رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
لقد حُكم على الراهب الأمريكي برونسون بالسجن لمدّة 3 سنوات وشهر واحد نتيجة تغيير الشهود لشهاداتهم، ونظراً إلى المدة التي تم اعتقاله خلالها أُطلق سراحه في وقت لاحق، وفي الواقع كان تحويل حالة اعتقال برونسون إلى سجن المنزل تمهيداً لإطلاق سراحه، ولكن أدت تهديدات الرئيس الأمريكي ترمب ونائبه إلى تأخير إجراءات إطلاق السراح، لأن القضاء التركي مهما كان مستقلاً إلا أن دوائر الدولة تكون موحّدة بقضائها وقوانينها وإجراءاتها.
إن إطلاق سراح الراهب برونسون على الرغم من تهديدات ترمب ونائبه يعني خضوع تركيا لهذه التهديدات، وذلك بدوره سيضر استقلال وكرامة تركيا، وكان اتخاذ قرار إطلاق سراح الراهب في ظل التهديدات الخارجية سيحوّل السلطة التركية إلى دمية في يد أمريكا، وقد أظهرت تركيا أنها لا تكترث لتهديدات أمريكا وأنها دولة مستقلة من خلال ترك قضية برونسون لتسير في مجراها الطبيعي بناء على القرار القضائي المُتخذ في هذا الصدد.
أثبتت تركيا أنها تستمد قوتها من شعبها وليس من أمريكا، وكان موقف تركيا بمثابة رد ذي معنى كبير على موقف ترمب ومساعده البعيد عن مفهوم الحقوق والقوانين، وبذلك لم يستطع ترمب أن يقول لتركيا: "لا يمكنكم البقاء في السلطة لأكثر من أسبوعين بدون دعم أمريكا" كما فعلها مع الغير، والخلاصة هي أن تركيا لم تستسلم أمام التهديدات والضغوطات الخارجية.
وقد اعترف الإعلام الأمريكي بالواقع المذكور من خلال تصريحاته منذ الساعات الأولى لبداية المسألة، وقد أثبتت محاكمة الراهب بالسجن لمدّة 3 سنوات وشهر واحد أن برونسون مُذنب وليس بريئاً كما يزعم ترمب، ولكن نظراً إلى المدة التي أمضاها برونسون في السجن حكم القضاء التركي بإطلاق سراحه لأنه أوفى مدة السجن المحكوم بها عليه، أي إن القرار صدر عن القضاء التركي، وبالتالي نرى أنه تم معاقبة برنسون وإطلاق سراحه لاحقاً، وقد صرحّت قناة "فوكس نيوز" عبر بث مباشر من أمام مبنى المحكمة بهذه العبارات: "لقد حكم القضاء التركي على الراهب برونسون بالسجن بتهمة الإرهاب، ولكن تم إطلاق سراحه"، أي إن قناة فوكس نيوز لم تتمكّن من قول: "لقد تراجعت تركيا عن قرارها".
لقد جرت بعض مراحل قضية الراهب أمام أعين الجميع، ولكن هناك بعض النواح التي لم تنعكس على الرأي العام، على سبيل المثال صرّح السيناتور الأمريكي غراهام عقب البحوث التي أجرتها بلاده في خصوص تنظيم الكيان الموازي بضرورة البحث عن طريقة لإعادة العلاقات التركية-الأمريكية إلى مجراها الطبيعي، وعند أخذ تصريح غراهام بعين الاعتبار لا يمكننا القول إنه لا توجد مفاوضات سريّة خلف الأبواب المغلقة.
لقد وقعت حادثة مشابهة لقضية الراهب برونسون بين تركيا وألمانيا أيضاً، إذ تم اعتقال المواطنة الألمانية والصحفية "دينيز يوجيل" بتهم مشابهة للتهم الموجّهة لبرونسون، وقد تم إطلاق سراحها لاحقاً بناء على قرار مشابه للقرار المتعلّق ببرونسون أيضاً، وعقب ذلك تراجعت السلطات الألمانية عن الاتهامات التي كانت توجهها لأئمة الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية وألغت بعض الفعاليات التي كانت تجريها العناصر المؤيدة لبي كي كي ضد تركيا، ولا ندري إن كان هناك بعض المفاوضات الأخرى بين تركيا وألمانيا، ولكن إن وقوع مثل هذه الأحداث بين دولتين ليس غريباً ومفاجئاً على الإطلاق.
في الوقت الراهن لا أعرف إذا كانت الدولتان التركية-الأمريكية قد أجرت بعض المفاوضات في خصوص قضية الراهب خلف الكواليس المغلقة، ولكن إذا كان هناك مفاوضات سرية في الصدد ذاته فلن يكون الأمر مفاجئاً أيضاً، وأود القول إنني أتساءل عن الخطوات التي ستتخذها أمريكا بعد الآن، هل ستكون متعلّقة بتنظيم الكيان الموازي أم بقضية هالك بنك أم بمسألة حزب الاتحاد الديمقراطي؟ سنتتظر ونرى، لكنني أعتقد بضرورة وجود مقابل لإطلاق سراح الراهب الأمريكي برونسون.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس