إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
كان من الممكن أن يُستخدم عنوان هذا المقال بسهولة قبل مئة عام عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تنهار، وعندما كان مفهوم الأمة الإسلامية يفقد معناه وأهميته. منذ ذلك الحين وربما في عصور سابقة، لم تبرح الأزماتُ العالم الإسلامي قط. وقد أثار جمال الدين أفغاني ومحمد عبده ونامق كمال ومحمد إقبال وكثير من العلماء والمفكرين والناشطين المسلمين الآخرين القضية نفسها مرارا وتكرارا. لماذا؟ لأن هناك أزمة حقيقية، ولا يمكننا الادعاء بأنها غير موجودة.
لكن ألا يصدق هذا على جميع الحضارات؟ كم يبلغ عدد التنوعات على أطروحة "انهيار الحضارة الغربية" التي طرحها شبنغلر منذ أوائل القرن العشرين؟ لقد عانى أبناء وأتباع فكر نيتشة وربما سُرّوا من أزمة الحضارة الغربية. وإذا سالت الصينيين والهنود، فربما يقولون أشياء مشابهة عن المسار الحديث لحضاراتهم.
لذا فليس السؤال هل كانت هناك أزمة أو لماذا يجب أن تكون أزمة في جميع العصور، ولكن السؤال هو هل يملك أعضاء الحضارة القدرة على إنتاج حلول خلاقة للتغلب على الأزمات. كان أرنولد توينيبي على حق عندما تحدث عن آلية "التحدي والاستجابة" كاختبار حقيقي لمرونة الحضارة واستمرارها. إن ما يمكّن الثقافة أو الأمة من التغلب على الأزمات ليس خصائصها العرقية أو الثقافية أو الدينية أو الجغرافية، بل قدرتها على التكيف مع دورة التحدي والاستجابة التي تقوم بموجبها بتطوير استراتيجيات جديدة وتوليد طاقات جديدة للتعامل مع الحالات الناشئة حديثا.
ولعل هذا ما يفتقر إليه العالم الإسلامي اليوم، إذ لا يمكن أن يكون الإيمان بالإسلام بمفرده كافياً لإدارة المشاكل الاجتماعية والسياسية. ولا يمكن أن تكون تباينات الإيمانية (التي تؤمن بالإيمان فقط دون العقل) علاجًا أيضًا. على المؤمن والمؤمنة أن يقوم بعمله وأن يجعل كتابه المقدس يتكلم مع حقائق عصره. يخصص القرأن كثيرا من الأيات للحديث عن مصير الإنسانية في العالم ويشرح كيف يمكن للإنسان أن يعالج التجارب والمحن التي تشكل جزءا لا يتجزأ من هذه الحياة الانتقالية. الإيمان مصدر ثمين ومهم للغاية للمعرفة والشجاعة والعزيمة. لكن لا ينبغي أن يؤدي هذا إلى غطرسة لاهوتية وكسل فكري، لأنه عندما يحدث هذا لا يقدم الإيمان أي إجابات لمشاكلنا على هذه الأرض.
وينطبق المبدأ نفسه على عادة إلقاء اللوم على الآخرين بسبب أزماتنا الذاتية، وإن كان الكثير من القوى العظمى تضطلع بدور في هذه الأزمات. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هناك ألاعيب مستمرة في النظام العالمي الحالي الذي يتحمل الكثير من اللوم، ولا ينتج العدالة والسلام والمساواة. لكن الإجابة لا تكمن ببساطة في ذكر هذه الحقيقة والركون مرة أخرى، بل تكمن في الاستجابة لهذه التحديات بطرق مبتكرة وبناءة. لن يضطلع أحد بحل مشاكل البلدان الإسلامية، لكن سيتعين عليها الاهتمام بمشاكلها واتخاذ مبادرات بشروطها الخاصة قدر المستطاع ضمن هياكل السلطة الحالية.
من سوريا واليمن إلى فلسطين ومحاربة الإرهاب، أظهرت البلدان الإسلامية، مع بعض الاستثناءات المشرفة، القليل من روح القيادة لتحديد قواعد اللعبة. لقد حولت علاقاتُ الاعتماد ومشاكل الشرعية والتفكير القصير المدى وعقد الدونية ونقص الاستثمار في التفكير الجاد والتعليم والبحث، العالمَ الإسلامي ككل إلى مشاهد سلبي. والمطلوب هو رؤية جريئة وحكمة وقيادة شجاعة الآن قبل الغد.
للعالم الإسلامي نصيبه الخاص من بلايا ومحن الحداثة المتأخرة: فقدان المعنى والتوجيه، وزحف العدمية، وتحول القيم، وموت السياسة، وإغراءات الروح التجارية والنزعة الاستهلاكية، والنزعة التقدمية وما إلى ذلك. إنني أدرك حقيقة أن الكثيرين لا يعترفون بأن هذه المشاكل تنطبق على المجتمعات الإسلامية، ولكن هذا ليس صحيحا؛ لأن هذه المشاكل موجودة، وعلينا أن نبدأ بالاعتراف بهذه الحقيقة البسيطة.
يمكن للعالم الإسلامي أن يفعل ما هو أفضل مما يفعله الآن بموارده البشرية والطبيعية والفكرية. يمكن للدول المسلمة ويجب عليها أن ترسخ مبادئ السلام والعدالة والشفافية والمساءلة كأساس للنظام الاجتماعي. كما يمكنها ويجب عليها حل مشاكلها دون إلقاء اللوم على الآخرين طوال الوقت. قد يمنحنا الرضوخ الأخلاقي والكسل الفكري شعورًا خاطئًا بالثقة، لكنه لا يمكن أن يساعدنا في حل مشاكلنا. ويمكن القيام بذلك دون أن ندير ظهرنا لبقية العالم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس