ترك برس
قال الكاتب والإعلامي التركي سلجوق تورك يلماز إنَّ الأحداث التاريخية الكبرى التي مرت بها المنطقة الإسلامية، لاسيما في تسعينيات القرن الماضي، أحدثت تحولات عميقة في الفكر السياسي والثقافي للمجتمعات التركية والعربية.
وأكد تورك يلماز، في مقال بعنوان (السوريون يركضون نحو سجن "الباستيل" أولًا)، أنَّ قبل اندلاع حرب الخليج الأولى في 1991، كان العديد من المثقفين الأتراك يعتقدون أن الحرب لن تحدث، وكان مصطلح "لعبة الإمبريالية" هو السائد بين قطاعات واسعة من الرأي العام.
وأشار الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أنَّ الارتباك الذي كان يعم المجتمع التركي حول هذه المسألة كان يعكس طريقة تفكير تعتمد على التشكيك في النوايا الغربية، حيث كانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد شنتا حربًا شاملة، بينما كان البعض في تركيا يعتبرونها مجرد لعبة سياسية للإمبريالية الغربية.
وفي حديثه عن تلك الفترة، ذكر يلماز أنه خلال زيارة له إلى أحد المكتبات في إزمير، قبل أسبوعين من بداية الغزو العراقي للكويت، تحدث مع مجموعة من أصدقائه عن تراكم الأسلحة في الخليج الفارسي، متوقعًا أن الحرب ستندلع قريبًا. ورغم تأكيده على ذلك، ردّ عليه الأصدقاء بتكرار عبارة "لعبة الإمبريالية"، مؤكدين أنَّ الحرب ما هي إلا جزء من صراع دولي أكبر. ورغم اندلاع الحرب بعد ذلك، إلا أن يلماز قال إنه لم يرغب في الدخول في نقاش جديد مع أصدقائه حول هذا الموضوع بعد أن تبينت صحة تحليله.
كما تحدث يلماز عن التحولات التي شهدتها المنطقة بعد عام 1991، حيث وصف الهجمات التي تعرضت لها الدول الإسلامية المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط بأنها كانت أكثر ضراوة مقارنةً بالماضي. في الجزائر، أثارت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الحزب الذي كان يقوده الإسلاميون استجابة شعبية واسعة، فيما كانت البوسنة تشهد صراعًا مريرًا بزعامة علي عزت بيغوفيتش. وفي فلسطين، كانت حركة حماس تتصدر المشهد، مما جعل المنطقة الإسلامية بشكل عام في حالة من التحولات الجذرية.
وأوضح يلماز أنَّ تلك التحولات بدأت تظهر مع ظهور أيديولوجيات إسلامية جديدة، مما أسفر عن تبلور نمطين مختلفين في السياسات بين التيارات الإسلامية. وقال إنَّ هذه الفترة شهدت بداية تحول داخلي في الفكر الإسلامي، مشيرًا إلى أنَّ الحرب في العراق، والصراع في البوسنة، والتوترات في الجزائر وفلسطين، إضافة إلى الحروب في أفغانستان والشيشان، أدت إلى تطور الفكر الإسلامي وحركاته بشكل كبير. واعتبر أنَّ هذه الأحداث ساهمت في تحطيم النموذج التقليدي للإسلام السياسي الذي ساد في القرن العشرين، مما دفع إلى ظهور أفكار جديدة وغير تقليدية.
أما عن تركيا، فشدد يلماز على دور "تنظيم غولن" الإرهابي، الذي أعلن عن دعمه للولايات المتحدة وإسرائيل في فترة تسعينيات القرن الماضي. وأوضح أن هذا الموقف كان بداية لصراع داخلي في تركيا، حيث كان تنظيم غولن قد أصبح قويًا داخل الدولة، وبدأ في مراقبة وتحليل الأوضاع الاجتماعية والسياسية عن كثب.
وتابع يلماز قائلاً إنَّ هذا الصراع الفكري والاجتماعي، والذي كان يروج لمفاهيم "اللعبة الإمبريالية"، أدى إلى ظهور حالة من الركود الفكري، مشيرًا إلى أنَّ المسلمين كانوا بحاجة إلى تحمل المسؤولية أكثر من أي وقت مضى. كما أشار إلى أنَّ هذه الفترة شهدت بداية التحول نحو المحافظة داخل التيارات الإسلامية، ما نتج عنه تزايد الانقسامات الداخلية في تلك الحركات.
وفي حديثه عن انقلاب 15 يوليو 2016 في تركيا، أشار يلماز إلى أنَّ العديد من الذين اعتبروا حرب الخليج الأولى مجرد "لعبة" لم يستطيعوا رؤية حقيقة خطورة الأحداث التي مرت بها تركيا. وقال إنَّ تلك الفئة نفسها ترى أنَّ الصراع في سوريا هو أيضًا مجرد "لعبة" أخرى. ورغم ذلك، فإن الشعب السوري استطاع الصمود أمام تحديات كبيرة، بما في ذلك الهجمات العنيفة ضدهم من نظام الأسد وحلفائه.
وتابع يلماز بالحديث عن السوريين الذين نجحوا في النجاة من "براثن الموت" رغم التحديات الهائلة التي واجهوها، مشيرًا إلى أنَّ السوريين كان لهم دور كبير في كشف زيف النظام الاستعماري في المنطقة. وقال إنَّ الهياكل الاستعمارية بدأت تنهار تدريجيًا، لاسيما في سوريا، حيث كانت عائلة الأسد تشكل أحد أبرز أركان هذا النظام. واعتبر أنَّ الحرب السورية استمرت أكثر من ثلاث عشرة سنة، ودفعت الشعب السوري ثمنًا باهظًا جراء تحملهم المسؤولية.
وأخيرًا، أكد يلماز على أنَّ النظام الاستعماري الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الأولى بدأ يتداعى تدريجيًا، مشيرًا إلى أنَّ الكثير من الهياكل التي كانت تدعمه قد انهارت بالفعل. وقال إنَّ السوريين دفعوا ثمنًا فادحًا من أجل تحطيم هذا النظام، مؤكدًا أنَّ الثورة السورية، رغم التحديات، قد غيرت بالفعل الكثير من الأمور في المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!