جونيش أشيك - هارفارد بيزنيس ريفيو - ترجمة وتحرير ترك برس
يحب أبناء الشعب التركي أن يتفاخروا بحسن بضيافتهم. يعد الناس في ثقافتنا عدم تقديم الشاي للضيوف أعلى درجات سوء الأخلاق، وعندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا وبدأ اللاجئون في عبور الحدود إلى تركيا، أعلن المسؤولون الأتراك أن البلاد ترحب بالإخوة المسلمين الذين يفرون من نظام بشار الأسد الوحشي.
وقد بني هذا النهج على فرضية أن نظام الأسد سينهار بسرعة نسبيا، مما يسمح للسوريين بالعودة إلى ديارهم. وفي عام 2014، منح قانون "الحماية المؤقتة للأجانب" للاجئين حرية الحصول على الخدمات العامة، مثل التعليم والرعاية الصحية. لكن هذه الحماية لا تتضمن رؤية طويلة الأمد للاندماج؛ إذ لم يتوقع أحد في تركيا مدة الأزمة الإنسانية في سوريا وشدتها. وعلاوة على ذلك أغلق اتفاق مارس/ آذار 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حدود الاتحاد الأوروبي أمام اللاجئين، وعهد إلى تركيا بمهمة التعامل مع ملايين النازحين السوريين بمفردها.
يعيش الآن ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري في تركيا، يشكلون 3.5٪ من سكان تركيا. ومن بين هؤلاء هناك نحو 1.8 مليون شخص في سن العمل، يملك غالبيتهم مهارات منخفضة ولديهم حواجز لغوية. وأظهرت إحدى الدراسات أن 80٪ من اللاجئين المقيمين خارج مخيمات اللاجئين لديهم ثماني سنوات من التعليم أو أقل، وأن 10٪ فقط لديهم شهادة جامعية.
ارتفعت معدلات البطالة في المناطق التي تضم عددا أكبر من اللاجئين، وربما يشير ذلك إلى أن اللاجئين السوريين يحلون محل المواطنين الأتراك غير المتعلمين كمصدر للعمالة الرخيصة. وقد يكون ذلك أحد أسباب زيادة الاضطرابات المدنية، كما هو الحال في أماكن أخرى من العالم، ذلك أن كراهية الأجانب آخذة في الازدياد في تركيا. وقد تحول الخطاب اليومي من "السوريين ضيوفنا" إلى النقد والشك.
عندما اقترح الرئيس، رجب طيب أردوغان، منح الجنسية لبعض السوريين، وخاصة الأطباء والمهندسين، ظهرت بعض ردود الأفعال المعارضة. ويشكو بعض الناس من أن الجنود الأتراك يموتون على الأرض السورية في معارك مع داعش، بينما يستريح اللاجئون ويجمعون المساعدات الاجتماعية.
إن إطارا طويل الأمد لإدماج اللاجئين السوريين بات سياسة داخلية ملحة لوقف التوترات من هذا القبيل. ومن الضروري أيضا منع تعرض السوريين الضعفاء للاستغلال الاقتصادي. ويظهر استقصاء أجري في عام 2013 أن متوسط دخل الرجال خارج مخيمات اللاجئين (حيث لا يسمح لهم بالعمل) كان 160 دولارا شهريا، أي أقل بكثير من الحد الأدنى للأجر الشهري التركي البالغ 400 دولار تقريبا. إن عمالة الأطفال آخذة في الارتفاع (هناك مليون طفل سوري تقل أعمارهم عن 15 سنة في تركيا). وتشير إحدى الدراسات إلى أن معظم الأطفال السوريين عملوا في عام 2015 لأكثر من ثماني ساعات يوميا تقريبا كل يوم، وكان متوسط الأرباح اليومية أقل من 12 دولارا. وعندما داهمت الشرطة أحد المعامل في عام 2016 ضبطت الآلاف من سترات النجاة المزورة التي كان من المقرر بيعها للاجئين الذين يحاولون عبور البحر إلى اليونان بطريقة غير شرعية، والأكثر مأساوية أن هذا المعمل كان يشغل الأطفال السوريين.
على أن الأمر لا يسير على هذا النحو، فهناك أدلة متزايدة على أن السوريين يساهمون في الاقتصاد التركي رغم التحديات والتكاليف الاقتصادية للاندماج، وبعضهم يخلق فرص عمل من خلال المشروعات، ومن بين كل ثلاث شركات أجنبية حديثة التأسيس في تركيا هناك شركة واحدة يملكها سوريون، بحيث وصل عدد الشركات الجديدة التي يملكها سوريون في عام 2015 إلى 2.4%. يعزز السوريون أيضا الصادرات إلى الشرق الأوسط، وترتفع حصة الشركات السورية كثيرا في منطقة جنوب شرق تركيا، وخاصة في غازي عنتاب، مركز التصدير الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعتقد كثير من الاقتصاديين أيضا أن السوريين عززوا نمو الاستهلاك في اقتصاد يعتمد اعتمادا كبيرا على الاستهلاك. وهذا هو أحد الأسباب التي أدت إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بنسبة 2.9٪ في عام 2016، على الرغم من محاولة الانقلاب الساقط والهجمات الإرهابية والاضطراب السياسي ووقف تدفقات رؤوس الأموال الدولية التي شعرت بها الاقتصادات الناشئة.
وتكشف دراسات حديثة أنه عندما انتقل رجال الأعمال السوريين إلى تركيا، نقلوا أيضا شبكاتهم التجارية. ويظهر بحثي القادم أن متوسط الأجور في الوظائف الرسمية قد ارتفع قليلا مع إنشاء شركات سورية جديدة، ومع زيادة رؤوس الأموال التي يجلبونها انخفضت مطالبات التأمين ضد البطالة.
لقد حان الوقت للحكومة التركية للبناء على هذه الدلائل الواعدة والعمل على إدماج اللاجئين على المدى الطويل في الاقتصاد. تشير أبحاثي وأبحاث اقتصاديين آخرين إلى أن برامج التدريب المستهدفة والحوافز الضريبية وإجراءات تخفيف القيود الائتمانية يمكن أن تعوض، جزئيا على الأقل، التكلفة المالية لاستيعاب اللاجئين السوريين، فضلا عن التكاليف الاجتماعية المستقبلية. ويمكن للسياسات الجديدة أن تؤثر بشكل خاص على جيل الشباب من اللاجئين، ومعظمهم ثنائي اللغة (يتحدثون باللغتين التركية والعربية) ولديهم مصلحة قوية في خلق حياة جديدة لأنفسهم في تركيا. سيكون صانعو السياسات الحكومية من الحكمة بحيث يساعدون في تخفيف القيود المفروضة على القروض للسوريين؛ لأن تعزيز روح المبادرة يمكن أن يزيد الصادرات الإقليمية ويخلق فرص عمل.
كما يمكن للاجئين السوريين ذوي المهارات الأقل أن يساعدوا في تلبية الطلب على خدمات تقديم الرعاية في تركيا. وكما هو الحال في دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا، تواجه تركيا التحدي الاقتصادي المتمثل في القوى العاملة كبيرة السن، وعدم تلبية طلبات تقديم الرعاية للمسنين والأطفال. وكما هو الحال في بلدان أخرى، حيث غالبا ما يتولى المهاجرون هذه الوظائف، فإن اللاجئين السوريين الأقل تعليما يمكنهم العثور على عمل في هذا المجال. على أنه من المهم أيضا إعطاء السوريين مزيدا من فرص الحصول على التعليم، مما يزيد بلا شك من المشاركة في الاقتصاد. وقد تؤدي برامج التدريب الحكومية المستهدفة وبعض برامج الإعفاء الضريبي إلى إحداث فرق من حيث الاندماج والعمالة والتعايش مع توسيع الحجم الإجمالي للفطيرة الاقتصادية في الوقت نفسه حتى يتمكن الأشخاص المولودون في تركيا من ذوي المهارات الأقل من العثور على عمل.
لم يعد السوريون يشعرون بالترحيب مثلما كان الأمر عندما فتحت تركيا حدودها لأول مرة لمنحهم ملاذا آمنا، لكن مع السياسات الصحيحة، فإن روح الضيافة التي سادت في تلك الأيام الأولى يمكن أن تؤدي إلى مستقبل اقتصادي أفضل لجميع المعنيين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس