فراس رضوان أوغلو - خاص ترك برس
زادت في الآونة الاخيرة حدة التصريحات من قبل السياسيين الأتراك ضد الولايات المتحدة الأمريكية التي بدورها نجحت باستفزاز صناع القرار بأنقرة عبر إعلانها الأخير تشكيل قوة عسكرية لحماية الحدود المشتركة بين سوريا والعراق وتركيا من قوة قوامها 30 ألف عنصر نصفهم من الأكراد الانفصاليين المأجورين، ولعل تصريح الرئيس أردوغان بأنه لم يتكلم مع الرئيس الأمريكي ترامب ولن يتكلم معه ما لم يبادر الأخير بالاتصال به يعد سابقة في العلاقات التركية الأمريكية.
الخيارات التركية باتت محدودة في حل الأزمة الأمنية على حدودها الجنوبية، فالمماطلة الأمريكية في تلبية الطلبات التركية المتعلقة بأمنها القومي جعلتها تشعر بأن الوقت ليس في صالحها، فتسليح الأكراد الانفصاليين ما زال مستمراً وطموحاتهم التي فشلوا في تحقيقها عبر أربعين سنة باتوا الْيَوْمَ اقرب إليها من ذي قبل، ولو أضفنا على ذلك التصعيد الأمريكي ضد الحكومة التركية في ملفات أخرى مثل قضية فتح الله غولن وقضية هالك بنك التركي المتهم بأنه اخترق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران كل تلك الأمور جعلت تركيا تنتقل إلى مرحلة "التصعيد مقابل التصعيد" لفتح أبواب حوار جديدة مع إدارة البيت الأبيض.
ولعل عفرين هي النقطة الأضعف من اجل بدء سياسة التصعيد فهي عسكريا تكاد تكون محاصرة من قبل القوات التركية و الجيش السوري الحر، وحتى القوات الأمريكية لم تَعِد قوات حماية الشعب الكردية المسيطرة على عفرين بالدعم أو الحماية، وحتى روسيا التي بدورها أرسلت قواتها إلى عفرين تدرك ذلك ولكنها تريد الاستفادة من ورقة عفرين لمقايضتها مع تركيا بملفات أخرى في مناطق إدلب وحماة، وكان ذلك واضحاً في التصعيد الأخير من قبل قوات النظام السوري وحلفائه في تلك المنطقتين.
المرحلة الثانية هي التصعيد ضد مدينة منبج السورية، وذلك لاحتمالات عدة يجب على تركيا تفاديها: أولا خروج المليشيات العسكرية من عفرين وتوجههم نحو منبج مما يجعل منبج أكثر قوة، وثانياً يمكن أن تتحول منبج إلى قوة متقدمة لقوات سوريا الديمقراطية تجاه الجيش السوري الحر مما يجعلها تشكل خطرا استراتيجيا على تركيا وخاصة غرب نهر الفرات.
المرحلة الثالثة تعزيز القوات التركية التي ستتواجد في مناطق إدلب السورية وبشكل كبير قدر الإمكان، فرغم العلاقات التركية الروسية الجيدة إلا أن الأخيرة تناور دائماً من أجل أن تكسب أكثر على أرض الميدان السورية، فالكل يبحث عن مصالحه ويسعى لاستدراج الطرف المقابل نحو سياسة التنازلات، لذا على تركيا أن تتخذ خطوات متقدمة في حال دعتها الضرورة للتراجع لكي يبقى هذا التراجع ضمن المكتسبات التي خططت لها.
وأخيرا لا بد لتركيا أن تستفيد من التناقضات الأمريكية الروسية في الملف السوري، ومن التناقضات بين أمريكا وبعض دول حلف الناتو الأوروبية لأن هذه الدول تخشى الهجرات البشرية إليها، ولعل هذه ورقة ضغط ممكن لتركيا أن تستفيد منها لكسب الدعم الأوروبي لها في الملف السوري إضافة إلى التنسيق مع دول الإقليم المتخوفة من الخطوة الأمريكية لأنها خطوة نحو التقسيم، وبما أن الصدام التركي الأمريكي في الملف السوري حاصلٌ لا محالة على رقعة عفرين ومنبج فما على تركيا إلا أن تلعب بأوراقها بشكل دقيق فالهجوم خير وسيلة للدفاع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس