محمد زاهد جول - القدس العربي
إن المتابع للمواقف الآيديولوجية والثقافية لبعض المثقفين الأوروبيين يجد أن هناك خطة أوروبية آيديولوجية تقودها مراكز الأبحاث الأوروبية المعادية للإسلام والمسلمين عموماً، وعلى وجه التحديد المعادية لتركيا والشعب التركي خصوصاً، والمواقف الأوروبية الثقافية العنصرية ضد التعديلات الدستورية بتاريخ 16 نيسان/ابريل 2017 لم تكن هي المؤسسة لهذه المشاريع الآيديولوجية العدوانية ضد تركيا، وإنما كانت كاشفة عنها، فقد أخرج الاستفتاء الحقد الدفين في قلوبهم على ألسنتهم، كالذين يصرحون على الملأ وبأوسع القنوات التلفزيونية الأوروبية بالتحريض على قتل الرئيس التركي أردوغان بمنطق عدائي صارخ غير معهود ـ من قبل ـ على ألسنة الباحثين والأكاديميين الأوروبيين، كما خرج الحقد الدفين لدى بعض الآيديولوجيين الأوروبيين على صفحات الصحف الأوروبية والعالمية، وكلها تنضح حقداً وكراهية ضد الشعب التركي، وتدعو إلى الفتن الداخلية بين أبناء الشعب التركي، وهي تدرك أنها تسعى إلى إشعال حرب اهلية داخل تركيا، وبأيدي الأحزاب التركية، التي يتم شحنها بالعداء ضد بعضها بعضاً، لإضعافها جميعها، فهي لا تستهدف حزباً معيناً ولا فئة معينة من الشعب التركي، تصفها بالمتدينين ضد فئة أخرى تصفها بالعلمانيين، وإنما بهدف تغطية الصورة الحقيقية للمعركة التي تخوضها بعض الدول الأوروبية ضد مشاريع الاستقلال الثانية، التي يخوضها الشعب التركي بقيادة حزب العدالة والتنمية وأردوغان من اجل استقلال التام لتركيا الجديدة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتصنيعياً وعسكرياً وغيره، فالأوروبيون يدركون ان الشعب التركي لا يخوض معارك كسر الوصاية الداخلية فقط، وإنما يخوض معارك كسر الوصاية الخارجية أيضاً، التي تتجسد بالوصاية الأوروبية على تركيا، التي دامت نحو قرن من الزمن.
هذه القراءة لا تقوم على تخيل معارك وهمية أو افتراضية، وإنما هي معارك مفروضة على الشعب التركي واحزابه كلها، وعلى كل حكوماته المقبلة أيضاً، وهي ليست معركة يصطنعها نوع معين من الأحزاب التركية إطلاقاً، وإنما هي معركة تقودها عواصم أوروبية في مقدمتها برلين، فقد عبرت المستشارة الألمانية ميركيل عن حملة العداء الأوروبي لتركيا بأوضح صورة وهي تطالب الاتحاد الأوروبي بوضع خططه لمواجهة تركيا قائلة:» إن على الاتحاد الأوروبي إيجاد رد مشترك على نهج أردوغان»، هذه الكلمة لم تأت في مؤتمر صحافي او لقاء تلفزيوني عابر وإنما في كلمة لها خلال اجتماع الكتلة البرلمانية الاتحادية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يوم 25 نيسان/أبريل 2017 ، أي في كلمة مدروسة مسبقاً، فميركل تدعو دول الاتحاد الأوروبي إلى الاتحاد ضد نهج أردوغان، وأضافت المستشارة الألمانية: «أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى وقتٍ كافٍ لاستنتاج معقول حول تركيا»، أي إلى وضع خطة تنتهجها كل دول الاتحاد الوروبي وليس بعض الدول الأوروبية أو ألمانيا فقط، كما هو الحال الآن، فألمانيا تفتح أبوابها لكل من يعادي تركيا، مثل عناصر إرهابية من حزب العمال الكردستاني «بي كي كي»، ومنظمة غولن»، وغيرها.
إن موقف الباحث الفرنسي في العلوم السياسية، فيليب مورو ديفارج، الذي حرض على قتل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لا يخرج عن هذه الحملة الأوروبية، فهو يقوم بوظيفة مبرمجة في مراكز الأبحاث الأوروبية، ولذا لا بد أن تكون خطة المقاومة الدفاعية التركية مبرمجة أيضاً، ورفعُ رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، ونواب ومسؤولين في حزب العدالة والتنمية دعوى قضائية ضد الباحث الفرنسي بتهمة التحريض على اغتيال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان خطوة مهمة جداً، ولكن هذه الخطوة ينبغي ان تصاحبها خطوات مماثلة من أحزاب المعارضة التركية التي صوتت بـ»لا» ضد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لأن هذه المواقف الأوروبية ليست ضد حزب العدالة والتنمية وأردوغان فقط، وإنما هي ضد كل الشعب التركي، فمن يدعو إلى تخريب المجتمع التركي إنما يعادي كل الأحزاب السياسية التركية في السلطة وفي المعارضة معاً، وحتى لا يبدو الأمر على انه تأييد لأحزاب المعارضة ضد أحزاب السلطة فإن المسؤولية الوطنية تفرض على احزاب المعارضة وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري ان يصدر بياناً يندد بهذه التصريحات العدائية ضد تركيا، وأن يتقدم برفع قضايا لدى المحاكم التركية والأوروبية على دعاة التحريض لقتل رئيس الجمهورية التركية أردوغان، فأردوغان ليس رئيس جمهورية نصف الشعب التركي، وإنما هو رئيس كل الشعب التركي.
وما أشارت إليه لائحة الاتهام الحكومية ضد تصريحات ديفارج تقول عنها: «ما هي إلا امتداد للمواقف الفاشية التي انتهجتها العديد من الدول الأوروبية خلال مرحلة الاستفتاء الشعبي الذي جرى في نيسان/ أبريل، ضد أردوغان ويلدريم والوزراء الأتراك وحزب العدالة والتنمية والشعب التركي»، ووصفت التصريحات بأنها تأتي ضمن «خطة خطيرة»، فالخطوة الحكومية لا تدافع عن جزء من الشعب التركي وإنما عنه كله، وهذا يلزم أحزاب المعارضة الوطنية وعناصرها الوطنية أيضاً أن تقف ضد الحملة الأوروبية المعادية لتركيا، لإفشال المشاريع الأوروبية التي تهدف إلى التغطية على الهجمة الأوروبية بإدعاء ان الصراع هو بين أبناء الشعب التركي نفسه، وادعاء ان الصراع ليس بين أوروبا وتركيا وإنما بين الأحزاب التركية نفسها، فهذه المكيدة الأوروبية يجب أن تفشل، وفشلها من مسؤولية كل الأحزاب التركية، وفي مقدمتها أحزاب المعارضة التركية، لأنها تدرك أن مهاجمة تركيا اليوم هي ضد استقلال القرار التركي عموما وليس على مسائل جزئية مثل الاستفتاء أو غيره.
إن الخطة الأوروبية والمقالات الآيديولوجية الصادرة عن المثقفين والباحثين الأوروبيين تركز على جعل الصراع بين أبناء الشعب التركي فقط، وبالأخص بين المتدينين الأتراك والعلمانيين، وان المتدينيين يرفضون نهج اتاتورك العلماني الأوروبي، وبالتالي فإن أوروبا تقف إلى جانب العلمانيين الأتراك ضد المتدينين، وهذه خطة خبيثة وأكاذيب واهية، فالصراع في تركيا اليوم على استهداف تركيا من الخارج وبأدوات خارجية وداخلية معاً، وأدوات الداخل ينبغي ان تعرف انها مجرد أدوات باستهداف تركيا وإضعافها، وان الخطة الغربية ليست لمساعدتها وانما لإضعاف تركيا، فمن يستهدف تركيا بالانقلاب العسكري بعد التقدم الاقتصادي الذي حصل في تركيا خلال الخمس عشرة سنة الماضية إنما يقدم خدمة لأعداء تركيا، والذين يستهدفون الاقتصاد التركي بالضرر، إنما يعملون لإعادة تركيا إلى مربع الوصاية الأوروبية، بعد أن استكفت تركيا من طغمة الوصاية الأوروبية، فقد كانت وخلال تسعين عاماً سبباً رئيسياً في ضعفها وانقسامها الاجتماعي والصراعات الداخلية بين بعض القوميات التركية، بينما النهج الجديد الذي قاده أردوغان منذ خمس عشرة سنة كاد أن يصل إلى استقلال القرار السياسي عن الوصاية الأوروبية، ولذلك فإن الأوروبيين يهددون تركيا بفوائد الوصاية مرة أخرى، وذلك من خلال قرار الجمعية البرلمانية الأوروبية بإعادة تركيا إلى درجة المراقبة، قبل ان تقبل عضواً بالاتحاد الأوروبي، بينما تركيا تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كدولة أوروبية نداً لدول الاتحاد وليست دولة تابعة له، مثل بعض الدول التي تعد عالةً على الاتحاد الأوروبي.
إن الشعب التركي قد سلك طريق الحرية الوطنية، ولن يقبل وصاية خارجية ولا داخلية، وعلى اوروبا أن تدرك أن اكاذيب صراع الدين والعلمنة في تركيا لم تعد مقبولة، وغير ناجحة لإدخال الشعب التركي في حروب أهلية، فالاستفتاء على التعديلات الدستورية لم يكن صراعاً بين أبناء الشعب التركي على هوية تركيا الحضارية والثقافية والاسلامية، ولا على هوية النظام السياسي العلماني، لأن النظام الرئاسي الجديد بعد النظام البرلماني سيبقى نظاماً سياسياً رئاسياً علمانياً، فمفهوم العلمانية في تركيا يعني المساواة بين أبناء الشعب التركي كله، وعدم التمييز بين أبنائه بكل قومياته إطلاقاً، فالجمهورية التركية هي لكل القوميات التركية، ومن انتصروا على الانقلابيين هم الشعب التركي وليس فئة واحدة منه، وكان فوز الاستفتاء على التعديلات الدستورية هي لكل الشعب التركي وليست لقومية واحدة منه، بل وليست لحزب سياسي واحد منه أيضاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس