ويجنبنا الكثير من الصدامات والتوترات الناتجة بسبب مراجعات المواطنين للدوائر الحكومية أو بالحملات الانتخابية.
من المعروف بأن أول شيء يموت في الحروب هي الحقيقة، وأن ما يتم نشره من قِبل وسائل إعلام الأطراف المتنازعة أو حولها، هو بعيد كل البعد عن الحقيقة، وهذا ما يزيد التوتر بين الأطراف المتنازعة. في هكذا مؤتمر، وعندما تلتقي الأطراف وتتحاور مع بعضها البعض وربما تتعاتب فيما بيها، ستتقارب وجهات نظرها ويصبح الحل أقرب مما نتصور، على مبدأ المثل الشعبي القائل "العتاب يجلي القلوب". في النزاعات التي تدوم طويلا لا يمكن أن نتهم طرفا بكل ما يحصل ونبرئ الأطراف الأخرى. كل الأطراف تتحمل جزء من وزر ما يحصل الآن في سوريا ولكن بنسب مختلفة. نحن نعلم بأن التوافق يعني شيئا من التنازل، أي أنه لا يستطيع أي طرف كان أن يملي كل شروطه على الأطراف الأخرى، وإن كان هكذا، فإنه لن يكون اتفاقا، بل استسلاما.
علينا أن نعمل كل ما بوسعنا على كسر دوامة العنف والتصعيد وأن نبحث عن حل يخرجنا من هذه المرحلة القاتمة، وأن نرجع سيادة قرارنا إلينا كسوريين وأن نحدد مصيرنا نحن بأنفسنا وأن لا نظل ألعوبة بين تجاذبات مصالح الدول الأخرى وساحة لتصفية حساباتها وأن نصل إلى توافق سوري – سوري يرضي كل السوريين، ونُحَكّمْ بيننا صناديق الاقتراع عوضا عن صناديق الذخيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس