جو حمّورة - خاص ترك برس

لا تزال التوصيات التي اتّخذتها الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية في تركيا مدار جدل في أروقة أنقرة السياسية والثقافية. ففي دورتها التاسعة عشر المعقودة خلال الأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة المؤلفة من مسؤولين في وزارة التربية والتعليم، ومؤسسات المجتمع المدني، ونقابات تعليمية، توصيتها بتعليم مادة اللغة العثمانية في المناهج الدراسية الرسمية.

لم تُعجِب هذه التوصية حزب "الشعب الجمهوري" المعارض الذي انتقدها بشدة، معتبراً أنّ الفائدة من اللغة العثمانية ضئيلة، كما أنّها "لا تصلح إلا لقراءة النصوص المكتوبة على شواهد القبور". كما اعتبر على لسان مسؤوليه أنّه من الأولى إدراج مواد علمية إلى المناهج التعليمية بدلاً من اللغة العثمانية.

في المقابل، لا يبدو أنّ السلطات التركية في وارد التراجع عن مشروع تعليم اللغة العثمانية في المدارس، وهذا ما يُستشف من وعد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بإدراجها في المناهج المدرسية، معتبراً أن الأمر سيتم  "سواء شاء المعارضون أم أبوا". في حين تكمن أهمية التوصية، أنّها الخطوة الأولى والضرورية التي تتيح لوزارة التربية الوطنية إعداد مشروع قانون على أساسها ليُقدّم للبرلمان، فيصبح بالإمكان البدء بتدريس مادة اللغة العثمانية بعد التصديق على القانون.

وتلخص مسألة اللغة العثمانية المطروحة اليوم في تركيا، والاختلافات الدائرة حولها، إشكالية جوهرية في هوية الجمهورية التركية الحالية وصراعات مكوناتها. من الناحية الأولى، يبدو المشروع بذاته أداة لإعادة هندسة هوية تركيا الحالية كاستمرار للسلطنة العثمانية الإسلامية. غير أنّ إدراج اللغة العثمانية ليس جزءاً من عميلة جعل تركيا والأتراك أكثر فخراً بتراثهم وتاريخهم وحسب، إنّما يتعدّى ذلك في تأثيره ليكون مشروعاً لربط هويتهم وواقعهم أكثر بهذا التراث وهذا التاريخ، تحضيراً لجعلهما المصدر الأساسي للشرعية الشعبية لأي سلطة مستقبلية في تركيا.

من ناحية أخرى، يبدو موقف حزب "الشعب الجمهوري" طبيعياً ومتوقعاً، نظراً لتأثره بالإرث "الأتاتوركي" وقوميته التي ترى اللغة التركية الحالية المعيار الأساس لنشوء الدولة-الأمة عام 1923. في حين لا يبدو حزب "العدالة والتنمية" الحاكم متناقضاً في تشجيعه تعليم اللغة العثمانية في المدارس التركية، وهو الذي أعاد احياء الهوية الإسلامية-العثمانية لتركيا خلال العقد الفائت من حكمه.

إلا أنّ هذا الصراع على هوية تركيا الحالية، يشوبه تفاوت في التكافئ بين المعارضة ذات القدرة الخجولة على التأثير من جهة وقدرة حزب "العدالة والتنمية" المالِك للسلطة والقادر على الفعل والتأثير من جهة أخرى. وهو ما يجعل احتمال إدراج اللغة العثمانية في المناهج التعليمية أمراً محسوماً في المستقبل، في حين يبقى تقدير هذا المستقبل سواء كان قريباً أو متوسطاً أو بعيداً، لا إلى قدرة المعارضة على منعه أو إبطائه، ولكن إلى إشكالية توافر الإمكانيات التقنية والبشرية لتأمين كادرٍ تعليمي قادر على تعليم ملايين الطلاب الأتراك لغة الأجداد التي نادراً ما يعرفونها.

عن الكاتب

جو حمّورة

باحث في الشؤون التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس