إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
أفريقيا قارة كبيرة لا يوجد نموذج شامل واحد للشراكة يمكن أن ينصف تنوعها الاجتماعي والاقتصادي والجغرافي. يتطلب إشراك أفريقيا نهجا متعدد المستويات في عالم متعدد الأقطاب. وانطلاقا من هذا المبدأ، سعت تركيا إلى التواصل مع أفريقيا على مدى العقد الماضي.
ما تزال الدول الأفريقية تكافح إرث الاستعمار والحروب الأهلية والإرهاب والفساد ونقص الهياكل الأساسية والقضايا الإنمائية والبيئية ومجموعة أخرى من التحديات، لكنها تمتلك أيضا إمكانيات هائلة من الموارد الطبيعية الغنية، ودينامية السكان والانفتاح على العالم. ومنذ أن بدأت تركيا سياستها "الانفتاح على أفريقيا" في عام 2005، أولت الاهتمام لهذه الديناميات ورأيت نتائجها على أرض الواقع.
ومن الأمثلة على ذلك شراكة تركيا مع الصومال. وقد نجح نموذج التنمية التركي في الصومال وقدم إسهاما كبيرا في جهود هذا البلد لوقف العنف وإقامة مستوى معين من النظام والتمثيل السياسي والازدهار. وفي الوقت الذي ما تزال فيه الصومال تعالج مشكلات الإرهاب والفقر وغياب حكومة مركزية قوية، فإنها صارت أفضل مما كانت عليه قبل خمس سنوات. وقد استثمرت الحكومة التركية ومؤسسات المجتمع المدني بكثافة في الصومال حتى يعتمد الصوماليون على أنفسهم بدلا من خلق أشكال جديدة من التبعية والاستغلال.
وعلى مدى العقد الماضي، زادت تركيا عدد سفاراتها في أفريقيا من 12 إلى 39 سفارة (وستصل إلى 41 سفارة في عام 2018) وزادت من حجم التجارة مع القارة إلى خمسة أو ستة أضعاف، كما زار الرئيس رجب طيب أردوغان 24 دولة أفريقية على مدى السنوات القليلة الماضية، وعقد قمتي تركيا وأفريقيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن كثيرا من الدول الأفريقية تكافح الفقر والتخلف رغم أنها غنية بالموارد الطبيعية. ويقول تقرير للبنك الدولي صدر أخيرا عن القارة : "ما تزال التوقعات بالنسبة للمنطقة تشكل تحديا مع بقاء النمو الاقتصادي أقل بكثير من متوسط ما قبل الأزمة، وسوف تترجم وتيرة النمو المعتدلة إلى مكاسب بطيئة فقط في نصيب الفرد من الدخل الذي انخفض في عامي 2016-2017 ، ولن يكفي النمو مطلقا لتعزيز الرخاء المشترك أو تسريع الحد من الفقر ". لكن التقرير نفسه يشير أيضا إلى أنه "من المتوقع أن تشهد دول جنوب الصحراء الكبرى انتعاشا مطردا في النشاط، حيث ارتفع النمو إلى 3.2٪ في 2018 وإلى 3.5٪ في 2019 مع استقرار أسعار السلع الأساسية والطلب المحلي بشكل تدريجي،وهو ما يساعد على تباطؤ التضخم وتخفيف قيود السياسات النقدية ".
ليس ثمة سبب يحول دون أن تكون السنوات القادمة أفضل بالنسبة للاقتصادات الأفريقية. ومع تحرك مركز الثقل في الاقتصاد العالمي نحو العالم غير الغربي، قد تبرز فرص جديدة للدول الأفريقية لتنويع اقتصاداتها. وقد تعمل التجارة والاستثمار العالميان لصالح البلدان الأفريقي،ة إذا ما وضعت الأولويات الوطنية على النحو الصحيح وتبعها نهج يتسم بالانضباط والعزم.
وفي ضوء ما تقدم زار الرئيس اردوغان هذا الأسبوع ثلاث دول أفريقية هي السودان وتشاد وتونس. وركزت الزيارة، وهي الأولى على مستوى الرئاسة التركية إلى هذه الدول، على تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية، وشهدت توقيع عشرات الاتفاقيات فى مختلف المجالات.
كان استقبال الرئيس رائعا حقا،حيث احتشد الآلاف للاحتفال بالزيارة وأعربوا عن أملهم في توثيق العلاقات. وإلى جانب الخرطوم، زار الرئيس أردوغان أيضا بورسودان وجزيرة سواكن التاريخية التي كانت لقرون ميناء للحجاج من جميع أنحاء أفريقيا. وقد قامت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) بترميم مسجدين وبناء ميناء في الجزيرة،كما تنفذ عددا من المشاريع. ومن بين المشاريع الرئيسية الأخرى، ستبدأ تركيا مبادرة زراعية كبيرة في السودان.
وكان المشهد مماثلا في تشاد، حيث التقى نحو 150 من رجال الأعمال الأتراك نظرائهم من تشاد لاستكشاف فرص الاستثمار. وتشاد هي واحدة من أشد البلدان فقرا في العالم وتحتاج إلى مساعدة بناءة ومستدامة على مختلف المستويات.
وفي تونس التي تتمتع معها تركيا بعلاقات تاريخية وثقافية طويلة، تناولت اللقاءات الرسمية العلاقات الاقتصادية الثنائية والقضايا السياسية الإقليمية، بما فيها القدس والعلاقة بين قطر ودول الخليج الأخرى. وأكدت تركيا وتونس من جديد توافق وجهات نظرهما بشأن هذه القضايا الإقليمية وغيرها. وقد ساندت تركيا تونس منذ بداية ثورة الياسمين بتزويدها بتسهيلات ائتمانية وتدريب أفراد الأمن وتوفير المعدات.
ومن الجدير بالذكر أن الدول الأفريقية لعبت دورا إيجابيا للغاية في التصويت الأخير في الجمعية العامة للامم المتحدة حول القدس ورفضت القرار الأمريكي الأحادي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.ولم يكن هذا مفاجئا؛ لأن الدول الأفريقية هي الأنسب لفهم معاناة الشعب الفلسطيني، لأنها نفسها كانت ضحايا للاستعمار والاحتلال والفصل العنصري والعقاب الجماعي على مدى عدة قرون. إن المنظور الأفريقي الشامل بشأن القضية الفلسطينية يدل، من بين ما يدل ،على أن الدول الأفريقية تتابع القضايا الإقليمية والعالمية بشعور واضح بالعدل والضمير الذي يتجاوز المصالح السياسية والاقتصادية قصيرة الأجل.
إن أفريقيا أكثر دقة وتعددا للمستويات مما تراه العين لأول وهلة، وتستحق أن تعامل على أنها شريك على قدم المساواة على الساحة العالمية، وتحتاج إلى السلام والعدالة والاستقرار وليس إلى أشكال جديدة من الاستغلال. وعندما يعود العالم إلى أفريقيا،تنفتح عليه القارة،وينبغي أن يسفر هذا عن علاقة تقوم على المصلحة المتبادلة والثقة والشراكة.و هذه هي الطريقة للتواصل مع أفريقيا في عالم متعدد الأقطاب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس