ترك برس
عاد التذبذب إلى الليرة التركية التي فقدت نحو 5% من قيمتها يوم الجمعة 22 مارس/ آذار الجاري، وهي أكبر خسارة يومية لها منذ أزمة أغسطس/ آب الماضي، ما أثار تساؤلات حول الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك.
الكاتب المصري مصطفى عبد السلام، رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة العربي الجديد، يرى أن من الطبيعي أن يتعرض سعر أي عملة للتذبذب في حال زيادة القلاقل السياسية والاقتصادية بالدولة التي تصدر عنها، وأحياناً تنهار عملة ما في حال مرور الدولة بأزمة عنيفة سواء سياسية أو مالية أو حتى مجتمعية.
ويقول عبد السلام إن الليرة التركية، تراجعت عقب الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف 2016، وخلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2018، كما شهدت انهياراً إبان الحرب الاقتصادية الشرسة التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاقتصاد التركي وفرض عقوبات عليه في أغسطس/ آب الماضي، وأدت إلى فقدانها نحو 45% من قيمتها خلال أيام معدودة.
وعقب الانهيار توسعت الحكومة التركية في الحديث عن مؤامرة خارجية تستهدف الليرة والاقتصاد والاستثمارات الخارجية، وأن هذه المؤامرة يقودها ترامب وبعض دول الخليج وأحيانا دول أوروبية تناصب أنقرة العداء.
ودعا الرئيس التركي رجب أردوغان الأتراك أكثر من مرة إلى شراء الليرة لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي أثرت سلبا على قطاعات مهمة منها الصناعة والعقارات وسوق المال.
وتابع الخبير المصري: قبل أيام عاد التذبذب إلى الليرة التي فقدت 5% من قيمتها يوم الجمعة، وهي أكبر خسارة يومية لها منذ أزمة أغسطس الماضي. صحيح أنه حدث تحسنا في السعر بعد ذلك، لكن التوقعات تشير إلى أن التذبذب الأخير قد يستمر بعض الوقت.
التذبذب المتوقع لا يمكن رده هذه المرة إلى أسباب سياسية ونفسية بحتة تتعلق بقرب الانتخابات المحلية في تركيا، وهجوم أردوغان على قرار ترامب الخاص بالجولان المحتل، والخلاف التركي الأميركي حول صفقة أس 400 الروسية، وترصد بعض الأطراف الخارجية بحكومة العدالة والتنمية، فهناك مؤشرات اقتصادية باتت تضغط أيضا على الليرة.
من بين هذه المؤشرات، قفزة معدل التضخم الذي بات يدور حول 20%، وهو معدل عالٍ وضاغط على سوق الصرف الأجنبي، بل إن التضخم بلغ أعلى مستوياته في 15 عاماً، ليتجاوز 25% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رغم زيادة سعر الفائدة، والاقتصاد نما بنسبة 2.6% فقط في العام 2018، وهو أضعف أداء منذ عام 2009، وذلك مقابل نمو 7.4% في 2017. وزاد معدل البطالة في تركيا إلى 11% في نهاية عام 2018، مقابل 10.4% قبل عام.
كل هذه مؤشرات اقتصادية باتت تضغط على الليرة، إضافة لعوامل سياسية أخرى تتعلق بالحرب في سورية وملف الأكراد والتوتر مع الولايات المتحدة.
لكن في المقابل هناك عوامل داعمة وبقوة لسعر الليرة منها مثلا، صادرات خارجية تجاوزت قيمتها 170 مليار دولار في العام الماضي، وتدفق الاستثمارات الأجنبية على البلاد، وانتعاش قطاع السياحة، وبدء دخول مشروعات عملاقة حيز التشغيل مثل مطار إسطنبول الجديد، الذي يعد الأكبر في العالم، وهو ما يدر 40 مليار دولار على الخزانة العامة للدولة، منها 14 مليار دولار في المرحلة الأولى، وقناة إسطنبول ستحقق للخزانة إيرادات بين 45 و50 مليار دولار بحسب أرقام شبه رسمية.
ومع دخول تركيا نادي إنتاج الطاقة النووية السلمية بتأسيس 3 مفاعل نووية، والانتهاء من مشروع السيل التركي الذي سيحول تركيا إلى منطقة أقليمية لتصدير الغاز الروسي لأوروبا، فإن إيرادات أخرى ستتحقق للخزانة العامة.
علما بأن الإيرادات العامة بلغت في العام 2018 نحو 167 مليار دولار بزيادة 7%، وهي زيادة لم يتوقعها الكثيرين خاصة مع اضطرابات سوق الصرف في الصيف الماضي.
كل هذه العوامل ستخفف الضغط عن الليرة، لكن تبقى العوامل المتعلقة بالاقتصاد الكلي، إلى جانب العوامل السياسية، هي الضاغط الأكبر على العملة التركية في المرحلة المقبلة، حسب الخبير المصري.
في سياق متصل، توقع أستاذ الاقتصاد بأكاديمية العلاقات الدولية بإسطنبول، أحمد ذكر الله، أن "تواجه الليرة التركية بين الحين والآخر مثل هذه الأزمات خلال الفترة المقبلة"، وفق صحيفة "عربي21".
وأضاف ذكر الله: "لكن الإدارة التركية عودتنا أن تراجع الليرة يكون مؤقت، وهذا لا يدل إلا على شيء واحد وهو أن الاقتصاد التركي يتمتع بمؤشرات قوية تمكنه من التغلب على التحديات التي تواجهه".
ودلل على حديثه بأن التراجع التي شهدته الليرة التركية خلال جلسة تعاملات الجمعة الماضية، والتي فقدت خلال نحو 5 بالمئة من قيمتها، لم يروع أو يفزع المستثمرين الأتراك أو الأجانب، لأنهم، بحسب قوله، يدركون أن الاقتصاد التركي ليس بالضعف الذي تروجه بعض التقارير الإعلامية "المشبوهة"، ويعرفون أنه لا يوجد تفسير منطقي ولا اقتصادي لمثل هذه التراجعات الضخمة في يوم واحد، وهو ما حدث بالفعل مع التعافي السريع للعملة التركية الاثنين بعد أسوأ هبوط يومي على مدار الأشهر السبعة الماضية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!