ترك برس
وجّه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رسائل لافتة إلى العالم الإسلامي خلال كلمته الأربعاء في الاجتماع الوزاري للدورة الرابعة والثلاثين للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي (الكومسيك)، والذي احتضنته مدينة إسطنبول التركية.
وحسب ما نشرته الرئاسة التركية عبر موقعها الإلكتورني، بدأ أردوغان كلمته بإرسال السلام إلى المدن المتآخية مع إسطنبول بدءًا من مكة إلى المدينة ومن سراييفو إلى إسلام أباد ومن القاهرة إلى كابل وخصّ بالذكر فلسطين ومدينة القدس الشريف. وأكد أن فلسطين ستبقى على الوجود طالما كان هناك مسلمون يدافعون عن الحق والعدل والحرية.
واستطرد بالقول: "بمشيئة الله تعالى لن تتمكن أي ضغوطات ولا أي ظلم من إطفاء نار الحرية المشتعلة في قلوب الفلسطينيين. ولن يحقق المحتلون أهدافهم بتاتًا طالما تمسك الفلسطينيون الشجعان المحبون للتضحية، بقضيتهم".
وأشار الرئيس إلى تزامن الاجتماع مع الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى. لافتًا إلى أن تداعياتها ستزال مستمرة حتى لو مر على انتهائها قرن من الزمان.
أوضح الرئيس أردوغان أن هذه المنطقة الجغرافية كانت أولى المواقع التي عاشت ظلم واضطهاد الحروب وتبعاتها المدمرة. وأنه لن يكون حل المشاكل المرتبطة مباشرة بنتائج الحرب العالمية الأولى ممكنًا ما لم يتم تحديد المصدر الحقيقي لتلك المشاكل.
وتابع: "علينا أن نحوّل الذكرى المئوية لانتهاء الحرب الكبرى إلى فرصة للفهم والإدراك بدلًا من اقتصارها على حفلات لإحياء تلك الذكرى. لا بد لنا كمسلمين وكأمم عاشت مترابطة في هذه البقعة لآلاف السنين أن نقوم بذلك".
وأكد أن على المسلمين أن يحللوا كل المواقف التي حدثت في الماضي بحلوها ومرها وأخذها بعين الاعتبار. مضيفًا: "إن التاريخ لا يكشف عن خباياه إلّا لذهنٍ صافٍ ومن خلال جهود مخلصة. ولن تسمح لنا دراسة التاريخ من منظور ضيق بفهمه. بل ستعزز الأحكام المسبقة الراسخة في الأذهان.
كما أن التعامل مع تاريخنا من منظور شرقي بحت سيدعم جهود الذين يتغذون على اشتعال النزاعات بين المسلمين. إن من الأهمية أن نتناول هذه المسألة بعد أن نحرر أنفسنا من القيود التي فرضتها علينا القوالب النمطية والأفكار المسبقة".
وأضاف: "رغم انتهاء الحرب العالمية الأولى قبل 100 عام إلّا أن الدمار الذي خلفته في منطقتنا لم يتم التخلص منه حتى اليوم. فما زلنا كمسلمين نواجه الصعوبات التي فرضتها هذه الحرب في المجالات الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وتابع: "ن الإمبرياليين الذين جلبوا الحروب إلى الشرق الأوسط وإفريقيا يواصلون اليوم العيش بسلام وازدهار. أما نحن فما زلنا ندفع ثمن تلك الصراعات والاضطرابات بعد مرور قرن من الزمن. وفي الوقت الذي يحرص أولئك الذين مزقونا إربًا إربًا على إقامة شراكات وعلاقات تعاون، تستمر خلافاتنا لتتسع الفجوة أكثر فأكثر بيننا.
أقولها بكل وضوح: إن الأزمات العديدة والدماء المسكوبة والدموع التي تذرف في الكثير من البلدان بدءًا من سوريا إلى العراق ومن اليمن إلى فلسطين تقف خلفها الخطط المدبرة لإنشاء الحرب الكبرى. وكان الفلسطينيون هم العدد الأكبر لضحايا هذه الخطط الخبيثة التي رسمت في العواصم الغربية ونفذت بأيدي شخصيات مظلمة مثل لورانس العرب. ولم يخسر إخواننا الفلسطينيون أرضهم فقط، بل تعرضوا أيضًا لأبشع أنواع الظلم في العالم".
أردوغان أن اتباع سياسات تتعارض مع الديناميّات التاريخية والاجتماعية والإنسانية للمنطقة لم يجلب الدمار والفتنة لفلسطين فقط، بل لكافة المنطقة. مستطردًا بالقول: "لقد قامت الدول الغربية من خلال الحرب العالمية الأولى بتصدير أمراضها التي كانت تنخر في جذورها منذ قرون إلى الشرق الأوسط. وتقاسمت هذه الدول الأمن والرفاهية بينما كانت الاشتباكات والصراعات من نصيب الطرف الآخر".
وأضاف: "في الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى يجب علينا أن نستخلص العبر والدروس من التاريخ. علينا أن نستلهم من الماضي حتى نتمكن من بناء مستقبل مشرق. يجب ألّا نقع بعد اليوم في الفخ الذي ينصبه أصحاب منطق ‘قطرة نفط أغلى من قطرة دم’ يجب علينا ألّا نضع جدرانًا وحدودًا جديدة بين أفئدتنا في المنطقة الجغرافية التي رسمت حدودها بالدماء. علينا ألّا نصبح فريسة لأولئك الذين يحاولون زرع الفتنة والبغضاء بيننا من خلال إبراز خلافاتنا.
إن الطائفية والتفرقة العنصرية التي أسرت المجتمعات الغربية لسنوات وتسببت في العديد من المجازر والدمار في أوروبا هي من أهم الأمراض التي وصلت لمنطقتنا عبر الحرب العالمية الأولى. بدون شك إن التعصب الطائفي هو أحد أسوأ المشاكل المستفحلة في يومنا المعاصر. إذ يعمل على تقويض المجتمعات الإسلامية من الداخل ويجعلها عرضة للتأثيرات الخارجية. إن الفتنة التي تضع المصالح الشخصية قبل الدين بل وتجعل من رأي الشخص وطائفته دينًا له، ليس لها أي مكان في الإسلام".
وقال الرئيس: "ليس لأحد الحق أو السلطة في تضييق حدود الأخوّة الإسلامية التي رسمها لنا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ففي قلب المؤمن مكان لا يتسع فقط لـ 1.7 مليار من الأمة الإسلامية بل للإنسانية جمعاء وهذا ما يجب أن يكون".
أكد أيضًا أن الدول الإسلامية هي المعنية بحل الأزمة السورية وليس الآخرين. مضيفًا: "علينا أن نأخذ زمام المبادرة وننهي الصراعات التي أوصلت آلاف الأطفال إلى المجاعة والموت في اليمن. ويجب أن نكون نحن أول من يدين الهجمات الغاشمة على المصلين في مسجد بأفغانستان. كما ينبغي علينا أن نكون أول من يعارض قتل الأبرياء في العديد من الدول بدءًا من برلين إلى باريس ومن بلجيكا إلى موسكو مهما كانت هوية الإرهابي.
ولا بد أن نكون أول من يعمل على حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في لبنان والأردن، الذين نزحوا عن وطنهم منذ سبعين عامًا. ويجب علينا أن نكون أول من يقف في طريق قطّاع الطرق وإرهابيي الدولة الذين يقتلون الفلسطينيين الأبرياء أمام أعين العالم. إضافة لذلك لا بد أن نكون أول من يقف في طريق المحتلين الذين يحاولون حجب قضية القدس، عبر تشجيع مواطنينا على زيارة المدينة المقدسة.
كما أننا يجب أن نكون أول من يرفع صوته ضد الذين يدمرون منازل الروهنغيا في أراكان وضد التطهير العرقي لهم. ويجب أن نكون أول من يعارض تدمير الحضارة الإسلامية وإنشاء دول إرهابية جيدة في منطقتنا تحت غطاء مكافحة تنظيم داعش الإرهابي".
وأضاف: "يجب أن نكون أول من يستنكر تدمير مستقبلنا من قبل منظمات إرهابية مثل غولن وبي كي كي والقاعدة وبوكو حرام والشباب. وينبغي أن نحترم قوانين منطقتنا بغض النظر عن الحدود التي رسمها لنا الإمبرياليون، وألّا نسمح بإلحاق الضرر بإخواننا وألّا نقبل بإراقة الدماء على أسس عرقية وثقافية وطائفية. هذا هو السبيل الوحيد لتخفيف آمالنا وترك مستقبل مزدهر وآمن لأطفالنا".
أردوغان تابع قائلًا: "يجب علينا أن نحسن استثمار الإمكانيات والمنصات التي في متناول أيدينا بأفضل طريقة ممكنة من أجل أن ننجح في حل مشاكلنا بأنفسنا. إن استخدام العملات المحلية في التجارة بيننا أمر في غاية الأهمية من أجل أن نتمكن من تحطيم الأغلال التي وضعها الإمبرياليون في أيادينا".
وأضاف: "أدعو جميع الدول الأعضاء في الكومسيك لزيادة حجم التبادل التجاري بين بعضها البعض. كما أدعو جميع الدول الأعضاء ذات الصلة إلى تحديث قوائم الامتيازات الخاصة بها واستكمال الإجراءات اللازمة لبدء سريان نظام الأفضلية التجارية في البلدان الإسلامية".
وأوضح أن الزيادات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على التعريفات الجمركية أدت إلى زيادة النزاعات في التجارة العالمية. مستطردًا بالقول: "من الواضح أن تلك النزاعات ستؤدي إلى تداعيات وخيمة على التجارة العالمية وعلى الإنتاج والازدهار. فيما سيعمل تخفيض الحواجز غير الجمركية وتيسير إجراءات التخليص الجمركي على إنعاش التجارة العالمية وفتح آفاق جديدة".
ودعا الدول الأعضاء إلى تحديث البنية التحتية الجمركية لديها والاستفادة من تقنيات المعلومات على أوسع نطاق وتبسيط الإجراءات الجمركية.
وقال إنه تم تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية للكومسيك تحت مظلة رئاسة الميزانية والاستراتيجية التابعة لرئاسة الجمهورية التركية داعيًا كافة الدول لاتخاذ تدابير مناسبة لتنسيق أنشطة الكومسيك على المستوى الوطني.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!