شعبان عبدالرحمن - خاص ترك برس

في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي ازداد نشاط التنصيرفي فيتنام على أيدي  المنصرين الفرنسيين والإسبان والدومينيكان القادمين من جزر الهند الشرقية  وإلى حد أقل من قبل المنصرين البروتستانت الأمريكان خلال حرب فيتنام (1945م  - 1946).

في تلك الآونة بدأت قصة فيتنام مع الإسلام  الإسلام عند سواحل إمارة تشامبا (في فيتنام  الجنوبية )  عن طريق التجاروالدعاة القادمين من تايلاند والهند وإيران وشبه جزيرة العرب الذين استقروا في مدن الساحل ونشروا فيها الإسلام خاصة بين جنس " تشام". من مدينة  " ومدينة "هوتشي منه " .. وقتها كانت فيتنام تضم عددا من الإمارات من بينها إمارة " تشامبا" في وسط البلاد ، إبان ازدهار التجارة في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ، فازداد إقبال الناس على الإسلام، وانعقدت مصاهرات بين التجار العرب المسلمين وبين سكان تشامبا، وزوج ملك تشامبا ابنته من أحد التجار العرب، واتسعت الإمارة وازداد اقبال على الإسلام أكثرحتى تحولت إمارة تشامبا إلى إمارة إسلامية (دولة)، وبلغت أوج قوتها واتساعها في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ( 875هـ،-1453م ) ،واستمرالإسلام في فيتنام هو الدين الرئيسي لشعب" تشام " -على امتداد 4قرون -الذي كان يبلغ تعداده  ثلثي مسلمي فيتنام الجنوبية. وهناك جالية مسلمة أخرى تصف نفسها بالمختلطة من أصول إثنية أخرى  (تشام وخمير وملايو وصينيين وعرب..) ويطلق عليهم أيضا مسلمو تشام في مناطق أخرى ، وكانوا موجودين في ضواحي مدينة شودوك الجنوب غربية (من فيتنام الجنوبية).

تلاعب في تعداد السكان !

وفيما يتعلق بعدد المسلمين في فيتنام بصفة عامة تتضارب الإحصاءات من جهة لأخرى كطبيعة الإحصاءات  الخاصة بمعظم الأقليات المسلمة في العالم إذ يكتنفها الغموض والتضارب بصورة شبه متعمدة لمحاولة اظهار المسلمين بأعداد أقل من الحقيقة وذلك بهدف إبرازهم في وضع ضعيف لا يقوي علي مقاومة حرمانهم من كثير من حقوقهم ، فبينما تكشف الاحصاءات  التي يحملها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحقوق والحريات  الصادر عام  2009م أن عددهم  يتراوح بين 600000 إلى 800000 وأن عددهم في بعض الإحصائيات الأخرى يبلغ  730000 مسلم أي مايعادل نسبه 9 % من اجمالي تعداد الشعب الفيتنامي، تشير  احصاءات أخري إلى أن أعدادهم تُقدر بنحو 180 ألفا ، بنسبة تصل إلى حوالى 2من عشرة في المائة من اجمالي السكان (حوالي 101ملايين ) .

وقد عاش معظم المسلمين في ،مقاطعتي "نينه ثوان " و"بين ثوان " في دلتا نهر الميكونغ جنوب شرقي البلاد ، وكانوا يحرصون علي وإظهار هويتهم الإسلامية والتشبث بها. ورغم أن الإسلام يعد من ديانات الأقلية في فيتنام ، إلا أن له حضورا تاريخيا وثقافيا متميزا، خاصة بين أبناء أقلية "تشام" التي ينتمي معظم  المسلمين إليها وتتركزفي دلتا نهر الميكونغ ذات الأغلبية البوذية.

وقد تم اعتماد  اللغة الفيتنامية كلغة رسمية في فيتنام التي  نالت استقلالها عن فرنسا في 2 سبتمبر عام 1945 م ، بالإضافة إلى اللغات : الفرنسية، والصينية، والإنجليزية ولغات محلية أخرى.

ويعتمد اقتصادها  على البترول والأرز والقهوة ، كأهم أهم مصادر الدخل .

التشبث بالهوية الإسلامية

ويحرص المسلمون اليوم ، خاصة في مدينة "هو تشي منه" على الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية من خلال إنشاء "مطاعم حلال"  ومن خلال المبادرات المجتمعية الرامية لتعزيز الاندماج والتواصل بين المسلمين وأتباع باقي الأديان.

.وتُعد مدينة "هو تشي منه" وجهة معظم السائحين المسلمين القادمين من ماليزيا وإندونيسيا والعرب القادمين من قطر والسعودية والمقيمين أيضا وأغلبهم من تونس والجزائر والمغرب ومصر واليمن، مما يعزز من حضور الثقافة الإسلامية في الحياة العامة ويعزز شعار التسامح الذي يميز مسلمي فيتنام.

مسجدان :ويوجد في مدينة "هوتشي منه " مسجدان جامعان ، أحدهما يحمل اسم " مسجد المسلمين "، المعروف أيضا باسم "مسجد سايجون المركزي" أو مسجد "دونغ دو"،" ويقع في  شارع التسوق الشهير دونج كوي ، وقد ذكر" ذو القرنين" المسؤول عن هذا المسجد أن تاريخ بنائه يعود إلى عام 1935م ، وكان مخصصا في الأصل للجالية الهندية المسلمة التي تعيش في "هو تشي منه". ويمتاز بهيكله الخارجي الملوّن بالأبيض والأخضروبه  4 مآذن بمعمار أشبه بالمعمار الماليزي، ويوفر للمصلين مساحات هادئة للوضوء والصلاة أمام مطعمين حلال من ماليزيا وتركيا.

اما المسجد الثاني فهو مسجد "جميع المسلمين" المعروف أيضا باسم "المسجد الهندي"، وهو أصغر نسبيا من المسجد الأول  لكنه ذو طابع معماري جميل . ( الجزيرة نت )

عداء البوذيين..

 وقد تسبب اتساع الإمارة وتزايد إقبال سكانها علي اعتناق الإسلام في إشعال نارالعداوة لدي البوذيين في الشمال، وشعر بذلك  المسلمون في الجنوب،وبدأت إمارة فيتنام البوذية الشمالية تجاهربعدائها لإمارة تشامبا الإسلامية الجنوبية ، وأخذت في الإغارة عليها ، وقد انقسمت مراحل الصراع بين إمارة تشامبا المسلمة وإمارة فيتنام البوذية  إلى عدة مراحل كما يلي:

المرحلة الأولى: تمتد من سنة 875 هجرية -1453 م إلى سنة947 هجرية -1525م وفيها تمكنت فيتنام البوذية بمساعدة الصين وتايلاند من اقتحام  مدينة فيجابا عاصمة إمارة تشامبا حيث ارتكبت مذابح وحشية أبادت فيها حوالي  ستين ألف مسلم وأسرت  ثلاثين ألفاً آخرين واقتيادهم  إلى عاصمتها "هانوي" وكان بينهم خمسون شخصاً من أفراد الأسرة الحاكمة في تشامبا.

المرحلة الثانية: وتمتد من سنة 947 هجرية  - 1525م حتى عام  1060هجرية -1638م ،واستطاعت فيتنام الشمالية في هذه المرحلة دخول منطقة كاوتهارا وهزيمة ملك تشامبا "باتهام ".

المرحلة الثالثة: وتمتد من سنة 1060 هجرية-1638م  حتى 1237 هجرية -1815م وفيها فقدت إمارة تشامبا منطقة كاوتهارا نهائيا واضطرت لنقل مقر الحكم إلى مدينة "باندور انغا " وهاجرت جموع غفيرة من الفيتناميين الشماليين إلى تشامبا واستقرت  فيها حيث استولت علي أجود الأراضي وأفضل الأماكن دون مقابل.

المرحلة الرابعة  : بدأت سنة 1238 هجرية -1816م وأحكمت فيتنام البوذية خلال تلك المرحلة قبضتها على تشامبا الإسلامية  ووزعت أراضيها على الفيتناميين وطردت التشامبيين ،وغادر "بوتشون" ملك تشامبا البلاد طالبا اللجؤ السياسي في كمبوديا التي رحبت به ، بينما توجه التشامبيون بأعداد كبيرة إلى بلاد متفرقة.

إرتفاع وتيرة المذابح الوحشية

ومنذ  استيلاء الشيوعيين على مقاليد الحكم في فيتنام الشمالية عام  1395هجرية – 1973م  ازداد الاضطهاد الواقع على المسلمين بصورة جنونية  وارتفعت وتيرة الجرائم الوحشية بحقهم  ،وسط حالة مريرة من العداء ، ومثال  ذلك تلك المذبحة المروعة التي اقترفها الشيوعيون بمدينة "هوى بص"  حيث أمضوا عشرين يوماً في دفن ( وأد )  الآلاف من المسلمين وهم أحياء ، مما أثار الرعب بين المسلمين ، ففرمئات الألوف من ديارهم إلى بلدان أخرى ... مما أدى إلى القضاء علي غالبية المسلمين في  تلك المناطق وتسبب في تناقص أعدادهم بدرجة كبيرة .

وعندما احتلت فرنسا فيتنام سمحت للفيتناميين (فيتنام الشمالية البوذية في ذالك الوقت ) بالتنكيل بالمسلمين في إمارة تشامبا وارتكاب مذابح مروعة بحقهم ، ففر المسلمون من السهول إلى الجبال حيث يعيشون على شكل تجمعات مغلقة.

  وهكذا ..بعد سقوط "إمارة تشامبا " عانى المسلمون من الاضطهاد والتشريد والإبادة المتواصلة، وذاقوا الويلات على يد الاستعمار الفرنسي 1858م -1883م، ثم في حرب فيتناىم (1945م  - 1946) ، ثم واصلت الحكومات الشيوعية التي حكمت البلاد منذ العام 1975م، مسلسل إبادة واقتلاع المسلمين من أرضهم حتى باتوا  أقلية مضطهدة تعاني الفقر والجهل والتضييق  في قبضة النظام الشيوعي الملحد.  

إنها واحدة من أبشع حروب الإبادة  بحق المسلمين والمسلمين وحدهم ،والتى شنها تحالف الشيوعيين البوذيين وأدت إلى فرار معظمهم إلى خارج البلاد وتناقص أعدادهم  من أكثر من مليون شخص إلى بضعة آلاف ...وهو ما سنواصل الحديث عنه في التحليل  القادم إن شاء الله .

عن الكاتب

شعبان عبد الرحمن

كاتب مصري – مدير تحرير مجلة المجتمع وجريدة الشعب - سابقاً


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس