حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
ازداد التوتر في العلاقات التركية-الأمريكية مؤخراً، وجاءت تصريحات صارمة من كلا الطرفين، لكن وردتنا أخبار جديدة حول إعادة المباحثات الدبلوماسية في الصدد ذاته، وسيكون ذلك من خلال اجتماع هيئة تركيّة بهيئة أمريكية بهدف تصحيح مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، وإيجاد حلول مشتركة لبعض المسائل الهامّة وعلى رأسها قضية الراهب برونسون.
هناك نقطة هامّة أعدت تكرارها لمرات عديدة منذ بداية الأزمة، وهي أن المسألة كانت وليدة محاولات ترمب للتأثير على السياسة الداخلية لبلاده، بتعبير آخر حاول ترمب تحقيق انتصار خارجي ضد تركيا من أجل ضمان استمرار دعم الإنجيليين له في الداخل الأمريكي.
يمكن لأطراف الأزمة معالجة المسألة المذكورة على المستوى التقني، ولاحقاً تجتمع الأطراف السياسية في إطار مباحثات ومفاوضات متبادلة ويتم الوصول إلى حل مشترك بين الحكومتين التركية-الأمريكية، أي إن المسألة ليست معقّدة لهذه الدرجة لولا تقلّبات أسعار الصرف، ومع ذلك ستجد أزمة الصرف النقدي حلاً مع مرور الوقت كما حدث خلال أزمة تأشيرة الدخول "الفيزا"، قد تستغرق المسألة بضعة أسابيع وحتى أشهر، لكن لا أتوقّع نشوب حرب جديدة بسبب قضية الراهب برونسون، لذلك لا تعطوا أهميّة كبيرة لمن يحاول زيادة زخم وتعقيد المسألة، لأن قضية الراهب ليست كافية لتكون عاملاً مؤثراً على مستقبل العلاقات التركية-الأمريكية، لكن يدرك الجميع أن المسألة لا تقتصر على قضية الراهب برونسون فقط، ولن تنتهي جميع المشاكل مع وصول قضية الراهب لحل مشترك.
إن الأزمة الناشئة بين تركيا وأمريكا ليست مشكلة على المدى القصير، إنما عبارة عن فترة غير محدودة، بل ويمكن القول إنها جموعة من شبيهات هذه الفترة، إذ تمر أمريكا بفترة أزمات مختلفة مع العديد من الدول الأخرى الحلفاء والأعداء منها، والسبب في ذلك هو أن واشنطن تستمر في الانزلاق نحو الهاوية في ظل قيادة ترمب، وفي هذا السياق إن الفترة المذكورة بين تركيا وأمريكا هي السبب الرئيس أيضاً في جميع المشاكل الثنائية بين الدولتين، وأبرز هذه المشاكل هي أزمة تأشيرة الدخول ومسألة "هالك بنك" وما يخصّ تنظيم الكيان الموازي وحزب الاتحاد الديمقراطي والقضايا المتعلقة بسوريا والعراق.
يجدر بالذكر أن هذه الأزمات لا تحرّض بعضها البعض، أي إنها ليست وليدةً أو نتيجةً لأزمات أخرى، لكنها تتفرّع عن أزمة كبيرة خفيّة مركزها في البنية التحتية لجميع الأزمات الظاهرة، وسبب الأزمة الكبيرة يختلف عن أسباب الأزمات الأخرى بشكل كامل.
السبب في الأزمة الرئيسة هو موقف أمريكا اللامبالي تجاه السياسة العالمية، وهذا الموقف بدوره يؤدي إلى نشأة أزمات جديدة في مجال السياسة الدولية، ويمكننا رؤية إحدى هذه الأزمات في إطار العلاقات التركية-الأمريكية في الوقت الراهن.
يبدو أن هذه الأزمة لن نتنهي ببساطة على الرغم من جميع المحاولات المشهودة، أو لنفترض أن تركيا اتّخذت موقفاً لطيفاً في هذا الصدد، وأن المسألة ستجد حلاً بالطريقة التي ترغب بها أمريكا، هل سيمنع ذلك حدوث مشاكل جديدة بين الدولتين؟ بالتأكيد لا.. لأن المواقف المشهودة خلال هذه المسألة لا تتعلّق بالمواقف الأخرى، إنما تكون المواقف وليدةّ للأزمة الرئيسة، ولذلك إن هذه الأحداث التي نصفها بالأزمات ستجد نهاية عاجلاً أم آجلاً، وستأتي أزمات جديدة مكانها، وستكون شبيهةً بسابقاتها لأنها تخرج من نفس المصدر.
في السياق ذاته يجب القول إن أي أزمة لا تحرّص أزمة جديدة ولا تكون سبباً لظهور أزمة أخرى في الأحوال العامة، وليس بالضرورة أن تسير الأمور في هذا المنوال، الأحداث لا تلد أحداثاً جديدة، بل يكون هناك سبب رئيس لجميع الأحداث، على سبيل المثال إن أزمة الراهب برونسون ليست وليدة لأزمة تأشيرة الدخول، كذلك أزمة "هالك بنك" لم تكن نتيجةً لفعاليات تنظيم الكيان الموازي لوحده.
في الواقع جميع الأحداث المذكورة كانت نتيجة سياسة اللامبالاة التي تنتهجها أمريكا في إطار السياسة العالمية، ولذلك هذه الأزمات لا ترتبط ببعضها البعض، إنما تنشأ منفصلةً عن بعضها ولكن على بنية تحتية واحدة، ولذلك لا تؤثر على بعضها البعض، ويمكننا رؤية ذلك من خلال المباحثات التركية-الأمريكية وتداول المسائل الهامّة واحدة تلو الأخرى بشكل منفصل لإيجاد حلول لها، لكن بسبب استمرار تأثير الأزمة الرئيسة نضطر لمواجهة أحداث جديدة في كل مرة، ولذلك ليس هناك داع للمبالغة في المسألة، لكن لا يمكن توقّع انتهاء الأزمة وزوال تأثيرها بسهولة أيضاً، لأن الأزمة الرئيسية ما زالت موجودة، وإن لم يتغيّر موقف أمريكا سنواجه مشاكل جديدة لاحقاً، وغالباً سيتم حل جميع المشاكل التي قد نواجهها بالمباحثات والمفاوضات المتبادلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس