ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
ديناميكية قضية الصحفي السعودي المغدور في قنصلية بلاده في إسطنبول دفعت الأمور إلى التحرك على مستويات عدة من الأطراف المعنية بالجريمة، سواء من دولة الجناة أو من الدولة التي ووقعت على أرضها الجريمة وترى فيها انتهاكا لسيادتها، أو حتى من الدول التي تنتظر الغنيمة ولو لم تشارك في المعركة بشكل مباشر وهم على ذلك صنفان، منهم من اغتنم وينتظر المزيد، كأمريكا، ومنهم من ينتظر ويتوقع الكثير، كألمانيا وفرنسا وروسيا والصين، وبالطبع قطر.
وبعيدا عن تفاصيل ما يتابع في الأخبار، نرصد في السطور القادمة تكتيكات الفاعلين الرئيسيين في هذه القضية، وكيف يحركون أوراق اللعب للوصول إلى نتيجة مرضية.
في البداية، وضح من خطاب الرئيس التركي أنه ماض في إزاحة ولي العهد مع الحفاظ الكامل على الملك والمملكة، وهو في ذلك لا يرغب في خسارة دولة مهمة في المنطقة وصديق حاول مرارا أن يسحبه إلى مربع الحليف لولا حسابات المملكة نفسها وتوازنتها مع الحليف الرئيسي لها (أمريكا).
وفي المقابل، تراهن السعودية على حليفها الأمريكي والوقت للخروج من الأزمة التي وضعت فيها بقرار جانبه الحكمة وأدخلها في نفق الابتزاز في عالم يبحث عن مكسب سهل في ظل وضع اقتصادي صعب يعيشه العالم.
تركيا من ناحيتها بدأت في الذهاب بعيدا في قضية الصحفي السعودي بإخراج التسجيلات التي تثبت تورط قيادة سياسية كبيرة في المملكة لاسيما وأن المملكة تماطل وتمتنع عن التعاون مع تركيا في كشف الجناة، ومن ثم بدأت تركيا في المطالبة بتدويل القضية، وإن كان الطلب يحتاج ترتيبات قانونية معقدة يقف أمامها توازنات سياسية، إلا أن الأمر ليس مستحيلا في النهاية، إذا فتركيا عازمة على الذهاب إلى لاهاي لتدويل قضية الصحفي السعودي.
أما السعودية التي ترى في عامل الوقت أهم أسلحتها للخروج من هذه الأزمة طاف ولي عهدها في جولة عربية أتبعها بحضور قمة العشرين للظهور بمظهر الواثق لتبريد القضية قدر المستطاع، ومن جهة أخرى قفزت إلى الواجهة فكرة التضييق على تركيا امتثالا للقاعدة الذهبية (خير وسيلة للدفاع هو الهجوم) فبإيعاز من أبوظبي التي تضررت كثيرا من النقلة التي نقلها لاعب الشطرنج التركي الماهر في كل من الصومال ثم السودان، قررت السعودية، التي لن تكسب كثيرا من كيان للدول المطلة على البحر الأحمر، تحريك الخطوة بدأها النظام في مصر العام الماضي، وجرت لها كل من الأردن التي تعاني تظاهرات تطالب برفع المعاناة عن كاهل المواطن الذي بات لا يملك قوت يومه، والسودان الذي تورط في حرب اليمن عله يجد من المانح ما يسد به رمق مواطنيه الذين يعيشون على شفى بركان الثورة، والصومال التي تعاني الحرب الأهلية منذ عشرات السنين لاسيما بعد الاحتلال الأمريكي لها، واثيوبيا التي تشهد طفرة تنموية تحتاج إلى من يمولها، وجيبوتي التي يرى الخبراء أنها تحتاج إلى إصلاحات عاجلة للخروج من أزماتها المتعددة التي فاقم من وطأتها فشل الحكومة، إلى جانب اليمن المأسور رئيسها لدى الرياض، واللافت أن الدولة الأكثر فقرا (إريتريا) والمهمة في جغرافيتها ليست موجودة في عضوية الكيان الجديد، وهو ما يفسر المال السياسي في تكوين هذا الكيان، فاريتريا التي تؤجر جزر للعدو الإيراني، من الصعب أن تشارك في مثل هكذا كيان، فالاستراتيجية لديها أهم من أموال النفط.
لكن لماذا ذهبت السعودية لتنشيط هذا الكيان، ودول المشاطئة لم تراوح مكانها منذ مئات السنين، ورغم تدشين الكيان منذ عام؟ والإجابة كما اسلفنا هي محاولة مناكفة تركيا التي بدأت تلعب في القرن الإفريقي لإيجاد موطئ قدم بين الكبار في واحدة من أهم المنافذ البحرية في العالم، فالبحر الأحمر وخليج عدن لهما أهمية استراتيجية كبيرة في المجالين العسكري والاقتصادي، حيث يشكل حلقة وصل بين ثلاثة مناطق إقليمية (الشرق الأوسط و القرن الإفريقي والخليج العربي) ويلعب دورا كبيرا في التجارة بين أوروبا وأسيا، ويعد أهم شريان مائي ينقل النفط من الخليج إلى أوروبا وباقي العالم، لذا أرادت تركيا أن تكون حيث يكون الكبار، فالأسطول الأمريكي مرابط منذ عشرات السنين وفرنسا موجودة في القرن الإفريقي وتبحث لها عن مكان توافقي على الشاطئ الأحمر.
وهكذا، يمكن فهم ما ترمي إليه السعودية من تنشيط هذا الكيان في تصريح وزير خارجيتها بعد انتهاء مراسم القمة الوزارية، حيث قال الجبير: (الكيان الجديد سيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ..... إلى أن قال والمساهمة في منع أي قوى خارجية تستطيع أن تلعب دورا في المنطقة).
ولصاحب اللب في المملكة أن يفهم أن إصرار كل من السودان والصومال واثيوبيا وضع جملة (أن الكيان الجديد ليس موجهاً ضد أحد) في البيان الختامي في اجتماع الرياض، إنما هو إشارة إلى أن الدول الأعضاء انضمت للكيان طمعا في ذهب المعز، لكن علامة الاستفهام الأكبر: هل لدى المملكة ما تنفقه شرقا وغربا لمناكفة تركيا، في ظل تأكيدات صادرة في تقارير غير رسمية في العام 2013 أن نسبة الفقر في المملكة بلغت 12.5%من المؤكد انها زادت في الفترة الأخيرة في ظل الابتزاز الأمريكي والحرب في اليمن؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس