ترك برس
يقول زبير خلف الله، المتخصص في التاريخ العثماني والأكاديمي في "جامعة أرتوكلو" في مدينة ماردين التركية، إن العثمانيين أعطوا للمدفع الرمضاني أولوية كبيرة لدرجة العشق، ووظفوا أشخاصاً للاعتناء به، إلا أن دوره تراجع مع ظهور المكبرات الصواتية والإذاعة.
والمدفع العثماني قصة توارثها الأجيال عبر قرون عدة، بدءاً من ظهوره في القاهرة، ثم انتقاله إلى إسطنبول، ليكرسه العثمانيون في ذاكرة العرب والمسلمين بشكل عام في شهر رمضان، بحسب تقرير لموقع "العربي الجديد".
ويوضح خلف الله أن أحد الرواة أكد أن والي مصر في العصر الإخشيدي، خُشقدم، جرّب مدفعاً جديداً أهداه إياه أحد الولاة، وتصادف ذلك في وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان الكريم، فتبادرت الفكرة إلى المماليك لاستخدام تلك الفكرة على الإفطار والإمساك في السحور.
ويُضيف أنه مع توافد العلماء وأهالي القاهرة على قصر الوالي لتناول الإفطار، انتهزوا الفرصة ليعبروا عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق مدفع الإفطار، وبدا أن الوالي أعجب بالفكرة، فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يومياً، عند أذان المغرب في رمضان.
ويلفت إلى أن بعض الروايات الأخرى تقول إن محمد علي باشا أول من استخدم المدفع في الإعلان عن الإفطار، حين امتلك جيشه مدافع حديثة الصنع، فأمر بإحالة القديمة على المستودعات، ووضع واحداً منها في القلعة كتذكار لانتصاره، ومنذ ذلك الحين أمر والي مصر بإطلاق المدافع مع أذان المغرب وعند الإمساك، ليصبح تقليداً متبعاً خلال شهر رمضان، ثم انتقلت الفكرة بعد ذلك من القاهرة إلى إسطنبول.
لكن الزبير يوضح أن هناك رواية أخرى تشير إلى أن فكرة مدفع رمضان سنّها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت حينما احتل مصر، إذ أراد القيام بعمل ما يرضي به أهلها، فأمر بنصب المدافع على قلعة القاهرة وإطلاق قنابل البارود منها، إيذاناً بحلول شهر رمضان، ليصبح فيما بعد تقليداً متبعاً في شهر الصوم.
https://www.youtube.com/watch?v=xENED-EWOAY
واعتماداً على المؤرخين، يبيّن خلف الله بأن المدفع تواجد في غالبية المدن والبلدان الواقعة تحت الحكم العثماني في الشرق الأوسط وبلاد الشام كسورية ولبنان ومصر وفلسطين والعديد من المدن الفلسطينية.
ويُشير إلى أن المدفع له تاريخ خاص في مرحلة الحروب، خصوصاً في فتح إسطنبول في عهد بايزيد الأول ثم مراد الثاني، ولكنه استخدم في المدن بواسطة البلديات الناشئة في نهاية العصر العثماني بشكل مدني، للتذكير بمواعيد معينة مثل الإفطار والسحور.
ويؤكّد أنه مع زيادة أقاليم الدولة العثمانية خلال القرن الماضي برزت حاجة ملحة إلى وسيلة ليعرف الناس حلول شهر رمضان، وتعريفهم بمواقيت الإفطار والإمساك، لذلك لجأت الدولة العثمانية إلى استحداث مدفع، وتحديداً في ولاية بيروت، لإعلام الناس أن حلول شهر رمضان ثبت بالوجه الشرعي.
وفي مساء يوم الـ29 من شهر شعبان (التقويم الهجري)، كانت 21 طلقة تُطلق من فوهة المدفع تبشيراً برؤية الهلال، ويطلق العدد نفسه من الطلقات عند ثبوت هلال شهر شوال احتفالاً باستقبال عيد الفطر.
كما يُشير خلف الله إلى أنه مع ظهور المكبرات الصوتية والإذاعة بدأ يتراجع دور المدفع العثماني، لكنه يحمل في الذاكرة مخزوناً تراثياً بالنسبة للأتراك والعرب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!