ترك برس
بعد منتصف الليل بين الواحدة والثانية صباحًا، تسمع بين أزقة تركيا وشوارعها دقات طبول المسحراتي بأصوات منتظمة.
ويحصل المسحراتي على أجره من سكان الحي الذي يعمل فيه، فينتظر حلول نهاية الشهر الكريم، ليطرق منازل سكان الحي الذي يتجول فيه، ويقرع طبلته أمام أبوابهم، فيحصل على إكراميته مقابل عمله.
تنطلق دقات طبول المسحراتي كل يوم في منتصف الليل، ليستيقظ سكان مدينة إسطنبول من أجل السحور، باعثة البهجة في نفوسهم خلال الشهر الفضيل، حيث يُعد المسحراتي معلماً رمضانياً، وجزءا أصيلاً من عاداتها وتقاليدها الموروثة.
وارتبط شهر رمضان المبارك بالكثير من العادات والتقاليد بينها المسحراتي، وهي وظيفة قديمة تخرج إلى الحياة مرة واحدة كل عام، فمع حلول شهر رمضان يطوف المسحراتي الشوارع لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر، حتى أصبح المُسحّر، أو المسحراتي، أحد معالم رمضان.
فهو شخصية أثرية يُنتظر ظهورها مع انتظار هذا الشهر الفضيل.
أناشيد دينية وروحانية يعزفها مجموعة من الشباب في أزقة المدينة، يدعون من خلالها السكان للقيام من أجل السحور ويحثونهم فيها إلى صيام الشهر بحب ورضا للتقرب من الله ولأداء فريضته.
"محمد يلدرم"، شاب في الـ19 من عمره، لم يمنعه صغر سنه من العمل كمسحراتي في ليالي شهر رمضان المبارك، بشكل متصل منذ 7 أعوام.
ويتجول الشاب يلدرم مع أصدقائه في شوارع وأزقة المدينة لإيقاظ النائمين لتناول سحورهم.
يقول يلدرم: "أمارس هذه المهنة في شهر رمضان بدون تقاضي أي أجر، ولكن الناس يقومون بمنحي بعض المبالغ البسيطة من أجل استمراري في هذا العمل".
وعلى الرغم من أن "البقشيش" الذي يحصل عليه الشاب من المواطنين مقابل عمله لا يساوي الكثير، إلا أنه يبدو راضياً وسعيداً باستمراره في إحياء هذه العادة منذ سنوات، بالطبول والأناشيد الدينية.
والمسحراتي في تركيا ليست مهنة عشوائية يمارسها البعض طواعية، إنما هي وظيفة تشرف عليها البلديات، مثلما تشرف على موائد الرحمن، التي يطلق عليها "سفرة رمضان"، والتي تنتشر في مختلف ميادين تركيا وشوارعها.
ويتمسك كثيرون، في تركيا لا سيما في الأحياء الصغيرة، بالمسحراتي كتراث يعيدهم إلى الماضي وذكريات الطفولة.
ففي أحياء قضاء "زيتين بورنو"، الشهير وسط إسطنبول، الذي يزخر بالمساجد القديمة، يطل الناس من النوافذ خصيصاً ليشاهدوا المسحراتي يجوب الشوارع الخلفية الهادئة، التي لا يقطع صمتها إلا قرع طبلته.
وفي نهار أول أيام العيد، يقرع المسحراتي طبلته ويمر بالمنازل التي كان يمر بها في ليالي رمضان، ويهب له الناس المال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.
وتشير تقارير إلى أن هناك ما يقرب من 3 آلاف مسحراتي هذا العام، يتوزعون على شوارع إسطنبول لإيقاظ الناس في بهجة وسرور.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!