ترك برس
لا تزال ثانويات الأئمة والخطباء الدينية تعتبر المدارس الأكثر جدلاً بالمجتمع التركي منذ النصف الثاني من القرن العشرين، ويمتد هذا الجدل حتى هذه اللحظة.
وتوجه إلى مدارس الأئمة والخطباء أصابع الاتهام، من قبل غلاة العلمانية، بالمسؤولية عن حركة تدين وعودة للإسلام بدأت بتركيا في النصف الثاني من القرن العشرين، وتثير جدلاً سياسياً صارخاً بالمجتمع التركي اليوم، فيما يتعلق بكونها حديقة إسلامية خلفية لبعض التيارات السياسية أم لا، في دولة دستورها علماني، وهل هي مدارس تخرج أئمة وخطباء للجوامع فقط أم هي مدارس تفتح الطريق نحو التخصصات الجامعية المختلفة.
كل هذا الجدل في وقت يشكّل فيه عدد طلابها ومدارسها نسبة أقل من المدارس الثانوية الأخرى.
وحظيت ثانويات الأئمة والخطباء بالاهتمام الإعلامي حين تبين أن معظم أعضاء البرلمان بحزب "الرفاه" المحظور وحكومته عام 1996م كانوا من خريجي هذه المدارس، واستمر الاهتمام أكثر نشاطاً مع تكرار نفس الموقف مع أعضاء البرلمان وحكومة حزب العدالة والتنمية.
قبل عام 1082م كانت السمة الأبرز لطلبة الأئمة والخطباء تتمثل في كون معظمهم من أبناء الريف أو ممن هاجرت أسرهم حديثاً من القرى إلى المدن، في حين أن طلبة اليوم معظمهم ولد أو نشأ في المدن أو أن عائلاتهم تعيش قيها منذ أمد بعيد.
وباختصار، فإن قصة طلبة الأئمة والخطباء الممتدة لأكثر من قرن لا بد من محاولة فهمها وتحليلها على أساس الفروقات بين الأجيال المختلفة.
إن بعض وجهات النظر الشائعة لدى الرأي العام كاعتبار الالتحاق بالأئمة والخطباء نوعاً من التعصب وأن طلبتها منغلقون على ذاتهم وأنهم التحقوا بها نتيجة ضغط العائلة، لا تعكس الحقيقة الكاملة وراء التحاق الطلبة بتلك المدارس.
فما نلاحظه اليوم في تركيا بأن التحاق الطلاب بنوع معين من المدارس يعكس شعورهم بالانتماء وبناء هوياتهم السياسية أو الأيديولوجية والمجال الثقافي الموافق لنمط حياتهم، فنجد الطالب الملتحق بثانوية خاصة، وآخر في ثانوية علمية، وطالب في ثانوية عسكرية، وآخر في ثانوية مهنية أو غيرها..
كل ذلك يعكس نمط الانتماء ويؤكد تصور هوية ما والمعاني والتطلعات المنوطة بها، وفي هذا السياق يمكن تناول العناصر التعريفية التي توُصف بـ "الانتساب إلى الأئمة والخطباء" والتي تتجاوز من حيث أبعادها معنى التحاق الطالب بمؤسسة تعليمية ضمن التصنيفات الاجتماعية كما يحدث في المؤسسات التعليمية التي ذكرناها آنفاً.
فظهرت العديد من الأقاويل حول التصور العام لمدارس الأئمة والخطباء وطلبتها وصورهم، بعض هذه الأقاويل واقعي أما بعضها الآخر فمبالغ فيه.
في مقدمة الاعتقادات أن طلبة الأئمة والخطباء هم ومن كل بدّ أشخاص جيدون مؤهلون تأهيلاً حسناً ويجتنبون دوماً المحرمات والنواهي ويظهرون ميولاً دينية صارمة ويحملون راية الأخلاق والقيم السامية في المجتمع، بل وحتى يتم وصفهم في بعض الأحيان بصفات تفوق القدرات البشرية، وهذا القول ينضوي على حسن نية وثناء على هؤلاء الطلبة لكنه في الوقت ذاته قد يسبب لهم توتراً داخلياً فهم بشر عاديون في نهاية المطاف، ونتيجة ذلك نجد البعض منهم يخفون كونهم طلبة في تلك المدارس.
وعلى العموم، تسود قناعة تامة في أوساط المجتمع التركي بأن طلبة الأئمة والخطباء هم من الأشخاص الذين يشكّلون موضع ثقة وليسوا من بين الأشخاص المخربين أو السيئين أو ممن يثيرون المشاكل مقارنة بخريجي بقية المدارس، وذلك حسب استطلاع للرأي أجري مؤخراً في الشارع التركي.
إدارياً، تتبع مدارس الأئمة والخطباء لوزارة التعليم الوطنية التركية، ويتم تقييم طلابها من حيث نجاحهم في مجال التعليم وقدراتهم المعرفية.
ومن هذا المنطلق، وبتنحية التوترات السياسية والإيديولوجية جانباً، فإن المهم هو المثل العليا التي تحملها هذه المدارس وطلبتها لبناء مستقبل جامعي وأكاديمي.
إن اهتمام طلبة الأئمة والخطباء بالمستقبل ومثلهم العليا لا تختلف عن مثيلتها لطلبة المدارس الأخرى.
وتتيح ثانويات الأئمة والخطباء لكل من يدرس منهاجها الالتحاق بأي جامعة يرغب الدراسة فيها بمجرد حصوله على شهادتها الثانوية، وليس كما كان يشاع بأنها تلزم طلابها بالكليات والفروع الدينية أو الدراسات الأدبية فقط.
وتشيع بعض المزاعم من قبيل أن طلبة الأئمة والخطباء يناقضون القيم الأساسية للجمهورية التركية ومثلها العليا، وبأنهم مناهضون للعلمانية، وبأن على هذه المدارس تقديم التعليم الديني فقط، وبأن آباء الطلبة يرسلونهم إليها لتلقي التعليم الديني فقط.
إلا أن المعطيات التي يتم تناولها في هذا الإطار تضع بين أيدينا صورة مغايرة لهذه المزاعم.
إن مدارس الأئمة والخطباء، وعلى جانب كونها مؤسسات تعليمية، فإنها تختلف عن المؤسسات التعليمية الأخرى بما وجدته من مقابل في المجتمع. لأن القيمة والصفات المعزوة لها في تركيا، بوصف هذه القيمة تعريفاً مشتركاً، ترسم صورة إيجابية يتفق بشأنها الجميع من كافة الشرائح تقريباً
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!