ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
لا يختلف اثنان على أن آثار انقلاب الثالث من يوليو في مصر متعدية، فما شهدته المنطقة من أحداث بعد هذا الانقلاب يؤكد محوريته ودوره في البناء على ما شهدته المنطقة من انتكاسات وتغير للمواقع وتبدل للتحالفات، إلى حد بعيد، وهو ما غير بالنتيجة وجه المنطقة وسهل لمجلس إدارة الثورات المضادة تنفيذ خططها لتركيع الشعوب وإذلالها وصولا لإرهابها حتى لا تكرر ما حدث في 2011 وما بعدها.
ولقد عانت تركيا كما دولنا العربية من الانقلابات العسكرية والافتئات على إرادة الشعب، كان أولها في مايو 1960، حين وقع انقلاب عسكري بقيادة الجنرال جمال جورسيل أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة الشهيد عدنان مندريس الذي أعدم لاحقا.
ثم تلاه في مارس 1971 انقلاب عرف وقتها باسم (انقلاب المذكرة)، بعد أن فشل حزب الشعب في الفوز بالانتخابات فأوحى إلى أنصاره من الجنرالات في الجيش لإسقاط الحكومة المنتخبة.
وكديدن العسكر استغلوا حالة الفوضى التي تم صنعها على أعين قادة الجيش ليتدخل كنعان إفرين بحجة حماية الاستقرار وينقلب على الحكومة المدنية بقيادة سليمان دميريل برعاية أمريكية لحماية مصالحها، وفي عام 2016 حاول بعض قادة الجيش المدفوعين من الزعيم الروحي لجماعة الخدمة الانقلاب على الشرعية الدستورية وقف لها الشعب متحديا ومسقطا محاولة الانقلاب، وواضعا نصب عينيه انقلاب عام 1997 على رئيس الوزراء المنتخب نجم الدين أربكان، الذي أطاح به الجيش فيما سمي بانقلاب ما بعد الحداثة، والذي وافق يوم الثامن والعشرين من شهر فبراير.
هذا التاريخ الذي مر منذ أيام، تذكره الأتراك وأفردوا له مساحة في إعلامهم المرئي والمكتوب، وأوقفوا الدراسة في المدارس في ساعات عملها ليعرفوا التلاميذ بهذا التاريخ المقيت، وبما تفعله الجيوش في البلاد عندما تضع أنوفها في السياسة لتفرض بقوتها واقعا جديدا، ضاربة بإرادة الشعب عرض الحائط، هذه القوة التي صنعت بدماء الشعب وأمواله، وهو ما يعني أن فرض الجيش واقعا على عكس إرادة الشعب هو خيانة بكل ما تحمل الكلمة من معان.
لقد فرضت الإدارة التركية في المناهج الدراسية في المراحل الأولى وللأطفال تضحيات من ضحوا من الشعب التركي للوقوف أمام الآلة العسكرية الغاشمة التي أرادت أن تدوس على إرادتهم، وفي السياق يقابل الأهالي وأولياء الأمور ذلك الأمر باستحسان، لعلمهم الذي خالط المعايشة بمدى الخراب الذي تعيشه الشعوب تحت الحكم العسكري، فتركيا لم تكن لترى ما وصلت إليه لولا تفاني من اختاروهم، في إرضائهم، ولعلمهم أن الحكومة لو لم تحسن فالصناديق موجودة، وبغير دم، يمكن استبدال من قصر وعقابه لو خالط ذلك التقصير فساد، أما صاحب الدبابة فلا يقدر الشعب الأعزل على إزالته إلا بثمن باهظ يدفع ثمنه من ثار وأبناؤه من بعده.
هذه التجربة التركية الموحية تدفع كل الشعوب المخطوفة إلى أن تنهض من سباتها وتتحرك من أجل معركة تبدأ بالوعي بمعنى أن يحكمه عسكر، وعي بقيمة صوته الذي يودعه صندوق الانتخابات، وعي بأنه صاحب الأمر ولا معقب لأمره، وعي بأن أمواله هي من تصنع هؤلاء الجنرالات الذين يقبضون على عمل اللا عمل، يقبضون من أجل أن يحلم أحدهم بالملك والسيف والساعة، يقبضون من أجل أن يستعبدوا الناس ويتعالوا عليهم، هذه التجربة موحية من أجل أن تنتفض الشعوب لكرامتها، حتى يفهم الجنرالات أن الشعب هو الأزل هو الوجود هو الباقي والكل فانٍ حتى يفنى الوجود، هذا ما فهمه الشعب التركي ولقنه لأبنائه ومن ثم لقنه لجنرالاته، لقد عرف الشعب التركي أن الجنرالات إذا حكموا قرية أفسدوها وجعلوا كل أهلها أذلة، فمتى تعرف شعوبنا فتثور؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس