إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان في الثاني والعشرين من يناير وحتى السادس والعشرين جولة أفريقية زار خلالها ثلاث دول في شرق أفريقيا تنزانيا وموزمبيق ومدغشقر، وتعد هذه الزيارة جزءا من سياسة التركيا المستمرة في الانفتاح على أفريقيا التي بدأت منذ عام 2005 ، وتسعى إلى توسيع علاقات تركيا وتعميقها مع القارة الأفريقية كلها.
وعلى مدى العقد الماضي قدم أردوغان عندما كان رئيسا للوزارء ثم رئيسا للجمهورية، أفريقيا أكثر من ثلاثين مرة زار خلالها 23 بلدا أفريقيا، وهو رقم قياسي لعدد الزيارات التي يجريها زعيم غير أفريقي. ويعد هذا دليلا على نظرة تركيا الاستراتيجية إلى أفريقيا، حيث إنها تطور علاقات ثنائية جديدة مع الدول الأفريقية. وعلى ذلك وسعت تركيا وجودها الدبلوماسي في القارة من 12 سفارة فقط في عام 2004 إلى 39 سفارة في عام 2016 ، وفي عام 2012 فقط ساهمت تركيا ب800 ملون دولار في برامج المساعدات المقدمة لأفريقيا.
لوكالة التعاون والتنسيق التركية " تيكا" 16 مكتبا في أفريقيا، وتنفذ الوكالة مئات المشروعات في جميع أنحاء القارة من حفر الآبار وفتح العيادات الطبية إلى تدريب المزارعين وترميم المواقع التاريخية، وهناك أيضا عشرات المنظمات غير الحكومية التركية ومنظمات الإغاثة النشطة في مساعدة المحتاجين. وقد قابل الاتحاد الأفريقي هذا النهج الجديد من جانب تركيا بإعلانه تركيا شريكا استراتيجيا في عام 2008 ، وفي العام نفسه عقدت أول قمة تركية أفريقية في إسطنبول، ثم عقدت القمة التالية في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية عام 2014 ، ويتوقع أن تعقد القمة الثالثة في تركيا في عام 2019 .
قبل عقد من الزمان كان إجمالي حجم تجارة تركيا مع أفريقيا أقل من 3 مليارات دولار، أما اليوم فقد تجاوز 25 مليار دولار. تُسير الخطوط الجوية التركية رحلات إلى 40 نقطة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا، أي أكثر من جميع شركات الطيران الدولية في العالم. تملك أكثر من 30 دولة أفريقية بعثات دبلوماسية في تركيا ، ويدرس في تركيا أكثر من 5000 طالب وطالبة من دول أفريقية بمنح دراسية كاملة. وتشير هذه الأرقام إلى أن هناك اتجاها قويا ومطردا من تعميق العلاقات بين تركيا والقارة الأفريقية.
أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية، وتملك القوة البشرية الشابة وإمكانات هائلة للتنمية، لكنك تجد في القارة الفقر المدقع وسط هذه الثروات الهائلة، ولذلك فإن الاستقرار السياسي، ومكافحة الإرهاب، والقضاء على الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة هي أولويات رئيسة لكثير من الدول الأفريقية. وبالنظر إلى تاريخ الاستعمار الأوروبي المخجل في القارة لا يمكن للمرء إلا أن يكون حذرا ويقظا في مواجهة إرث الوصاية السياسية والحروب بالوكالة والعبودية الحديثة والاستغلال الاقتصادي. وما تزال كثير من الدول والشركات المتعددة الجنسيات تسعى إلى استغلال ثروات أفريقيا، على الرغم من أن الاضطرابات السياسية والفساد الاقتصادي في القارة يلحق الضرر بالجميع في كل مكان.
تتبع تركيا سياسة " الكل رابح " في أفريقيا بدلا من خلق علاقات جديدة من التبعية والوصاية والاستغلال، وتركز على المساواة السياسية والتنمية الاقتصادية المتبادلة، وتسعى إلى مساعدة الدول الأفريقية في سياستها الحكيمة التي تقوم على " حلول أفريقية لمشاكل أفريقيا ". ولتحقيق هذه الغاية تنفذ تركيا برامج على مستوى القارة لتدريب الطلاب الأفارقة وموظفي الخدمة المدنية في مختلف المجالات، وتقديم المساعدة بوسائل تساعد في تمكين دول القارة لا إضعافها، وهذا هو ما قامت به تركيا في الصومال منذ عام 2011 عندما نشرت حملة عالمية لمساعدة هذا البلد في علاج المجاعة والجفاف والفقر المدقع والإرهاب. قدمت تركيا عبر القطاعين العام والخاص مساعدات واستثمارات للصومال بقيمة مليار دولار. وعلى الرغم من أن الصومال ما يزال أمامها طريق طويل للوصول إلى الأمن والتنمية الاقتصادية ، فإنها الآن في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ست سنوات. وقد ردت الدول الأفريقية بالإيجاب على سياسة الكل رابح التركية، وزادت الزيارات رفيعة المستوى في السنوات الأخيرة. تنفذ الشركات التركية عددا من المشاريع الكبرى، مثل مشروع خط السكك الحديدية بطول 2000 كيلو متر في تنزانيا، وبناء مساكن اجتماعية بأسعار منخفضة في موزمبيق،وبناء محطات توليد الطاقة في مدغشقر، وإنتاج الأسمنت والملابس والإلكترونيات وغيرها في البلدان الأفريقية، وبالتالي توظيف آلاف الأفارقة في بلدانهم.
يقود الرئيس أردوغان شخصيا هذا النهج في الحقبة الجديدة ، ولا يكتفي بزيارة الدول الأفريقية ولقاء القادة الأفارقة في تركيا، بل يشجع أيضا الشركات والجامعات والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحوث، ووكالات السياحة، والمواطنين العاديين على الانخراط في علاقات تعاون بين الطرفين، ويبني أردوغان الثقة المتبادلة والمنفعة للجميع بحيث تعالج جميع القضايا بطريقة منفتحة وصريحة.
ومما يتضمنه هذا النهج أن تركيا طلبت من الدول الأفريقية عدم السماح لجماعة فتح الله غولن الإرهابية " فيتو" من أفراد ومؤسسات بممارسة أنشطة تخريبية على أراضيها. استغلت جماعة فيتو الإرهابية هيبة تركيا وقدراتها ووطدت دعائمها في عشرات الدول الأفريقية على مدى العقدين الماضيين. أما وقد اتضحت الآن هويتها الحقيقية بعد محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو، بدأ العديد من الدول الأفريقية في اتخاذ خطوات إيجابية لمواجهة هذا التهديد. ينبغي لإخواننا وأخواتنا الأفارقة أن يعرفوا أن القضاء على هذه الجماعة هو مسألة أمن وطني لا لتركيا فحسب بالنسبة إليهم أيضا، لأن هذه الجماعة ستفعل أي شئ في سبيل الوصول إلى السلطة السياسية ثم استخدامها ضد الدول التي فتحت أبوابها وقلوبها لهم.
إن سياسة الكل رابح التركية هي سياسة التمكين المتبادلة القائم على المساواة والشفافية والاستمرارية. لن تتحقق إمكانيات أفريقيا الضخمة في التنمية المستدامة إلا عندما يقضى على الأشكال الجديدة من العبودية الحديثة والاستغلال والتبعية، وعندما يسمح للافارقة بتطوير قدراتهم الذاتية بوسائل تنسجم مع روح القارة الأفريقية وتقاليدها في القرن الحادي والعشرين . ينبغي النظر إلى سياسة الكل رابح التركية بوصفها مساهمة متواضعة، لكنها مهمة لتحقيق هذا الهدف الثمين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس