د. علي محمد الصلّابي - خاص ترك برس
إنه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان بن جابر بن الحارث العبسي (رضي الله عنه)، صاحب سر رسول الله ﷺ ومن كبار أصحاب رسول الله ﷺ، ويكنى (رضي الله عنه) بأبي عبد الله. عندما ولد حذيفة بن اليمان. كانت الدعوة الإسلامية قد ظهرت في مكة على يد سيد البشرية محمد ﷺ، فلما سمع والد حذيفة بذلك وكان رجلاً معمراً قد أدرك الجاهلية، وعاصر بدء الدعوة الإسلامية. فكان قد أسلم عاشر عشرة من بني عبس قدموا على رسول الله ﷺ وأعلنوا إسلامهم. (تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص153)
وحاَلفَ أبوه بني عبد الأشهل من الأنصار، فلما جاءت غزوة بدر، فعن حذيفة (رضي الله عنه) قال: (ما منعني أن أشهدَ بدراً إلا أني خرجتُ أنا وأبي حُسَيْل، فأخذنا كفارُ قريشٍ، قالوا : إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريدُه، ما نريدُ إلا المدينة، فأخذوا منا عهدَ الله وميثاقَه لننصرفنَّ إلى المدينة ولا نُقاتل معه، فأتينا رسول الله ﷺ فأخبرناه الخبر، فقال: (انصرفا، نَفِي بعهدِهم، ونستعينُ اللهَ عليهم) [رواه مسلم في الصحيح رقم: 1787].
وشارك حذيفة (رضي الله عنه) وأبوه في غزوة أحد، وأثناء القتال، نظر حذيفة إلى أبيه، فرأى المسلمون يريدون قتله ظنًّا منهم أنه من المشركين، فناداهم حذيفة يريد أن ينبههم قائلاً: أي عباد الله! أبي، فلم يفهموا قوله حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وأراد النبي ﷺ أن يعطيه دية لأبيه، ولكن حذيفة (رضي الله عنه) تصدق بها على المسلمين. (سير أعلام النبلاء: ج2 ص362)
وذات يوم دخل حذيفة المسجد فوجد الرسول ﷺ يصلي، فوقف خلفه يصلي معه، فقرأ النبي ﷺ سورة الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة، وإذا مَرَّ النبي ﷺ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، فكان قيامُه قريبًا من ركوعِه ثمَّ سجد فجعل يقولُ سبحانَ ربِّي الأعلَى فكان سجودُه قريبًا من قيامِه) [أخرجه مسلم في صحيحه رقم 772].
وقد استأمنه الرسول ﷺ على سرِّه، وأعلمه أسماء المنافقين، فكان يعرفهم واحدًا واحدًا، وكان عمر (رضي الله عنه) ينظر إليه إذا مات أحد من المسلمين، فإذا وجده حاضرًا جنازته علم أن الميت ليس من المنافقين فيشهد الجنازة، وإن لم يجده شاهدًا الجنازة لم يشهدها هو الآخر. وقال علي (رضي الله عنه): كان أعلم الناس بالمنافقين، خَيَّرَه رسول الله ﷺ بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج1 ص334)
وكان حذيفة (رضي الله عنه) فارسًا شجاعًا، وحينما استشهد النعمان بن مقرن أمير جيش المسلمين في معركة نهاوند، تولى حذيفة (رضي الله عنه) القيادة، وأخذ الراية وتم للمسلمين النصر على أعدائهم، وشهد فتوح العراق وكان له فيها مواقف عظيمة.
وعرف حذيفة (رضي الله عنه) بالزهد، فقد أرسل إليه عمر مالاً ليقضي به حاجته، فقسم حذيفة (رضي الله عنه) هذا المال بين فقراء المسلمين وأقاربه، وأرسله عمر (رضي الله عنه) أميرًا على المدائن، وكتب لأهلها أن يسمعوا لحذيفة، ويطيعوا أمره، ويعطوه ما يسألهم، وخرج حذيفة (رضي الله عنه) متوجهًا إلى المدائن، وهو راكب حمارًا، وبيده قطعة من اللحم، فلما وصل إلى المدائن قال له أهلها: سلنا ما شئت. فقال حذيفة (رضي الله عنه): أسألكم طعامًا آكله، وعلف حماري ما دمت فيكم. وظل حذيفة (رضي الله عنه) على هذا الأمر، لا يأخذ من المال قليلاً ولا كثيرًا إلا ما كان من طعامه وعلف حماره. (ابن الجوزي، صف الصفوة، ص220)
وذات مرة غضب الناس من أحد الأمراء، فأقبل رجل إلى حذيفة (رضي الله عنه) في المسجد فقال له: يا صاحب رسول الله ﷺ ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فرفع حذيفة (رضي الله عنه) رأسه، وعرف ما يريد الرجل، ثم قال له: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن، وليس من السنة أن تشهر (ترفع) السلاح على أميرك.
وقد سئل: أي الفتنة أشد؟
فقال (رضي الله عنه): أن يعرض عليك الخير والشر، فلا تدري أيهما تركب. وقال (رضي الله عنه) لأصحابه: إياكم ومواقف الفتن..
فقيل له: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟
قال (رضي الله عنه): أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه. (ابراهيم العلي، أعلام المسلمين، ص245 -250)
وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)قابل: والله لوددت أن لي إنساناً يصلح في مالي، ثم أغلق عليّ باباً فلا يدخل عليَّ أحد، ولا أخرج إليهم حتى ألحق بالله. (الأصبهاني، حلية الأولياء، ج1 ص278)
وتوفي (رضي الله عنه) بعد قتل عثمان (رضي الله عنه) بأشهر يسيرة، سنة ست وثلاثين للهجرة. فلما شعر حذيفة رضي الله عنه بأن الموت يقترب كان جاذعًا ومستمراً في البكاء. وعندما سألوه عن سبب بكائه، كان يقول ما أبكي أسفًا على الدنيا بل الموت أحب إليَ، ولكني لا أدري على ما أُقدم، على رضا أم على سخط. (الصحابي حذيفة بن اليمان سيرته ودوره في الفتوحات الإسلامية، ص 12)
المراجع:
1- تهذيب الأسماء واللغات، الإمام محيي الدين النووي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط1.
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، أبو عمر بن عبد البر، دار الجيل، الطبعة الأولى، 1412ه.
3- سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين الذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥م،
4- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني، مطبعة السعادة – مصر، ١٣٩٤ هـ - ١٩٧٤م.
5- الصحابي حذيفة بن اليمان سيرته ودوره في الفتوحات الإسلامية، اصم إسماعيل كنعان وزكية حسن إبراهيم، مجلة الفتح، العدد الثالث والثلاثون.
6- أعلام المسلمين، حذيفة بن اليمان، ابراهيم العلي، (دار القلم - دمشق)، الطبعة الأولى ١٩٩٦.
7- صفة الصفوة، جمال الدين ابن الجوزية، تحقيق: الشيخ خالد طرطوسي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط1، 1433هـ - 2012م.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس