سعيد الحاج - عربي 21
كلما اقترب موعد الانتخابات البلدية التركية، اكتسبت نتائج استطلاعات الرأي أهمية أكبر في توقع نتائج تلك الانتخابات؛ التي قلتُ في مقال سابق إنها باتت بمثابة استفتاء شعبي على النظام الرئاسي والحكومة والأحزاب السياسية وقياداتها، وفي مقدمتهم أردوغان.
وبسبب حساسية هذه الانتخابات وأهميتها، أيضاً باعتبار تداعياتها المتوقعة والرغبة في حسمها دون مفاجآت، فقد قدم حزب العدالة والتنمية مرشحين من "العيار الثقيل" لبعض البلديات الكبرى، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة وإزمير، وهم على التوالي رئيس البرلمان السابق ورئيس الحكومة الأسبق بن علي يلدرم، ونائب رئيس الحزب والوزير السابق ورئيس بلدية قيصري لخمس دورات متتالية، محمد أوزحسكي، والوزير السابق والبرلماني لعدة دورات نهاد زيبكجي.
بسبب حساسية هذه الانتخابات وأهميتها، أيضاً باعتبار تداعياتها المتوقعة والرغبة في حسمها دون مفاجآت، فقد قدم حزب العدالة والتنمية مرشحين من "العيار الثقيل" لبعض البلديات الكبرى
يدرك العدالة والتنمية أن فرصته في إزمير ليست كبيرة، فهي أكبر معاقل الشعب الجمهوري، ولم يستطع بن علي يلدرم نفسه في انتخابات 2014 الاقتراب من موازنة الدفة فيها. وبينما يبدو الأخير اليوم في وضع أفضل من منافسه أكرم إمام أوغلو في إسطنبول (وإن ليس بفارق كبير، لا يبدو أن أوزحسكي في وضع مريح في العاصمة.
لا شك في أن رحلة الانتخابات ما زالت في بداياتها، وأن شركات استطلاع الرأي ليست مهنية وموثوقة في معظمها (وقد فصّلت في ذلك في مقالات سابقة)، إلا أنها مفيدة للاستئناس وأخذ الانطباعات العامة، لا سيما أن كان معظمها يسير في اتجاه واحد سلباً أو إيجاباً.
لا زالت معظم الشركات الكبيرة في تركيا لم تعلن عن نتائج استطلاعاتها، لكن البعض فعل. شركة "ORC" مثلاً أعطى استطلاعها مرشح الشعب الجمهوري وتحالف الأمة منصور يافاش 41.9 في المئة، فيما أعطى لمرشح العدالة والتنمية وتحالف الجمهور، محمد أوزحسكي، 36.8 في المئة. شركة "GEZ?C?" المعروفة بمواقفها ونتائجها المنحازة ضد الحكومة والعدالة والتنمية، أعطت الأول 52.2 في المئة، والثاني 47.8 في المئة، بينما منحت شركة "P?AR" 41.9 في المئة للأول و35.2 في المئة للثاني.
رغم أن استطلاعات الرأي الخاصة التي تجريها الأحزاب السياسية بشكل سري لا تعلن نتائجها في الإعلام، إلا أن بعض تصريحات أردوغان أوحت بشيء من المصداقية لهذه النتائج
سبع شركات أخرى، أقل شهرة وموثوقية، أعطت نتائج متفاوتة لاستطلاعات الرأي، لكن معظمها منح التقدم ليافاش، وأحياناً بفارق عدة نقاط وصلت أحياناً إلى عشر، فيما قدمت اثنتان منهما أوزحسكي بفارق بسيط.
ورغم أن استطلاعات الرأي الخاصة التي تجريها الأحزاب السياسية بشكل سري لا تعلن نتائجها في الإعلام، إلا أن بعض تصريحات أردوغان أوحت بشيء من المصداقية لهذه النتائج، فالرئيس الذي يفخر دائماً بأن حزبه هو الأكثر اعتماداً على الإحصاءات واستطلاعات الرأي؛ قال صراحة في أكثر من مناسبة مؤخراً إنه "لا يثق باستطلاعات الرأي"، متهماً الشركات بـ"التلاعب". فما هي أسباب ذلك؟
تجدر الإشارة أولاً إلى أن أنقرة لا تعد مدينة محسومة للعدالة والتنمية، رغم أنه يفوز برئاسة بلديتها منذ 1994، أي منذ فاز بها مليح غوتشاك مرشح حزب الرفاه، والذي انضم لاحقاً للعدالة والتنمية. إذ لم يكن هذا الفوز يوماً صريحاً وكبيراً، فنتائج آخر انتخابات بلدية في 2014 أعطت العدالة والتنمية 44.9 في المئة، ومنافسه الشعب الجمهوري 43.8 في المئة من أصواتها.
هناك أيضاً عوامل أخرى ساهمت في هذه النتائج، منها المرشح أوزحسكي نفسه، والذي لا يختلف الكثيرون على كفاءته، ولكنهم اعترضوا على كونه ليس ابن المدينة، ومنها تأييد أنصار حزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) لمرشح المعارضة بشكل غير معلن.. ومنها الأزمة المالية التي لم تتعاف منها تركيا بعد، وما زالت بعض انعكاساتها ماثلة مثل غلاء الأسعار وطوابير شراء الخضروات الرخيصة من البلديات.. ومنها كذلك حالة التحفظ والاعتراض والنقد (لأسباب متنوعة) لدى قطاع من كوادر وأنصار أردوغان والعدالة والتنمية، والذين يظنون أن الصندوق هو المكان الأمثل لإيصال رسالة الاحتجاج خاصتهم.
هذه الحالة وجدت صداها في تصريحات أردوغان سالفة الذكر حول نتائج استطلاعات الرأي، وفي تزعمه حملة حزبه الانتخابية بشكل لافت وجهد كبير يصل لثلاثة مدن يومياً أحياناً، وبتوصيف الانتخابات البلدية على أنها "معركة بقاء تركيا"، وكانت كذلك أحد أسباب تقديم مرشح "رفيع المستوى" وزاخر السيرة الذاتية، مثل أوزحسكي.
هذه الحالة وجدت صداها في تصريحات أردوغان سالفة الذكر حول نتائج استطلاعات الرأي، وفي تزعمه حملة حزبه الانتخابية بشكل لافت وجهد كبير
لا يعني ذلك بالتأكيد أن الأمور قد حسمت في العاصمة ولا يعني، مرة أخرى، أن نتائج استطلاعات الرأي دقيقة بالضرورة، فضلاً عن أن المناسبة في النهاية هي انتخابات بلدية، في حال الفوز كما في حال الخسارة. لكن كل ذلك يعني أن المعركة في أنقرة هذه المرة أصعب بكثير على العدالة والتنمية من سابقاتها، وأن احتمالات الخسارة قائمة وبقوة، وأن الأمر سيحتاج من أردوغان وأوزحسكي والحزب مراجعة دقيقة وإجراءات سريعة وجهداً مضاعفاً؛ إن أرادوا ضمان الفوز في العاصمة بكل رمزيتها السياسية، لعدم خسارتها أولاً، ولتجنب الارتدادات الأخرى التي قد تتبلور وتتفاقم في حال خسارتهم لها ثانياً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس