هشام منور - خاص ترك برس
مطلع عام 2017، تأسس مسار أستانة (عاصمة كازاخستان) بين روسيا وتركيا وإيران، ليشكل منعطفاً جديداً في سياق الملف السوري، ويخطف الأنظار على المستوى العسكري، بداية، ومن ثم السياسي، من بقية الاجتماعات والمسارات الأخرى، ولا سيما جنيف المدعوم من الأمم المتحدة.
شكلت قمة طهران الثلاثية، التي انعقدت في 7 سبتمبر/ أيلول 2018، المحطة الأكثر "حرجًا" وربما إحراجاً للحلفاء الثلاثة أو المتعاونين الجدد لإيجاد حل نهائي للملف السوري، وكان الخلاف الواضح، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهة، ونظيريه الإيراني والروسي من جهة أخرى، حول مصير محافظة إدلب، وما إذا كانت روسيا وإيران ستسمحان وتدعمان خطط نظام الأسد لإطلاق هجوم عسكري شامل على المحافظة المكتظة بالسكان ومقاتلي المعارضة، أبرز تحد يمكن أن يواجه الدول الثلاث.
على عكس الحال في طهران وموسكو، لا تواجه سياسة أنقرة السورية ضغطًا من الرأي العام التركي، إذ ينظر عموم الأتراك إلى أن حكومتهم حققت نجاحًا كبيرًا في عمليتي درع الفرات وعفرين، وأن العمليتين جلبتا قدرًا ملموسًا من الأمن بعد إبعاد مسلحي داعش وميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي عن الحدود التركية غرب الفرات. وتنظر أنقرة إلى أن الأزمة السورية ليست في طريقها إلى حل نهائي وشيك، وأن مصالحها الأمنية القومية تتطلب بقاء القوات التركية في الشريط غرب الفرات لأطول فترة ممكنة. فإن سقطت إدلب في يد النظام، سيفقد الوجود العسكري التركي في منطقتي درع الفرات وعفرين عمقه، وسيصبح أكثر هشاشة، وعرضة للضغوط العسكرية والسياسية المناهضة.
من ناحية أخرى، تنظر تركيا إلى إدلب من زاوية التوافق الذي أُنجز في مسار آستانا مع روسيا وإيران بخصوص خفض التصعيد في مناطق الاشتباك بين النظام وجماعات المعارضة المسلحة. والحقيقة، أن لا النظام، ولا الروس والإيرانيون، التزموا باتفاق خفض التصعيد في مناطق ريف دمشق ودرعا، التي سيطر عليها النظام بالقوة المسلحة، بدعم مباشر من الإيرانيين والروس، ورغم اعتراض تركيا في أكثر من مناسبة على خرق اتفاق خفض التصعيد، إلا أنها لم تكن تستطيع الكثير لمنع تلك الاختراقات، سيما أنها لم تكن الطرف الكفيل لخفض التصعيد في ريف دمشق ودرعا، ولم يكن لها وجود عسكري في المنطقتين.
أما إدلب، فهي شأن مختلف، فتركيا هي بالفعل الضامن لخفض التصعيد في المحافظة، ونقاط المراقبة العسكرية التركية تنتشر على حدود المحافظة المواجهة لمواقع وقوات النظام السوري. ويعتقد أن الرئيس التركي أبلغ قيادة جيشه، قبل أسابيع قليلة من انعقاد قمة طهران الثلاثية، ألا تسمح بتقدم قوات نظام الأسد إلى إدلب، ووافق على أن يقوم الجيش التركي بتعزيز قواته الموجودة في المحافظة. في الوقت نفسه، عملت تركيا على توحيد كافة مسلحي المعارضة في إدلب، ما عدا مقاتلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)، تحت قيادة واحدة باسم الجبهة الوطنية للتحرير. كما طلبت أنقرة من هيئة تحرير الشام حل نفسها والاندماج في الجبهة الوطنية، ولكن الهيئة رفضت، وهو ما دفع مسؤولين أتراكًا إلى تشجيع عدة آلاف من مقاتلي الهيئة على الانشقاق والانضواء في صفوف الجبهة.
جاء اتفاق سوتشي وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في الشمال السوري ليكشف عن الطرف المعرقل لإنجاز أي اتفاق حول إدلب بعد أيام قليلة من اجتماع طهران، ووضح أن طهران لا موسكو هي من كانت ترفض أي وقف للعملية العسكرية، بدليل توقيع اتفاق سوتشي بين الروس والأتراك بعد ذلك، بمعزل عنهم.
يمثل الخلاف على إدلب محطة فارقة في علاقات دول مسار آستانا الثلاث، ليس لأنه أول انتهاك لاتفاق خفض التصعيد، ولكن لأنه يستهدف تركيا وأمنها بصورة مباشرة. يشعر صنَّاع القرار في أنقرة الآن بأن عليهم التأكيد على أن تركيا لن تسكت عن أي تهديد يستهدف أمنها القومي، وأن الأزمة السورية لا يمكن أن تُحل دون أخذ مصالحها في الاعتبار.
يشكِّل الموقف التركي مانعًا صلبًا أمام أية محاولة من قبل النظام وحلفائه الإيرانيين لإطلاق هجوم عسكري شامل للسيطرة على إدلب. وكما أن موسكو حريصة على تجنب أي تعثر في العلاقات الروسية-التركية، التي تحسنت بصورة ملموسة في العامين الماضيين، فهي حريصة على أن تجلب تركيا إلى الملف السوري، حلفاءها الأوربيين كألمانيا وفرنسا، لتشكيل آلية جديدة من الدول الأربع (تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا) يكون تقرير شكل الحل النهائي في سوريا عبرها، بعد أن ابتعدت واشنطن عن هذا الملف، وأبعدت طهران عنه بتوافق روسي تركي، وباتت منشغلة بمشاكلها الداخلية وملف العقوبات الأمريكية عليها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس