د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
هل من الضروري العودة إلى الأرشيف واستعراض ما قالته القيادات السياسية التركية في العامين الأخيرين حول مجموعات قوات سوريا الديمقراطية "قسد" و"وحدات حماية الشعب الكردية" ودورها ومشروعها في سوريا؟ وهل هناك من لا يعرف ما الذي قالته أنقرة في موضوع التهديدات والمخاطر التي تحيط بحدودها الجنوبية ومخطط هذه الوحدات لناحية إنشاء كيان مستقل يقتطع من الأراضي السورية ويكون مقدمة لمشروع انفصالي كردي أوسع بطابع إقليمي؟ وهل هناك من نَسي الرسائل التركية الموجهة إلى واشنطن مباشرة بتحميلها مسؤولية دعم خطوة من هذا النوع عبر لعب ورقة التنظيمات الإرهابية وتبرير ذلك بحاجتها إلى هذه المجموعات في شمال وشرق سوريا لمحاربة داعش؟
كانت أنقرة تطالب واشنطن بالاختيار بينها وبين مجموعات "قسد" وتذكرها ألا فرصة للقيام بمقارنة من هذا النوع أصلا لذلك على الإدارة الأميركية أن تحسم موقفها سريعا وتتراجع عن قرار حماية هذه المجموعات. وقالت القيادات السياسية التركية عشرات المرات أنها لن تتردد في معركة منبج وشرق الفرات للقضاء على سيناريو أميركي يقود نحو تفتيت سوريا ويعرض الأمن القومي التركي للخطر. فأين نحن اليوم؟
آخر ما بين أيدينا من معلومات تتناقلها وسائل الإعلام تقول إن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أعلن أن الجيش الأميركي سيقيم نقاط مراقبة على الحدود الشمالية لسوريا، وأن هذا القرار اتخذ بالتعاون الوثيق مع تركيا، وأن المواقع ستكون ظاهرة بوضوح ليلا ونهارا ليعرف الأتراك أين هي بالضبط، وللحد من التوتر بين قوات الجيش التركي ومجموعات "قسد" حلفاء التحالف الدولي، ولدعم المقاتلين الذين يحاربون تنظيم داعش، والتأكد من أن قوات سوريا الديموقراطية "لن تنسحب من المعركة".
لا نعرف الكثير من التفاصيل بعد حول عدد نقاط المراقبة وأماكن انتشارها لكن ما سمعناه من وزير الدفاع الأميركي هو أن خدمة كبيرة ستقدم للأتراك هنا "ننشئ مواقع المراقبة لأننا نريد أن نكون الطرف الذي ينبه الأتراك ويحذرهم إذا رأينا شيئا قادما من خارج إحدى مناطق عملياتنا" و"تركيا شريك مهم في حلف شمال الأطلسي وهم لديهم مخاوف مشروعة حيال التهديد الإرهابي النابع من سوريا التي يحكمها نظام بشار الأسد".
الإعلام والقيادات السياسية التركية لم تضع هذه المادة بين أولوياتها فهناك ملفات داخلية وإقليمية أهم على ما يبدو. وحده وزير الخارجية مولود شاووش أوغلو هو الذي عقّب على الموضوع "إذا كنتم قد وضعتموهم تحت رقابتكم فلماذا ما زالوا يطلقون النار باتجاه الأراضي التركية؟"، ويتابع "سنقوم بما ينبغي فعله دون تردد وسبق وفعلنا ذلك في عفرين". لكن شاووش أوغلو يعرف جيدا أن الجنود الأميركيين لم يكونوا في معركة عفرين وأن شرق الفرات يختلف تماما عن غربه.
لماذا تقبل تركيا بأبراج أميركية وهي تعلن منذ أسابيع أن أعمال بناء الجدار الإسمنتي، على الحدود التركية السورية، والذي يبلغ طوله 711 كيلومترا قاربت على الانتهاء. وأن هدف الجدار هو منع تسلل الإرهابيين من الجانب السوري إلى أراضيها؟
واشنطن تقول إنها تريد حماية مصالح الطرفين. من الذي لا يعرف أن:
تشييد أبراج مراقبة شمال سوريا، لحماية حلفائها في وحدات الحماية الكردية من أي هجمات محتملة للجيش التركي.
وأن حقيقة المشروع الأميركي هو البقاء في سوريا ريثما تكتمل عملية التفاهمات الكبرى وأن الحرب على داعش التي لا يجوز لها أن تنتهي هي بين الذرائع التي تحتاجها واشنطن.
وأن الهدف هو فرض معادلة أمنية ميدانية جديدة في مناطق شمال شرق سوريا تقطع الطريق على أية عملية عسكرية تركية طالما أن القوات الأميركية ستتحول إلى قوات حماية وفصل بين مجموعات "قسد" والجيش التركي.
ومواجهة احتمالات تزايد عدد المطالبين من العشائر العربية في شرق الفرات بإخراج "قسد" من مناطقهم واستعدادهم لمقاتلة فلول داعش المتبقية هناك وتسليم المناطق إلى سكانها الأصليين بعيدا عن مشاريع الشرذمة والتفتيت، وأن ما تسعى إليه الإدارة الأميركية في نهاية المطاف هو تكرار حالة شمال العراق التي بدأتها في مطلع التسعينيات بشكل تدريجي سياسي ودستوري أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم، وبالتالي نقل هذه التجربة إلى شمال سوريا رغم كل القرارات الدولية والأممية والتفاهمات الإقليمية التي تتمسك بوحدة سوريا وأراضيها.
من سيحمي من؟
هل تحتاج تركيا إلى نقاط مراقبة أميركية من هذا النوع تحميها من التنظيمات التي هي تحت الحماية الأميركية وتقول أنقرة إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني؟ أم أن هدف التحرك الأميركي هذا هو حماية هذه المجموعات من خطر القوات المسلحة التركية؟
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في نهاية شهر أيلول المنصرم إن "الولايات المتحدة لم تُوفِ بوعودها ولم تنفذ خارطة الطريق المتفَق عليها حول منبج وأن أميركا تحاول تعزيز تواجدها العسكري في شمال سوريا بالتعاون مع مجموعات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الإرهابي "فهل حقا أن أنقرة ستقبل بأبراج واشنطن العاجية لتحميها من هجمات هذه المجموعات؟
كانت الوعود الأميركية المقدمة لتركيا منذ تشرين الأول 2014 ومعركة كوباني / عين العرب تقول إنها تقدم الدعم العسكري واللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش والقضاء عليه في سوريا، وإنها ستسترد هذه الأسلحة بعد انتهاء المهمة.
المهمة لم تكتمل لأن واشنطن لا تريد ذلك ولأن الأهداف الحقيقية لواشنطن هي غير المعلن حتى اليوم. هل هناك حاجة فعلا لأبراج مراقبة حدودية في منطقة لم تعد مجموعات داعش موجودة فيها أساسا؟
واشنطن رددت أكثر من مرة أنها وسعت رقعة نفوذها وسياساتها في سوريا، وتشييد الأبراج هو إذا مقدمة لتموضع أميركي طويل الأمد بين أسبابه ما أُعلن أميركياً حول قطع الطريق على تمدد إيراني من الأراضي العراقية باتجاه سوريا والوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، ثم موازنة النفوذ الروسي في سوريا والذي بات ينسق بشكل متزايد مع تركيا. دون التوقف مطولا عند التحرك الأميركي الأخير في مناطق الحدود السورية الأردنية ومحاولة لعب أوراق العشائر العربية السنية هناك. رسائل الأبراج الأميركية الأخيرة هي إيرانية روسية وتركية في الوقت نفسه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس