إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
ينبغي أن تتحول الاجتماعات الأخيرة بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين إلى فرصة للتغلب على أزمة الثقة التي نشأت نتيجة للسياسة الأمريكية المتمثلة في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشيا وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لحزب العمال الإرهابي بي كي كي، وعدم اتخاذ أي إجراء بشأن شبكة فتح الله غولن الإرهابية في الولايات المتحدة.
للأسبوع الرابع، تستمر عملية غصن الزيتون التي أطلقتها تركيا ضد ميليشيا "ي ب ج" الإرهابية في عفرين كما هو مخطط لها، وتهدف إلى تطهير شمال سوريا من جميع العناصر الإرهابية بما في ذلك داعش والبي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي وميليشيا حماية الشعب والقاعدة وغيرها. وينبغي أن يكون هدف جميع أصحاب المصلحة المشاركين في الحرب السورية التي دامت سبع سنوات هو تطهير البلاد من جميع التهديدات الإرهابية، وأن يتعاونوا على الحفاظ على سوريا، والمساعدة في عملية الانتقال السياسي لحكومة شرعية تضم جميع السوريين.
تزعم جميع البلدان أنها تتفق مع هذه الأهداف. لكن أعمالها على أرض الواقع تخبرنا بشيء مختلف. منذ عهد الرئيس أوباما قالت الإدارة الأمريكية إنه بمجرد القضاء على تهديد داعش، فإنها ستكف عن دعم وحدات حماية الشعب، ثم تقول الإدارة الحالية الآن تحت ضغط من أنقرة، إنها ستبدأ في فك الارتباط مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. على أن إعادة تسمية وحدات حماية الشعب بقوات سوريا الديمقراطية لم تنطل على أحد. والواقع أن أجهزة المخابرات الأمريكية تشير إلى وحدات حماية الشعب بوصفها ميليشيا تابعة للعمال الكردستاني في سوريا.
إن الأولوية بالنسبة إلى أنقرة وتوقعها أن تتوقف الولايات المتحدة عن تدريب وتسليح جماعة إرهابية شنت حربا دموية على تركيا على مدى الثلاثين عاما الماضية، وهو ما يجعل الشعب التركي يشعر بالغضب، ويسأل، وله مبرره في ذلك، سؤالا بسيطا: كيف يمكن لحلف الناتو أن يدعم عدونا؟. لم یکن ھناك أي مبرر لتمکین وحدات حماية الشعب في سوریا باسم الحرب على داعش، وكان يمكن تحقيق هذا الهدف بوسائل أخرى. لقد ارتكبت إدارة أوباما خطأ استراتيجيا واستمرت إدارة الرئيس دونالد ترامب في هذا المسار الخاطئ. لقد حان الوقت لتغيير المسار والعمل مع الحلفاء بدلا من التعاون مع الجماعات الإرهابية.
إن أولوية تركيا هي إنهاء الحرب الدموية التي استمرت سبع سنوات والعمل على الانتقال السياسي الذي سيؤدي إلى إقامة سوريا حرة ومستقرة وسلمية ومزدهرة. ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق إذا بدأت الدول المعنية حربا أخرى بالوكالة في بلاد الشام. ولسوء الحظ، يبدو أن هذا هو ما يحدث في الوقت الراهن، حيث لم تعد المسألة بالنسبة إلى الولايات المتحدة هزيمة داعش أو بقاء بشار الأسد في السلطة لصالح إيران، بل السيطرة الجيوسياسية في سوريا. ولا يخفي المسؤولون الأمريكيون حقيقة أنهم سيبقون فى سوريا في المستقبل المنظور كقوة مضادة لإيران. وهكذا تتحول الأراضي السورية إلى مشهد حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج من جهة وإيران وروسيا وحزب الله من جهة أخرى. وهذا لا يبشر بالخير لأحد،ولن يكون هناك فائز في هذا الاستعراض للقوة.
وقد أوجد الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب أزمة ثقة خطيرة، يضاف إليها التقاعس حتى الآن فيما يتعلق بشبكة فتح الله غولن الإرهابية في الولايات المتحدة. لم تفهم إدارة أوباما ولا ترامب مدى خطورة هذين التهديدين بالنسبة إلى تركيا، وربما تنظران إلى العلاقة الأمريكية مع وحدات حماية الشعب على أنها "مؤقتة وتكتيكية"، لكنها تشكل تهديدا أمنيا استراتيجيا لتركيا لأن كل الدعم المقدم لهذه المجموعة يقوي حزب العمال الكردستاني.
كانت تركيا جزءا من التحالف الدولي للحرب على داعش، وقد قضت على آلاف الإرهابيين من التنظيم. ولكن المشكلة ليست الحرب على داعش، التي تؤيدها أنقرة تماما، ولكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة اختارت العمل مع اللاعبين الخاطئين على الأرض. هذا لا يمكن أن يستمر، ونأمل أن تساعد الاجتماعات الأخيرة مع المسؤولين الأتراك المسؤولين الأمريكيين على فهم خطورة المسألة.
وينطبق الشيء نفسه على منظمة غولن الإرهابية، إذ لم تتخذ إدارة أوباما ولا إدارة ترامب أي خطوات على الإطلاق لمعالجة المخاوف الأمنية المشروعة لأنقرة. يتنقل أعضاء غولن بمن فيهم زعيمهم غولن بحرية في الولايات المتحدة، في وقت توجد فيه لوائح اتهام وأوامر اعتقال لهم. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تبرر ذلك باسم استقلال القضاء، لأن أنقرة لم تطلب مطلقا من الحكومة الأمريكية القيام بأي عمل غير مشروع. ولم تطلب سوى تسليم المجرمين واحتجازهم أو اعتقالهم استنادا إلى اتفاقات بين البلدين. يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يفهموا، ما لم يكن هناك سبب آخر، أن أعضاء منظمة غولن الإرهابية يفعلون كل ما في وسعهم لإفساد العلاقات الأمريكية التركية، وعليهم أن يضعوا حدا لذلك.
وللتغلب على أزمة الثقة هذه، يتعين على الإدارة الأمريكية اتخاذ خطوات فيما يتعلق بكل من وحدات حماية الشعب وتنظيم غولن الإرهابي. وبخلاف ذلك، سوف تتضرر علاقة وتحالف استمر عقودا على نحو لا يمكن إصلاحه. وينبغي أن تسفر الاجتماعات الأخيرة عن نتائج ملموسة على أرض الواقع.
يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ عملية فك الارتباط مع وحدات حماية الشعب ونقلها من منبج إلى شرق الفرات.وتستطيع تركيا والقوات الأمريكية التي تعمل مع السكان المحليين أن تؤمنا منطقة منبج. وأمامنا نموذج نجح في تحقيق هذا الغرض في المنطقة الواقعة بين جرابلس والراعي، التي طهرتها عملية درع الفرات التركية من داعش، ولا يوجد فيها عناصر لداعش ولا وحدات حماية الشعب وقوات النظام. ولا يشكل أي تهديد لأحد. الشيء نفسه يمكن أن يحدث بسهولة في منبج. وهذا هو ما تسعى تركيا لتحقيقه في عفرين بعملية غصن الزيتون.
ليس لدى تركيا مشكلة مع أكراد سوريا ماداموا ليسوا جزءا من شبكة حزب العمال الكردستاني.وفي الحقيقة هناك مئات الآلاف من الأكراد الذين يرفضون أيديولوجية حزب العمال الكردستاني الماركسية اللينينية بصيغتها القديمة وتكتيكاته الإرهابية. يجب إعطاء الأولوية للممثلين الشرعيين للأكراد السوريين لبناء سوريا شاملة وديمقراطية.
هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه من شراكة بناءة حول العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا عندما تدرك الإدارة الأمريكية خطورة قضايا حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب ومنظمة غولن الإرهابية على الأمن القومي التركي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس