حايد حايد - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس
دفع الحرص على تأمين نظام الأسد والحيلولة دون سقوطه إيران وروسيا للتدخل معا في سوريا، وقد سمح تقاسم المهام بين حلفاء النظام واستقلال كل منهم عن الآخر بإيجاد جبهة موحدة سياسيا وعسكريا. لكن يبدو أن المصالح المشتركة لهؤلاء الحلفاء أخذت تتباعد تدريجيا، بعد أن حققوا هدفهم على المدى القصير بالحفاظ على النظام السوري.
ويبدو أن الصراع على النفوذ في سوريا في مرحلة ما بعد الصراع، واختلاف أجندة المتنافسين على المدى الطويل هو أمر لا مفر منه.
أدى تدويل الصراع في سوريا إلى تحويله إلى حرب بالوكالة بين معسكرات متباينة، ولذلك سيكون إيجاد حل لهذا الصراع أكثر صعوبة، لأنه سيخلق انقسامات جديدة بين نفس الحلفاء. يساعدنا التسليم بوجود خلافات بين المؤيدين الرئيسيين للنظام في مرحلة مبكرة على فهم الاحتمالات والتحديات المقبلة لإنهاء الصراع المستمر منذ ست سنوات.
استعادة النظام مقابل الحفاظ على النفوذ
تدخلت إيران في سوريا لأسباب استراتيجية شملت المحافظة على نفوذها، وتأمين طرق الإمدادات عبر سوريا إلى حزب الله وكيلها في لبنان، كما أن للتدخل الإيراني جوانب أيديولوجية ترتبط بالصراع الأوسع بين السنة والشيعة. وقد دفع افتقار النظام السوري إلى المقاتلين إلى اعتماده على الميليشيات المدعومة من إيران، ومنح طهران دورا مهيمنا في سوريا.
كانت إيران المورد الأساس لنظام الأسد بالمقاتلين، الأمر الذي ساعد النظام على الاحتفاظ بسيطرته على الأرض. أرسلت طهران الآلاف من مقاتلي الميليشيات الإيرانية الشيعية من إيران والعراق ولبنان ومناطق أخرى إلى سوريا، علاوة على آلاف المقاتلين من الميليشيات المحلية الإيرانية التي تدربها إيران وتمولها.
دعمت روسيا النظام السوري سياسيا إلى حد كبير باستخدام الفيتو ضد أي قرار مناهض للأسد في مجلس الأمن الدولي، وقد تطور الدور الروسي في سبتمبر/ أيلول 2015 إلى عملية عسكرية مباشرة للحفاظ على النظام الذي كان على وشك الانهيار.
تكمن مصلحة موسكو، بعد نجاحها في تأمين النظام، في إنهاء النزاع السوري في أقرب وقت ممكن من أجل حصد الثمار، والانتصار في الحرب والسلام. ويبدو أن الكرملين حريص على الاستفادة من انتصاره في حلب لتحويل دوره في سوريا من اللاعب العسكري إلى صانع السلام كوسيلة للحفاظ على نفوذه في سوريا على المدى الطويل.
وعلى النقيض من موسكو تعتقد إيران أن العملية المنتصرة في سوريا يجب أن تستمر كي تكون قادرة على إملاء شروط حل يضمن نفوذها ومصالحها في مرحلة ما بعد الحرب.
هدف روسيا على البعيد هو استعادة الدولة القوية بمؤسساتها والتي تحتكر السلاح. وفي المقابل فإن رؤية إيران على المدى البعيد هي الحفاظ على الميليشيات العميلة قوية على غرار لبنان والعراق، وإن كانت ستأخذ شكلا مختلفا في سوريا، من أجل حماية مصالحها في سوريا والمنطقة على المدى الطويل.
تحول الاستراتيجية
أعطت إيران في الآونة الأخيرة تعليمات للميليشيات المتحالفة معها للتحرك ضد الأوامر الروسية، مما يشير إلى تباين مصلحة البلدين. وخلال الهجوم الأخير الذي شنه النظام للسيطرة على معقل المعارضة في شرق حلب، توصلت روسيا بالتعاون مع تركيا إلى اتفاق يسمح بخروج المدنيين وجماعات المعارضة إلى مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا.
لم تكن إيران راضية عن هذا الاتفاق لأنها لا تستفيد منه، وزعمت أنه لم يتشاور معها بصدده، ودفعت الميليشيات المتحالفة معها إلى تخريبه. ثم عدل الاتفاق بعد ذلك ليشمل مطالب إيران بإخلاء بلدتي الفوعا وكفريا الشيعيتين اللتين يحاصرهما الثوار في إدلب.
بنت موسكو على انتصارها في حلب وتقاربها مع تركيا، وتوسطت في وقف إطلاق النار مع جماعات المعارضة لتمهيد الطريق لإجراء محادثات سلام. كان وقف إطلاق النار محاولة من روسيا لتقديم نفسها بوصفها وسيطا، وتهميش إدارة أوباما والأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن إيران أحد الرعاة الثلاثة لمحادثات السلام التي تقودها روسيا، فإنها لم تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار. وواصلت الميليشيات المدعومة من إيران وتحديدا ميليشا حزب الله هجومها على بلدة وادي بردي في ريف دمشق، الأمر الذي شجع النظام أيضا على مواصلة غاراته الجوية في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من هذه الانتهاكات التي يمكن أن تعوق محادثات السلام التي تقودها روسيا، فإن تركيا كانت قادرة على الضغط على جماعات المعارضة للالتزام بوقف إطلاق النار والذهاب إلى محادثات السلام.
لم تقتصر الخلافات الناشبة بين حلفاء النظام السوري على القضايا المتعلقة بالوضع على الأرض فقط، بل امتدت إلى الساحة السياسية، ولا يبدو أن إيران متفقة مع محاولة الكرملين التفاوض مع فصائل المعارضة في شمال سوريا والتوصل إلى حل توافقي. تعارض طهران أيضا قرارات موسكو الاستراتيجية فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع تركيا، والعلاقات مع إدارة ترامب، فهذه العلاقات تزيد من قلق إيران من تحول ميزان القوى في سوريا.
ولعل اختيار مسؤولين سوريين يمثلون كلا من إيران وروسيا في محادثات السلام يزيد التنافس بين الحليفين الذين اختاروا هؤلاء المسؤولين السوريين في المفاوضات، وشمل هذا اختيار أعضاء الوفد الرسمي للنظام السوري.
تمكنت موسكو من فرز الخلافات مع إيران في المفاوضات بحيث تضمن تحقيق مصالح البلدين ، ولكن سيكون من الصعب على موسكو أن تستمر في تجنب معالجة الأهداف المتباينة لإيران في سوريا، إذا كانت ترغب في تحقيق نتائج ملموسة في محادثات السلام.
تمكنت روسيا من خلال تركيا من الضغط على جماعات المعارضة لتقديم تنازلات، لكن هذه الجماعات تصر في بعض النقاط على رفض التنازل ما لم تحصل على شئ في المقابل، ولذلك ستتخذ موسكو قرارات استراتيجية يعتمد بعضها على سياسة ترامب تجاه جميع الأطراف المعنية، ويعتمد بعضها الآخر على مدى جدية روسيا في أن تصير صنعا للسلام لا في سوريا فحسب، بل في المنطقة كلها.
ينبغي لإيران أيضا أن تتخذ قرارا حول ما إذا كان استمرار الحرب هو الخيار الأفضل بالنسبة لها، أو أنها يمكن أن تحقق النتائج نفسها بوسائل مختلفة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس