د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
في كل دول الجوار التي وطأ ترابها اللاجئين السوريين ،انقسم المجتمع المدني في تلك الدول الى قسمين ،قسم متعاطف مساند مؤيد ،وقسم متذمر معارض وربما معادي ومحارب.
ويختلف هذا الانقسام والاصطفاف حسب موقف الحكومة والقيادة السياسية الحاكمة في ذلك البلد.
اللغة لم تكن حاجزاً سوى في تركيا، التي اختلفت هي أيضاً في موقفها، ونظرتها، وتقييمها، وأسلوبها في التعامل مع هذه الظاهرة، ومحاولة لتخفيف سلبياتها وأضرارها . هذه النظرة والسياسة تجاه اللاجئين، الذين فضلت تسميتهم ب " المهاجرين والأنصار "هي الأخرى تعرضت لتغيرات ، وتجاذبات، ومد وجزر حسب تغير الأحداث في سوريا ، والمواقف الدولية ، وطول الفترة الزمنية لمكوث اللاجئين في بلد الهجرة ،واستحقاقات ملفات كثيرة فرضت نفسها على الجميع ، من حقوق وواجبات ،كالتعليم والصحة والإقامة والإستملاك والعمل وغيره.
رغم شعار "المهاجرين والأنصار " لمنح العلاقة بين اللاجئين والمقيمين علاقة الأخوة والمرحمة والمودة والعطف ،ورغم النجاح الباهر لهذا المصطلح في كثير من المستويات ، وخاصة على مستوى تحفيز منظمات المجتمع المدني، والتعاطف الشعبي الذي قدم الكثير من الخدمات لتخفيف المحنة والحمل عن الحكومة .لكن هذا لم يستطع منع بعض التساؤلات لدى شريحة لا يستهان بها من المواطنيين الأتراك ،وخاصة عندما تٌستغل من قبل بعض الاطراف المعادية والممتعضة من وجود السوريين بتركيا.
ومن الخطأ الاستخفاف بهذه التساؤلات ، وعدم العمل على تغيير النظرة لدى البعض من هؤلاء إن لم يكن الجميع،وهذا يحتاج لجهود تقع على عاتق الطرفين السوريين والأتراك. فلاتزال بعض الأسئلة والتساؤلات لدى كثير من المواطنين الأتراك تحتاج لأجوبة شافية ومقنعة .
تركيا هي البلد الوحيد من بين دول الجوار التي بدأت بالتفكير بمستقبل هذه الملايين الجديدة،وبتجنيس السوريين المقيمين بها ،ومحاولة الاستفادة من الكوادر العلمية والكفاءات والخبرات رغم حاجز اللغة العائق الأكبر ،والقوانين ، والبيروقراطية المترهلة التي لاتزال تغلب على سمة القوانين الحكومية، رغم كل الجهود الجبارة ، والتغيرات الجذرية التي قامت بها حكومة العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة .
النظرة التفاؤلية في بداية الأمر والتوقعات بقصر طول الأزمة كان سبباً لتأخر كثير من الاجراءات اللازمة ،يضاف لذلك عدم الاستعداد الفكري والنفسي والمؤسساتي لتقبل كل هذا العدد من اللاجئين ،وقبولهم بشكل مستمر ودائم وربما بدون عودة لهم لبلادهم.
قامت الحكومة التركية بسن كثير من القوانين واللوائح الناظمة،التي استطاعت من خلالها تنظيم كثير من أوضاع اللاجئين من الناحية الأمنية والتعليمية والصحية ومزاولة العمل والتنقل ومعاملات الزواج وتسجيل المواليد وغيرها .وكانت ناحجة في كثيراً من هذه الأمور رغم وجود بعض الثغرات والسلبيات في بعض النقاط التي تعمل على حلها كلما توفرت لها المعلومات والاحصائيات والقناعات لحلها.
تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان في الفترة الأخيرة ،أعاد موضوع اللاجئين السوريين لمقدمة الحدث ،وأثار قلقاً لدى كثير من السوريين، ووجد صداَ أيضاً لدى الأوساط التركية، وذلك عندما أعلن عن نية تركيا إعادة الثلاثة ملايين ونصف مليون من اللاجئين الى المناطق المحررة بعد نجاح عملية "غصن الزيتون" وتحرير منطقة عفرين ومنبج وبقية المناطق الأخرى.
فهل هذا تغير في النظرة لموضوع اللاجئين الذين بدأ بتجنيسهم وتوطينهم في الفترة الأخيرة..!!؟
أم هو تصريح للرأي العام الداخلي والغربي بآن واحد من أجل معركة عفرين؟
أم هو نتيجة استطلاعات رأي جديدة بخصوص هذا الموضوع...!!؟؟
تناولت بعض القنوات موضوع السوريين في تركيا في أكثر من برنامح ،وكتب عنه العديد من الكتاب والصحفيين،ورغم مرور سبع سنيين على تواجد السوريين بتركيا لاتزال العلاقة والمعرفة بين الطرفين غير واضحة وغير كافية وليست بالمستوى الذي يعطي الطرفين حقه ويلبي طموحاته وتطميناته ةيجيب عن تساؤلاته.
رغم كل الإيجابيات التي يجب أن ننصفها، وننصف الجهود التي بُذلت من قبل الدولة المضيفة ، والجهة المهاجرة ،لكن أيضاً لايزال هناك الكثير من المواضيع العالقة ، والصورة الضبابية عن السوريين، ومستقبلهم، وقضيتهم، مما ترك صورة سلبية لدى كثير من الأتراك وخاصة حملة الأقلام والمحلليين والموجهين للصحافة والرأي العام . وهذا فشل كبير بعد كل هذه السنيين الطويلة.
برأيي أن هناك عدة أخطاء وقع بها الطرفين سببت تأخر حل، وتوضيح الصورة وكثير من المسائل العالقة.
من أهمها اعتماد الدولة المضيفة على جهات ،أو شخصيات ،لم تكن جديرة وليست مؤهلة لتحمل هذه المسؤلية ، بسبب نظرتها القاصرة ، وتركيبة تفكيرها الضيق ، وعدم تقييمها للمسألة بمنظور واسع ومهني، بعيداً عن التأثيرات الأخرى، من دينية، أو قومية،أو مناطقية، أو فكرية.
والمسؤولية الثانية تقع على السوريين الذين لم يستطيعوا شرح قضيتهم، وثورتهم، وهجرتهم، ومحنتهم، ومأساتهم ،ومستقبل أحلامهم وتطلعاتهم.
وسبب هذا الفشل له عدة أسباب أيضاً من أهمها:
1-الفشل في تأسيس مؤسسات مهنية،علمية تعمل بحرفية ووطنية وحرفية . فغالبية المنظمات التي تشكلت، - وخاصة منظمات المجتمع المدني (!)- كانت تتقمص أدواراً ليست هي أدوارها الحقيقية ، وكانت أشبه بشركات تجارية وسيطة ، أو جمعيات خيرية على أفضل توصيف.
2-فشل الهيئات السياسية التي مُنحت الإعتراف السياسي -على الأقل – من قبل الحكومة التركية ، وأعتبرتها مخاطباً رسمياً ،كالإئتلاف والحكومة المؤقتة .فالإئتلاف لم يأبه لهذه الناحية ، وضع سفراءً له ليس من اهتمامهم الإنشغال بالجالية واللاجئيين، بل كان جٌل اهتمامهم هو التمثيل السياسي فقط ،والإنشغال بملفات بعيدة عن هموم اللاجئين الملحة والعاجلة.وحملهم عدة ملفات شغلتهم حتى عن رؤية اللاجئين أنفسهم.
3- تقديم المصالح الشخصية الفردية،الحزبية، القومية على المصلحة العامة التي تهم كل اللاجئين ، مما جعل الطرف الآخر يستخف بهذا التمثيل ، الذي لم يرق لتمثيل طموحات الطرفين ، ولم يرق لحجم التضحيات والآلام التي قدمها ويعيشها اللاجئين في تركيا وأهلهم وذويهم في سورية.
4- التفكير العاطفي الحماسي،واختزال تركيا بشخصية رئيس الجمهورية ، وحزب العدالة والتنمية ، لكثير ممن تكلم بأسم السوريين ، وذلك بسبب قلة المعرفة بالواقع التركي، والتركيبة الذهنية والواقع الداخلي ، وفهم الواقع التركي على اساس علمي وواقعي وصحيح.
ولاتزال الحاجة ماسة، بل وملحة، أكثر مما مضى لتشكيل مؤسسات سورية مهنية تستطيع قراءة الواقع والمستقبل، بكل مهنية وواقعية، وتستطيع طرح المشاكل بمهنية وحرفية وعلى أساس علمي يعتمد الأرقام والتشخيص والعلاج ، لمافيه خيراً كثيراً للدولة المضيفة والضيوف السوريين أيضاً في تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس