مصطفى قره علي أوغلو – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس
بعد بدء القوات المسلحة التركية بتنفيذ معركة عفرين العسكرية في سوريا أصبحت ردود الأفعال والمضايقات تتزايد نحو اللاجئين السوريين، إذ كانت مسبقاً تُوضع حجج عديدة لاستهداف اللاجئين وانتقادهم أيضاً، وخصوصاً أن هذه الحال تزداد زخماً مع زيادة أخبار سقوط شهداء من القوات التركية، كما تؤدي مواقع التواصل الاجتماعي دوراً فعالاً في ذلك إذ تعكس صورةً تدفع هذه الفئة من الشعب التركي إلى ارتكاب الأخطاء ونبذ اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية.
لا شك في أن ردود الفعل هذه خاطئة، إذ لا يليق بالمجتمع التركي مثل هذه التصرفات التي تتمثل باستهداف السوريين الذين لجؤوا إلى الأراضي التركية من أجل إنقاذ أرواحهم والتسبب بالازعاج لهم، يجب أن لا ننسى أنه ما من شخص يترك بلاده ومنزله دون أسباب، وكما نعلم جميعاً توجد أسباب تحمل ضرورة وجودية أدت إلى إبعادهم عن ديارهم، ودفعتهم للجوء إلى المناطق التي يشعرون فيها بالأمان ويبتعدون فيها عن الموت والدمار، تاركين أثناء ذلك منازلهم وأموالهم وأعمالهم وذكرياتهم ودولتهم خلفهم وأُجبروا على عيش مجازفات لا يُعرف عقباها، لذلك يتوجّب علينا إدراك مدى صعوبة هذا الواقع، وأننا نعكس للعالم مشهداً يوضّح معنى الإنسانية والأخوة من خلال استقبالهم وتقديم المساعدة لهم.
اليوم تستضيف تركيا أكثر من ثلاثة مليون لاجئ سوري، يعيش البعض منهم في المخيمات التي تم تجهيزها لهم، فيما يحاول البعض الآخر أن يعيش حياةً طبيعية في ولايات تركيا المختلفة.
لم يقتصر اللجوء على تركيا فقط، إذ تستقبل العديد من دول المنطقة مثل الأردن ولبنان ملايين اللاجئين أيضاً، إذ تستقبل الأردن حوالي الـ 800 ألف لاجئ سوري، في حين تستقبل لبنان 2.5 مليون لاجئ أي ما يقارب نصف تداد سكان لبنان، إضافةً إلى أن ألمانيا استقبلت حوالي المليون لاجئ سوري على الرغم من اختلاف اللغة وعدم وجود أي رابط ديني أو عرقي، وهذه النسية لا يستهان بها نظراً إلى أن ألمانيا دولة أوروبية تعتنق الدين المسيحي ويشهد فيها اليمين تصاعداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، كما يجدر بالذكر أنه يوجد في ألمانيا أكثر من 9 مليون شخص لا يحملون الجنسية الألمانية ومعظم هؤلاء الأشخاص من الدين الإسلامي.
في السابق استقبلت تركيا اللاجئين العراقيين الهاربين من الظلم الذي تعرضوا له في بلادهم أثناء حكم الصدام حسين، واليوم تستقبل اللاجئين السوريين الهاربين من ظلم بشار الأسد، وبذلك تكون تركيا قد فعلت ما يليق بها كدولة إسلامية وإنسانية، كما أن معظم الشعب التركي قد ساهم في ذلك أيضاً وأظهر موقفاً سيكون موضع فخر للأجيال القادمة.
يجب أن لا ننسى أيضاً أن المجازر والهجمات الإجرامية ما زالت مستمرة في سوريا، ولا أحد يشعر بالأمان في المنطقة، قبل يومين نفذت روسيا هجمة كيميائية على مدينة إدلب السورية مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين، إضافةً إلى أن بشار الأسد لا يضمن أرواح وأموال من ليس من أتباعه، حتى وإن قال إنه يضمن ذلك فلا أدري لأي درجة يمكننا الثقة بشخص قتل مئات الآلاف من شعبه وتسبب في هجرة الملايين.
الصداقة والإنسانية هي مفاهيم تحتاج لبعض الصبر مثل غيرها من المفاهيم الأخرى، لذلك فإن مضايقة اللاجئين السوريين أو المطالبة برحيلهم قبل عودة الاستقرار والهدوء لبلادهم ستؤدي إلى تشويه المشهد الإنساني الذي أظهرته تركيا وتستمر في إظهاره إلى الآن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس