د. باسل الحاج جاسم - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
في 18 كانون الثاني/ يناير، نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا لبريت ماكغورك، المبعوث الأمريكي السابق للتحالف الدولي للحرب على داعش، بعنوان "يقول ترمب إنه قهر داعش إلا أنه بدلا من ذلك يمنحه حياة جديدة" حاول فيه أن يشرح ويشحن القراء ضد قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا.
ومضى ماكغورك يقول إن الانسحاب سيكون كارثيا بالنظر إلى كثير من الحقائق الواقعية. بيد أنه، ووفقا لمراقبي الشأن السوري، فإن الأقوال الواردة في مقال المبعوث الأمريكي السابق ملفقة ومضللة لإخفاء أهداف ونوايا أخرى مثل تمزيق سوريا وزعزعة استقرار بلدان الجوار.
أولا، يقول ماكغورك إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتخذ هذا القرار المفاجئ بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي اقترح أن تقضي تركيا على بقايا داعش في سوريا. وأضاف أن "تركيا في الواقع لا تستطيع تركيا أن تعمل مئات الأميال من حدودها في أرض معادية بدون دعم عسكري أمريكي كبير، والعديد من جماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا تشمل المتطرفين الذين أعلنوا صراحة نيتهم في محاربة الأكراد، وليس تنظيم الدولة (داعش)."
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجماعات التي يصفها ماكغورك بالمتطرفة كانت في يوم من الأيام تتلقى الدعم الأمريكي بشكل مباشر، والبعض الاخر بشكل غير مباشر عبر حلفائها، كما أن بعضها متواجد على طاولة المفاوضات الدولية المتعلقة بسورية.
وعلاوة على ذلك، اتهم ماكغورك قوات المعارضة بمحاربة "الأكراد" وليس داعش. وهو يهدف بهذا القول إلى تضليل القراء عموما وفي الولايات المتحدة خصوصا، لا سيما بالنظر إلى أن هدف قوات المعارضة الواضح محاربة المنظمات الإرهابية على ضفتي الفرات الشرقية والغربية. وتوجد غالبية مقاتلي المعارضة من تلك المناطق التي يشكل العرب معظم سكانها على الخطوط الأمامية التي تقاتل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب (ي ب ك). وهذه الحقيقة تناقض ما زعمه المبعوث الأمريكي من أن المنطقة تعادي تركيا وقوى المعارضة السورية المشاركة في الحملة على الإرهاب الانفصالي والديني.
لم يخف ماكغورك والضباط المسؤولون عن هذه القضية دعمهم لميليشيات بي كي كي التي تسيطر على المناطق المعادية للأكراد، مثل منبج في شمال سوريا، حيث يشكل العرب أكثر من 94٪ من مجموع السكان. ويعارض سكان المدينة وجود ميليشيات "ب ي د/ ي ب ك" في مدينتهم ويطالبون بخروجها.
يحدث الأمر نفسه في مناطق أخرى تشهد صراعات بين القبائل العربية وميليشيات بي كي كي في شرق سوريا. ويعارض سكان تلك المناطق الممارسات العنصرية للجماعة ضد العرب الذين يشكلون الأغلبية في جميع المناطق التي تحتلها الميليشيات الانفصالية التي تشكل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.
الاختباء والخداع
يحاول إرهابيو بي كي كي باستمرار تغيير أسمائهم لتجنب اتهامات الإرهاب وجرائم الحرب التي يرتكبونها. وقد منحوا أنفسهم مظهرا ديمقراطياً، حتى لو كان مجرد إجراء شكلي لخداع وسائل الإعلام والرأي العام الدولي. كما حاولوا ضم بعض الأعضاء العرب والسريان إلى قواتهم كغطاء.
وفي هذا السياق، قال طلال سيلو الناطق السابق باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إن الجنرال ريموند توماس، رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي طلب من "وحدات حماية الشعب" (ي ب ك) تغيير اسمها؛ لأن تركيا تنظر إليها بوصفها امتدادا لبي كي كي. وسرعان ما غيروا اسمهم إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
كما ذكر سيلو أنه كان هناك اتفاق بين الولايات المتحدة وقياديي (ي ب ك) تحت إشراف واشنطن لدعم المسلحين التابعين للبي كي كي بالأسلحة والمعدات. وحتى لا يصدم الرأي العام بدعم الولايات المتحدة لحزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب (بي كي كي/ ي ب ك)، قاموا بتشكيل قوات سوريا الديمقراطية، مشيرًا إلى أن الأسلحة أرسلت إلى قوات سوريا الديمقراطية قبل تشكيلها أو تسميتها بهذه الاسم.
وأضاف سيلو: "كل الذي رأيناه أن الهدف من تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هو مجرد شعارات، وتبين لي أنها شعارات زائفة وبعيدة عن الواقع، وأرادوا من خلالها التأثير على تفكير المواطن الموجود في تلك المناطق والإيحاء بأن قوات "قسد" لديها قوات محررة وقوات تعمل على القضاء على الإرهاب وقوات ستجلب للمواطن الحرية والكرامة والعدالة وغيرها. غير أن ما حدث للأسف هو تدمير للمدن وتشريد وقتل السكان حتى عند وضعهم ضمن مناطق محمية، كانوا يقومون بعملية ابتزاز للسكان، وقتلوهم وشردوهم ودمروا ديارهم".
وشرح سيلو لماذا اختارت واشنطن هذه الطريقة، قائلا: "كل الأفكار كانت توضع من قبل بريت ماكغورك، المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد داعش. أثناء عمليات تحرير الرقة، طلب تشكيل قوة باسم التحالف العربي. مهمة هذه القوات تمثلت فقط في تسلم الأسلحة، وقد تم تسلم كميات كبيرة من الأسلحة بالفعل، غير أنه لم يوزع على العرب والتركمان والسريان فعليا سوى أسلحة خفيفة. حمل التحالف صفة العربي، ولكن العرب لم يكن لهم من الأمر شيء. وكانت مهمة المجلس العسكري لدير الزور (التابع لقسد) التوقيع فقط. أمريكا كان لديها علم بهذا، وتعمدت أن يحدث من أجل عدم ظهور حقيقة وصول هذه الأسلحة إلى بي كي كي، إلا أننا كنا على ثقة بأن الأسلحة المتطورة كانت تذهب لـ "بي كي كي" و"ي ب ك".
الحقائق الإقليمية
وأضاف ماكغورك في مقاله بواشنطن بوست أن نشر قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا سيؤدي على الأرجح إلى نزوح الآلاف من "الأكراد"، كما يهدد المجتمعات المسيحية الضعيفة التي تعيش في تلك المناطق. لقد تجاهل ماكغورك عن عمد وجود نحو 5 ملايين سوري يعيشون في تركيا، يضمون العرب والأكراد والمسيحيين وغيرهم. وهذه المجموعة التي لم يذكرها ماكغورك تتلقى في الحقيقة معاملة جيدة في تركيا، وتتمتع بالحق في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف، وقد منح كثير منهم الجنسية التركية، ومنهم أكراد سوريون، الأمر الذي يتناقض مع ادعاءات ماكغورك حول تشريدهم، وفي وقت تمنع الولايات المتحدة حتى المواطنين السوريين المرضى من دخول أراضيها.
ذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في عام 2015 أن "بعثة لتقصي الحقائق في شمال سوريا كشفت عن موجة من التهجير القسري وهدم المنازل تصل إلى درجة جرائم حرب نفذتها الإدارة المستقلة التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) الذي يسيطر على المنطقة". وزار باحثو منظمة العفو الدولية 14 مدينة وقرية في محافظتي الحسكة والرقة في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2015، للتحقيق في التهجير القسري للسكان وهدم المنازل في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة المستقلة".
وأوضحت صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها المنظمة "حجم عمليات الهدم في قرية الحسينية، في ريف تل حميس"... وتُظهر صور ملتقطة في حزيران/ يونيو 2014 لإحدى المناطق وبها 225 منزلاً، دماراً لحق بـ94% من المنازل، بعد مقارنتها بصور التقطت في يونيو 2015.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس