رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
لم تكن نتائج انتخابات 24 حزيران/مفاجئة بالنسبة لي، لأنني ذكرت مسبقاً أن مشاركة مرشّح الحزب الجيد "أكشنار" في الانتخابات لن يُظهر أي تأثير ملموس وبالتالي سيبقى السباق الأقوى بين أردوغان وإينجه، وكذلك ذكرتُ أن إينجه يبذل الجهد من أجل الوصول إلى منصب رئاسة حزب الشعب الجمهوري وليس رئاسة تركيا.
لم يكن هناك أي مشكلة ملموسة لتعيق فوز أردوغان، لأن الأخير لا يعاني من مشاكل في اللباقة والمسؤولية المهنيّة التي تُعتبر الشّرط الأول الذي يجب توفّره في المرشّح ليصل للفوز خلال الانتخابات، والدليل على توفّر هذا الشرط لدى أردوغان هي الخدمات التي قدّمها الأخير للمجتمع التركي منذ 24 سنةً إلى الآن، أي منذ أن كان رئيساً لبلدية إسطنبول إلى أن أصبح رئيساً لتركيا بأكملها، وبذلك أثبت لباقته وشعوره بالمسؤولية المهنيّة للجميع.
أمّا الشرط الثاني للفوز فهو بذل الجهد والطاقة، وقد أثبت أردوغان للشعب التركي مبادراته في هذا الإطار أيضاً، إذ ألقى أردوغان سبعة خطابات في سبعة ولايات مختلفة خلال يوم واحد، ولم يُظهر الرخاء ويُوهم نفسه بأنه سيفوز في جميع الأحوال، وإضافةً إلى هذه المعايير كان الرئيس أردوغان يمتلك ورقةً رابحة أخرى يفتقدها باقي المرشّحين، وهي دعاء المسلمين من المغرب إلى اليمن ومن البوسنا إلى ماليزيا بالتوفيق لأردوغان وحزبه.
خلال انتخابات 2014 استطاع أردوغان الفوز بنسبة 51.79% أي بتصويت 21 مليون مواطن تركي له، وذلك على الرغم من تحالف 14 حزباً من المعارضة للوقوف في وجه تقدّمه، لكن خلال انتخابات 24 حزيران/يونيو 2018 لم يقتصر التحالف على المعارضة الدخلية فقط، إنما تم تعزيز محاولات المعارضة بدعم من القوى الإمبريالية أيضاً، ومع ذلك تمكّن أردوغان من الفوز بنسبة وصلت إلى 52.5% أي 26 مليون و68 ألف مواطن تركي، أي أن عدد المواطنين الداعمين لأردوغان ازداد 5 مليون منذ ثلاث سنوات إلى الآن، وانطلاقاً من هذه الزيادة الواضحة يمكن القول إن أردوغان حصل على دعم الناخبين الشباب أيضاً.
ومن جهة أخرى أظهرت نتائج الانتخابات أن نسبة دعم الناخبين لإينجه كانت أكبر من دعمهم لحزب الشعب الجمهوري، وأعتقد أن إينجه يستحقّ هذا الدعم لأنه لم ينتقل من البروقراطية إلى السياسة كما هو الحال بالنسبة إلى كليجدار أوغلو، وأمضى معظم حياته ضمن إطار السياسة ولذلك كان مُدركاً لتفاصيلها، وأظهر ذلك للجميع من خلال رفع نسبة أصوات حزب الشعب الجمهوري بمقدار 8%، أما بقاء حزب الشعب الجمهوري في حد الـ 22% فالسبب في ذلك يعود لإدارة كليجدار أوغلو وسياساته الخاطئة، لكن الأمر الأكثر غرابة خلال الانتخابات الحالية هو دعم إدارة كليجدار أوغلو لحزب الشعوب الديمقراطي من أجل تخطّي الحد الأدنى للانتخابات.
وصل حزب الشعوب الديمقراطي لنسبة 11% أي 5 مليون و772 ألف من أصوات الناخبين، في حين حصل دميرطاش على دعم 4 مليون و174 ألف من الأصوات، ما المعنى الذي يشير إليه هذا الواقع؟ يشير إلى أن ناخبي حزب الشعب الجمهوري في الغرب التركي قد صوّتوا لإينجه في الانتخابات الرئاسية ولحزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات مجلس النوّاب من أجل تخطّي الحد الأدنى للانتخابات، وهذا هو السبب في حصول أردوغان وإينجه على أصوات أكثر من الموجّهة لأحزابهم من جهة، وحصول دميرطاش على أصوات أقل من حزبه من جهة أخرى.
أعتقد أن حزب الشعب الجمهوري قد فتح المجال أمام حزب الشعوب الديمقراطي الذي يُمثّل الامتداد السياسي لتنظيم بي كي كي الإرهابي للدخول في مجلس النوّاب، وأتوقّع صدور بيان يوضّح هذه المسألة خلال أول اجتماع سيعقده حزب الشعب الجمهوري قريباً.
تمكّن اتفاق الجمهور المكوّن من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تحقيق الأغلبية العظمى في مجلس النوّاب، لكن هذا الأمر لن يدفع حزب الشعب الجمهوري لغض النظر عن عدم وصول حزب العدالة والتنمية للأغلبية في هذه الانتخابات، لأننا من خلال إعادة النظر في نتائج الانتخابات نلاحظ وجود فرق 10% بين أردوغان وحزبه، وبناء على نتائج انتخابات 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 نلاحظ وجود هبوط واضح في نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية على الرغم من زيادة عدد الناخبين المصوّتين لأردوغان.
خلال انتخابات 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 كانت نسبة جميع الناخبين 56 مليون مواطن، وحصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 49% أي 23 مليون و673 ألف صوت من بين هؤلاء الناخبين، لكن في انتخابات 24 حزيران/يونيو 2018 وصلت نسبة جميع الناخبين لـ 59 مليون و354 ألف، وعلى الرغم من هذه الزيادة الملموسة حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 42.5% أي 21 مليون و99 ألف صوت، وبذلك نرى وجود هبوط في عدد ناخبي حزب العدالة والتنمية ونسبتها المئوية أيضاً.
هذا الهبوط لن يؤثر على أداء الحكومة بشكل سلبي نظراً إلى انتقال الحكومة التركية لنظام الحكم الرئاسي، أي إن تركيا ستستمر في التقدّم تحت ظل قيادة الرئيس أردوغان، لكن مع الاقتراب نحو انتخابات مارس/آذار 2019 أعتقد أن أردوغان لن يتجاهل هذه المسألة التي تتعلّق بمستقبل حزبه، وسيُدرجها للنقاش ضمن جدول الأعمال في أقرب فرصة، وهذا هو فيالسبب في تصريحه بعبارة "أدركنا معنى الرسالة التي أوصلها الشعب التركي لحزب العدالة والتنمية" خلال خطاب الشّرفة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس