محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
في خضم معركته الانتخابية صرح الرئيس الأمريكي ترامب بأنه سينسحب من الاتفاق النووي مع إيران في حال فوزه بالرئاسة لأن ذلك الاتفاق المعيب يعتبر أفشل اتفاق على الإطلاق وحسب تصريحه السابق.
والآن وبعد مضي السنة الأولى من عهدته وفي الثامن من أيار/ مايو الماضي قرر الرئيس ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق المتعدد الأطراف مع إيران، وبذلك فقد بدأت التكهنات تتسارع حول القرارات التي ستتخذها إدارته الجديدة من ضغوطات ضد إيران لقبولها اتفاقا جديدا تبرمه أمريكا لوحدها أو باقي الأطراف الأخرى التي وقعت الاتفاق القديم.
من الجدير بالذكر أن الاتفاق السابق والذي أصر الرئيس أوباما على توقيعه على عجل تميز كغيره بالحصول على الكثير من الامتيازات الاقتصادية التي ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الأمريكي، ولباقي الدول الأوروبية لما له من مسوغات تسيل لها لعابهم.
ترامب التاجر لم يكن ليرضى بتقاسم الكعكة الإيرانية مع غيره من الدول الأوروبية وخصوصا أن أشواط النزالات الاقتصادية بين دول العالم بلغت القمة، وبذا يرى ترامب أن من المفروض أن تقدم الكعكة إليه بمفرده.
العقوبات الأمريكية التي فرضت في الأيام القليلة الماضية ضد إيران أظهرت بكل وضوح النظرة الأمريكية المتعالية على كل دول العالم وحتى مع حلفائها في حلف الناتو، فقد خيرت دول العالم بين التعامل مع إيران أو التعامل مع أمريكا، وحتما فإن الشركات الأوروبية والعالمية ستضطر للقبول بالتهديد الأمريكي وستنسحب من مواقع العمل الإيرانية.
يبدو ومن خلال القرارات الأحادية التي تتخذها إدارة الرئيس ترامب أن هناك تغييرا جوهريا في سلوك الاستراتيجية الأمريكية فقد كانت تهتم في السابق وتحاول إشراك حلفائها عند اتخاذ قرارات دولية ذات بعد استراتيجي، أما الآن فهي تفرض إرادتها دون الرجوع إلى حلفائها، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تقديم الحسابات الاقتصادية على الحسابات الاستراتيجية في مجمل القضايا التي تهم المصلحة الأمريكية تعكس خلفية الرئيس الأمريكي التجارية.
ولذا من غير المعلوم عن ما ذا يتمخض الاتفاق الأمريكي الإيراني في المستقبل جراء هذه السياسية الأحادية، لكن من المعلوم أنها ستؤدي إلى توقيع اتفاقية هيمنة تامة أمريكية على كل النشاطات التجارية والصناعية بكل صنوفها وستقوم أمريكا بلعب دور رب العمل فيها.
إيران تدرك تماما أن أمريكا لن تقوم بعملية عسكرية ضدها مهما تجاوزت تهديداتها وتدرك أيضا أنها تخشى من تصرفات إيرانية غير محسوب مدى تأثيرها على السوق العالمية وعلى السلم العالمي في ما إذا نفذت تهديداتها أو حتى هددت بغلق مضيق هرمز.
وتدرك إيران أيضا أن قرع الطبول الأمريكية هي عبارة عن مسرحية تحاول من خلالها أن تتحول إيران من شرطي الخليج وهو الدور الذي كان يتقنه الشاه بدقة في السابق حفاظا على المصالح الأمريكية والغربية إلى دور البعبع ضد دول الخليج والدول العربية لتستطيع من خلالها أمريكا فرض الكثير من الإتاوات والمزيد من الابتزازات.
إذن المشكلة الإيرانية قد حلت خارجيا في حال ارتدائها ثوب الفزاعة مع إظهار بعض تراجعاتها التأثيرية السياسية في الساحة العراقية تحديدا حيث لا مشكلة للساسة والزعماء العراقيين إطلاقا مع الإدارة الأمريكية.
وهنا لا ننسى تأثير اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة والتي تعتبر من اللوبيات المؤثرة جدا وربما قد لعبت دورا مهما في ترسيخ فكرة الإبقاء على النظام الحالي بل تمهيد النظام الإيراني لما بعد الاتفاق الأمريكي في المستقبل.
إن مبعث مخاوف إيران الحقيقية هي الاضطرابات الداخلية التي بدأت قبل فرض الحصار والتي سبقت العقوبات الأمريكية وتحاول جاهدة نقل تلك الأزمة وتصديرها بكل الوسائل خارج الحدود كما تحاول تصوير الأزمة لشعبها بالمؤامرة الخارجية على أساس أنها تستهدف وحدة الأراضي الإيرانية وفي هذه النقطة بالذات استطاعت قليلا الالتفاف حول الأزمة من خلال تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز في حال منعها من حقها الطبيعي في إنتاج وتسويق النفط الإيراني عصب الاقتصاد الإيراني، إضافة إلى الغاز.
وهناك مسألتان مهمتان يتحتم أن نتذكرهما. إحداهما هي دعوة الرئيس الأمريكي ترامب قبيل فرض العقوبات على الساسة الإيرانيين باللقاء غير المشروط على أمل حل كافة المعضلات من خلال التقيد ببعض الشروط الأمريكية وهذه الحركة المباغتة لم يفهم مغزاها بدقة وتعلل بعدة أسباب ومنها ربما تكون نتيجة وساطة قامت بها الصين على غرار وساطتها مع كوريا الشمالية أو ربما لدفع الكرة في الملعب الإيراني أو لتذكير الإيرانيين بالعلاقات السابقة بينهما وربما بضغط من اللوبي الإيراني، ومهما يكن السبب في ذلك فإنها تعني بالتاكيد أن أمريكا ليست في نيتها مهاجمة إيران على الإطلاق وهذا ما يؤكده معظم المحللين السياسين والمتابعين لشؤون الشرق الأوسط مع التأكيد أن الولايات المتحدة تحسب ألف حساب لأي عمل عسكري ضد إيران ونافين وجود أي خطة عسكرية لدى البنتاغون في ما يخص مهاجمة إيران، والأكثر من ذلك وصفوا كل التصعيد ضد إيران بالإعلامي لغرض الابتزاز وجني الأموال من غيرها من الدول، وفي ذلك إيحاءات مقصودة لاشتراك إيران مع الولايات المتحدة في تلك المسرحية.
المسألة الأخرى والمهيمنة على تحليلات معظم المتابعين للشأن الإيراني هي مدى قدرة إيران على تحمل العقوبات الاقتصادية المفبركة ضدها وهل هي مستعدة للعب دور استراتيجي في الساحة بهذه الكيفية بعد توقيع اتفاق جديد وما هو توقيت قبول إيران للشروط الأمريكية المتفق عليها قبل انهيار الاقتصاد الإيراني مع التأكيد على إعطاء العذر المقبول داخليا وخارجيا للنظام للقفز في أحضان العم سام وخصوصا في حال عجز أوروبا وروسيا والصين عن التصدي للعقوبات الأمريكية ضدها. وإعادة مجد العلاقات الإيرانية معها، حينها ستتحكم الولايات المتحدة وتهيمن على المنطقة برمتها، قالوا سابقا فرق تسد والآن في عهد ترامب (فرق تسد وتغنى).
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس