عبد الله الشيخ ديب - خاص ترك برس
إن المتتبع لمسيرة مراكز الأبحاث والدراسات وشبكات الباحثين والخبراء يُدرك تعاظم تأثيرها على صناع القرار، في الدول الديمقراطية، سواء أكان هذا القرار سياسيًّا أم اقتصاديًّا، داخليًا أم خارجيًا، وهذا مؤشر مهم يُحسب لديمقراطيات تلك الدول. أما في الوطن العربي الذي يعاني أساسًا من نقص حاد في هذه المراكز، فيكاد يختفي دور هذه المراكز والشبكات في التأثير على صنّاع القرار والفاعلين السياسيين، إلا تلك “المراكز” التي تخدم السلطة وتعزز من سطوتها وتكرس بقاءها .
وعانت الثورة السورية، كما عانت ثورات الربيع العربي، من حالة انفصام بين الأكاديميا والسياسة، وهو ما أثر على فاعليّة القرارات التي قدمت من قوى الثورة وممثليها دون دراسة ودراية كافية، قرارات أزعم أنها لو أخذت ما تستحقه من التفكير والنقاش والدراسة، لتغيرت كثير من معطيات المعادلة السورية، واليوم مع مرور الثورة السورية بمرحلة حرجة وقرارات مصيرة أقلها على المستوى السياسي، فإن الحاجة إلى الأبحاث والدراسات والاستعانة بشبكات الخبراء تزداد، والحاجة إلى عقلنة عملية اتخاذ القرار واجبة .
ما دفعني إلى الكتابة، هو صدور الجزء الرابع من سلسلة “سلام لأجل سورية”، وهي الخطة التي أطلقتها مؤسسة راند، وقدمت رؤيتها للحل في سورية، “راند” المؤسسة الرائدة في تغذية السياسة الأمريكية بالدراسات والبحوث الاستراتيجية التي بنت عليها الحكومة الأمريكيّة قرارات مهمّة، وما يضفي أهمية قصوى على دراسات راند هو تخطيها الجوانب النظرية إلى الجوانب الميدانيّة العمليّة، ومحاولة تفعيل نتائجها ومقتراحتها على الأرض، بالإضافة إلى كون دراساتها رائدة في مجال استشراف المستقبل؛ ممّا يمنحها أهميّة على المستوى المتوسط وبعيد المدى .
تقدم راند في هذا الجزء الصادر مؤخرًا مقاربة لانتقال سياسي يتجه “من الأسفل إلى الأعلى”، عماد هذا الحل هو المجالس المحلية وأموال إعادة الإعمار، إذا تقوم الخطة على أساس إجراء انتخابات داخل المجتمعات المحلية تحت رقابة دولية، على أن يتم الاتفاق على “مبادئ ومعايير” تلتزم بها هذه المجالس، وتنال شرعية واعتراف دوليًا على أساسه، وتقوم المجالس المنتخبة بدورها بتقييم الاحتياجات الأساسيّة، ولاحقًا ستصبح هذه التقييمات أساس عملية توزيع الأموال المخصصة لإعادة الإعمار .
تفترض “راند” أن منح مساعدات إعادة الإعمار على أساس المجتمعات المحليّة سيسمح بتعزيز “الحكومة التمثيلية” في بعض المجتمعات المحلية الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وهو ما يخلق أساسًا لحكم لا مركزي “سورية لا مركزية”، ويساهم في تطوير قيادات جديدة على المستوى الوطني، وهذا سيحد من سلطة نظام الأسد بشكل ما، وإن كان يبقى القضايا السياديّة “الخارجية، الدفاع، السياسة النقدية” تحت سلطة النظام .
بالطبع لا يمكن لهذا “السلام” أن ينجح إلا بتبني الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الخطة، والعمل مع حلفائها الأوروبيين والخليجيين على تفعيلها، وحث الشركاء على إطلاق عملية إعادة الإعمار وضخ الأموال، بالإضافة إلى منع أي عمل عسكري يستهدف المناطق المحررة، والرد على النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، في حال قرر كسر هذه القواعد الجديدة .
إن مسألة بقاء بشار الأسد تشكل حتى اليوم عقبة أساسيّة أمام كل محاولات صناعة السلام وعائقًا أمام أي فرصة حقيقيّة نحو عملية انتقال سياسي في سورية، وعليه فإن هذه الخطة ستبقى حبرًا على ورق ما لم تحصل توافقات سياسيّة دولية حول طبيعة الحل في سورية، كما أن هذه الخطة بحاجة لدعم وتوافق عدد من الأطراف المحليّة الفاعلة، كالقوى الكردية التي ينبغي عليها التخلي عن نظرتها الماركسيّة الشمولية والتخلي عن أحلام التمدد والانفصال، كما أن قوى الثورة بما فيها هيئة التفاوض وجميع الهيئات الفاعلة في الخارج، بحاجة إلى قراءة هذا المشروع بتأنٍ وصبر، وعدم التسرع في اتخاذ موقف ما منه، هذه الخطة فيما لو كتب لها التطبيق، فإنها سوف تُلغي أي دور حقيقي للمعارضة السورية في الخارج فعليًا.
إن المتتبع لمسيرة مراكز الأبحاث والدراسات وشبكات الباحثين والخبراء يُدرك تعاظم تأثيرها على صناع القرار، في الدول الديمقراطية، سواء أكان هذا القرار سياسيًّا أم اقتصاديًّا، داخليًا أم خارجيًا، وهذا مؤشر مهم يُحسب لديمقراطيات تلك الدول. أما في الوطن العربي الذي يعاني أساسًا من نقص حاد في هذه المراكز، فيكاد يختفي دور هذه المراكز والشبكات في التأثير على صنّاع القرار والفاعلين السياسيين، إلا تلك “المراكز” التي تخدم السلطة وتعزز من سطوتها وتكرس بقاءها .
وعانت الثورة السورية، كما عانت ثورات الربيع العربي، من حالة انفصام بين الأكاديميا والسياسة، وهو ما أثر على فاعليّة القرارات التي قدمت من قوى الثورة وممثليها دون دراسة ودراية كافية، قرارات أزعم أنها لو أخذت ما تستحقه من التفكير والنقاش والدراسة، لتغيرت كثير من معطيات المعادلة السورية، واليوم مع مرور الثورة السورية بمرحلة حرجة وقرارات مصيرة أقلها على المستوى السياسي، فإن الحاجة إلى الأبحاث والدراسات والاستعانة بشبكات الخبراء تزداد، والحاجة إلى عقلنة عملية اتخاذ القرار واجبة .
ما دفعني إلى الكتابة، هو صدور الجزء الرابع من سلسلة “سلام لأجل سورية”، وهي الخطة التي أطلقتها مؤسسة راند، وقدمت رؤيتها للحل في سورية، “راند” المؤسسة الرائدة في تغذية السياسة الأمريكية بالدراسات والبحوث الاستراتيجية التي بنت عليها الحكومة الأمريكيّة قرارات مهمّة، وما يضفي أهمية قصوى على دراسات راند هو تخطيها الجوانب النظرية إلى الجوانب الميدانيّة العمليّة، ومحاولة تفعيل نتائجها ومقتراحتها على الأرض، بالإضافة إلى كون دراساتها رائدة في مجال استشراف المستقبل؛ ممّا يمنحها أهميّة على المستوى المتوسط وبعيد المدى .
تقدم راند في هذا الجزء الصادر مؤخرًا مقاربة لانتقال سياسي يتجه “من الأسفل إلى الأعلى”، عماد هذا الحل هو المجالس المحلية وأموال إعادة الإعمار، إذا تقوم الخطة على أساس إجراء انتخابات داخل المجتمعات المحلية تحت رقابة دولية، على أن يتم الاتفاق على “مبادئ ومعايير” تلتزم بها هذه المجالس، وتنال شرعية واعتراف دوليًا على أساسه، وتقوم المجالس المنتخبة بدورها بتقييم الاحتياجات الأساسيّة، ولاحقًا ستصبح هذه التقييمات أساس عملية توزيع الأموال المخصصة لإعادة الإعمار .
تفترض “راند” أن منح مساعدات إعادة الإعمار على أساس المجتمعات المحليّة سيسمح بتعزيز “الحكومة التمثيلية” في بعض المجتمعات المحلية الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وهو ما يخلق أساسًا لحكم لا مركزي “سورية لا مركزية”، ويساهم في تطوير قيادات جديدة على المستوى الوطني، وهذا سيحد من سلطة نظام الأسد بشكل ما، وإن كان يبقى القضايا السياديّة “الخارجية، الدفاع، السياسة النقدية” تحت سلطة النظام .
بالطبع لا يمكن لهذا “السلام” أن ينجح إلا بتبني الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الخطة، والعمل مع حلفائها الأوروبيين والخليجيين على تفعيلها، وحث الشركاء على إطلاق عملية إعادة الإعمار وضخ الأموال، بالإضافة إلى منع أي عمل عسكري يستهدف المناطق المحررة، والرد على النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، في حال قرر كسر هذه القواعد الجديدة .
إن مسألة بقاء بشار الأسد تشكل حتى اليوم عقبة أساسيّة أمام كل محاولات صناعة السلام وعائقًا أمام أي فرصة حقيقيّة نحو عملية انتقال سياسي في سورية، وعليه فإن هذه الخطة ستبقى حبرًا على ورق ما لم تحصل توافقات سياسيّة دولية حول طبيعة الحل في سورية، كما أن هذه الخطة بحاجة لدعم وتوافق عدد من الأطراف المحليّة الفاعلة، كالقوى الكردية التي ينبغي عليها التخلي عن نظرتها الماركسيّة الشمولية والتخلي عن أحلام التمدد والانفصال، كما أن قوى الثورة بما فيها هيئة التفاوض وجميع الهيئات الفاعلة في الخارج، بحاجة إلى قراءة هذا المشروع بتأنٍ وصبر، وعدم التسرع في اتخاذ موقف ما منه، هذه الخطة فيما لو كتب لها التطبيق، فإنها سوف تُلغي أي دور حقيقي للمعارضة السورية في الخارج فعليًا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس