خليل المقداد - خاص ترك برس
في خطوة فاجأت الجميع أعلن الزعيم الكردي مسعود البرزاني عزمه التنحي عن رئاسة إقليم كردستان العراق٬ هذا المنصب الذي شغله منذ العام 2005 فحكم لولايتين وتمديدين مدة كل منهما سنتان٬ فحكم الإقليم مدة 12 عاما٬ تخللها الكثير من الأحداث المصيرية ليس أولها الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية، وبالطبع لن يكون أخرها اجتياح الحشد الشعبي (الشيعي) لمدينة كركوك.
وصول مسعود البرزاني لزعامة الإقليم كان تتويجا طبيعيا لزعامة عائلية ورثها عن جده الذي اتصف بالدموية وتصفية معارضيه وكل من وقف في طريقه٬ ليكمل الحفيد ما بدأه الجد ويتوج رئيسا لكردستان العراق متخطيا منافسه جلال الطالباني الذي اتصف بعلاقاته الطيبة مع إيران التي كان لاجئا لديها إبان حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
يعتبر الكثيرون وخاصة الكرد منهم أن إقليم كردستان قد ازدهر في ظل ولاية البرزاني٬ وهو مالا ينسجم مع الواقع على الأرض٬ وتكذبه الكثير من الأحداث٬ فعلى سبيل المثال تتأخر حكومة الإقليم في دفع رواتب عناصر البيشمركه٬ ما دفع بعضهم لبيع سلاحه الشخصي، إضافة لعدم دفع ثمن المحاصيل الزراعية للفلاحين٬ خاصة تلك التي يجري تسليمها للحكومة المركزية في بغداد٬ لكن وفي نفس الوقت لا يمكن إنكار أن طفرة تقدم قد حدثت للإقليم٬ رغم أنها لا تتناسب والمداخيل الكبيرة التي جنتها الحكومة من الثروات النفطية الهائلة للإقليم٬ الذي ضم كركوك الغنية بالنفط والغاز والمتنازع عليها بين العرب والتركمان من جهة والأكراد من جهة أخرى.
لطالما كانت كركوك بيضة القبان والدجاجة التي تبيض ذهبا٬ فلم يفوت الكرد فرصة الإستيلاء عليها مستغلين الفوضى الحاصلة، والقيام بتنفيذ عمليات الترانسفير والتغيير الديموغرافي بحق أبناء المدينة العرب والتركمان٬ ليتبخر كل هذا خلال ساعات وليس أيام٬ فقد مثل اجتياح مدينة كركوك من قبل الحشد الشعبي الشيعي ضربة قوية لمشروع الإستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم.
لم يكن أشد المتشائمين بالكرد يتوقع أن تسقط كركوك بهذه السرعة والسهولة خاصة في ظل التهديدات التي أطلقها العبادي وقادة الحشد الشيعي العراقي على مدى أسابيع٬ والتي يفترض أنها قد دقت جرس إنذار يعطي حكومة كردستان الوقت الكافي للاستعداد لسيناريو الإجتياح٬ لنفاجئ بهشاشة قوة البيشمركه وما أشيع عن تنظيمها وتسليحها٬ وما رسم حولها من أساطير٬ اكتشف الجميع أنها ليست سوى نسج من خيال وأضغاث أحلام تلاشت مع بزوغ أول خيوط الفجر.
لعل في إعلان البرزاني عن التنحي بداية شهر نوفمبر / تشرين الثاني من هذا العام٬ ما يكشف عن مدى خيبة الأمل مما تعرض له الإقليم من خيانة أبنائه وخذلان حلفائه والأصدقاء٬ وهو ما عبر عنه البرزاني صراحة بقوله إن تسليم كركوك يعتبر خيانة عظمى٬ وإن أصدقاء الإقليم خذلوه في مسألة الإستفتاء على الإستقلال٬ وذلك في إشارة لتركيا وإيران اللتان أعلنتا مسبقاً عدم نيتهما القبول بنتائج الإستفتاء٬ وفرضتا حصارا بريا وجويا على الإقليم، وكذلك الغرب الذي راوغ وماطل إلى ما بعد إعلان النتائج كي يعلن عدم قبوله بالإنفصال.
يمكننا القول إن اجتياح كركوك بهذه السريع٬ والسيطرة عليها بهذه السهولة خلال ساعات٬ كان نتيجة تنسيق إيراني (قاسم سليماني) مع ما أسماهم البرزاني المسؤولين عن حماية المدينة في إشارة لأتباع منافسه المتوفي جلال الطالباني٬ فسقوط كركوك وفرار البيشمركه٬ شابه في كثير من جوانبه سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية٬ حيث أنه وبمجرد سقوط جزء من المدينة٬ دبت الفوضى في صفوف بقية المدافعين٬ ما أدى لإنسحاب كامل القوات المسؤولة عن حماية المدينة وتأمين حقول ومنشآت النفط والغاز.
من المؤكد أن قرار التنحي هروب للأمام، لكن من السابق لأوانه التكهن ما إذا كان قرار البرزاني هذا نهائياً٬ أم أنه مجرد سيناريو معد مسبقاً لاستعادة شعبيته التي ربما تكون قد تآكلت مع سقوط كركوك٬ ومن جهة أخرى يعتبر إعلان التنحي ورقة ضغط موجهة لحلفائه الغربيين الذين خذلوه في مسألتي الإستفتاء ومنع اجتياح كركوك٬ وبالتالي فقد يرجع البرزاني عن قراره هذا في حال تحرك أنصاره للدفع باتجاه عودته للرئاسة٬ وهو ما لاحت بوادره بالفعل، مع إقتحام متظاهرين كرد غاضبين للبرلمان مطالبين بعودة البرزاني عن قراره.
من المهم التذكير أن البرزاني٬ دكتاتور حكم كردستان فعلياً٬ منذ العام 1990 و قبلها كزعيم حزب لمدة 30 عاماً٬ وحافظ على زعامته بالقوة٬ وقُتِل في سبيل ذلك آلاف الكرد٬ وتم تصفية معارضين كثر٬ وما أقدم عليه اليوم ليس عملاً بطوليا يستحق كل هذا الإحتفال والتبجيل لشخصه، ولا الإشادة به٬ وليس مكرمة يمن بها على الكرد٬ فهو هروب للأمام وخلط للأوراق٬ وقد يتم تعديل الدستور للسماح له بالترشح مرة أخرى٬ وتتويجه ملكا٬ خاصة بعد فشل مشروع الإنفصال مرحلياً٬ وهو ما يثبت دهاء الرجل وقدرته على تخطي الصعاب والحفاظ على السلطة بطريقة أو بأخرى٬ وقد يمهد برحيلة هذا إن حدث٬ لتوريث السلطة لأبنائه من بعده.
البرزاني قد يصبح النسخة الكردية٬ من الرئيس جمال عبد الناصر الذي أعلن تنحيه عن الرئاسة٬ بعد هزيمة حزيران النكراء أمام الكيان الصهيوني٬ ثم عاد عن قراره استجابة لمطالب الجماهير٬ التي زج بها إلى الشوارع مغرراً بها ومضحوكا عليها٬ فتطالب بعودته عن قراره.
هل يفعلها البرزاني ويتنحى أم أن للحكم والسلطة حلاوة لا تقاوم ولا يمكن نسيانها ولا التخلي عنها بسهولة٬ وسيعود أو ربما يستحدث منصباً جديداً يجعل منه أبا أو ملكاً لأكراد العالم؟ مجرد أيام وستنكشف الحقائق وينجلي الغبار عن موقف الرجل!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس