إحسان الفقيه - خاص ترك برس
لكل من يطالب أردوغان بإقامة جمهورية إسلامية أو إعلان الخلافه وتطبيق الشريعة بحد السيف، نقول هي أمنيتنا وأمنية الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي!
لكن، هذه النظرة سطحية وغير واقعية، ولكي ندرك مدى سطحيتها وبعدها عن الموضوعية نطالع بعض معطيات الواقع:
* درس من تجربة نجم الدين أربكان
هو معلم أردوغان الأول، لم يراعِ موازين القوى في الواقع التركي، وتسرع في قراراته، قامت المحكمة الدستورية بحل حزبه لثلاث مرات متتالية؛ فكان هذا درسًا بليغًا قاسيًا لأردوغان الذي أدرك كقائد لحزب إسلامي وسط محيط متلاطم من العلمانية الممتدة بأذرعها في كل المؤسسات المدنية والعسكرية أنه إذا استخدم طريقة أربكان فإنه سيحرث البحر أو يبحث عن الماس في جوف الصحاري إن لم يستخدم الحنكة والذكاء السياسي!
* تجربة مندريس القاسية
– هو الشهيد عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي في الخمسينيات.
– أعاد الأذان بالعربية.
– سمح بتعليم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية.
– أنشأ 10 آلاف مسجد.
– فتح 25 ألف مدرسة لتحفيظ القرآن.
– أنشأ 22 معهدًا في الأناضول لتخريج الوُعّاظ والخطباء وأساتذة الدين.
– سمح بإصدار المجلات والكتب التي تدعو إلى التمسك بالإسلام والسير على هديه.
– أخلى المساجد التي كانت الحكومة السابقة تستعملها مخازن للحبوب وخانات للخيول وأعادها لتكون أماكن للعبادة.
– فرض الرقابة على الأدوية والبضائع التي تصنع في إسرائيل.
– وقف ضد العدوان الثلاثي وطرد السفير الإسرائيلي سنة (1956م).
لكن، التجربة لم تدم..
ففي صباح 27 أيار/ مايو عام 1960، تحرك الجيش التركي بدباباته ومصفحاته وقام بانقلاب عسكري برئاسة الجنرال جمال جورسيل وأحال الانقلابيون 235 جنرالًا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس الأركان إلى التقاعد، وتم واعتقال رئيس الوزراء وتم الحكم عليه بالإعدام.
الأتاتوركية
اقتنع اتاتورك بأن كفاحه يجب أن يتوجه إلى الإسلام فهو منافسه الأكبر وعدوه الأول والأخير، يقول أوركا مؤلف كتاب (أتاتورك):
(كان يعتقد منذ صغره أنه لا حاجة إلى الله؛ لأنه اسم غامض خداع مجرد من كل حقيقة، وكان لا يؤمن إلا بالمشاهد المحسوسة، وكان يرى أن الإسلام قد جنى على تركيا جناية كبرى وألحق بها خسائر فادحة، وأنه لا وجود للإله)!
ويقول أوركا في موضع آخر من نفس الكتاب:
(لم يكن سرًا أن مصطفى كمال لا يدين بدين؛ لذلك، كان شائعًا بين الناس أن الخلافة ستلغى لا محالة، وقد فزع الناس حين شاع أن كمال رمى المصحف على رأس شيخ الإسلام الذي كان من كبارعلماء الإسلام وشخصية محترمة).
ولذلك، انطلق أتاتورك بكل قوته يكمل التحطيم الشامل والتدمير الكامل، فقرر أن فصل تركيا عن ماضيها العريق وإزالة جميع الأنقاض التي تحيط بها هو الخطوة الأولى.
في 3 آذار سنة 1924، قدم مشروعه الذي تحولت به الدولة العثمانية إلى دولة تركية، وألغى منصب الخليفة. كان ذلك في الواقع ضربة قاضية في كبد الإسلام وإصابه في القلب للأمة جمعاء!
ولتدمير التراث العثماني، عمد أتاتورك إلى تحويل حروف الهجاء مكان إحراق الكتب، فأصبحت الذخائر الكلاسيكية النفيسة كالكتب الفارسية والعربية والتركية لا تتناولها أيديهم؛ بل أصبحت أجنبية مبهمة منغلقه لا تبلغها مداركهم.
ثم تولى التبشير المسيحي إكمال مهمة أتاتورك في تحطيم ما تبقى في استئصال الجيل عن أصوله وجذوره الحضارية إلى أن يشاء الله ويقيض للأمة من يعيدها إلى جادة الصواب.
شبهات وأسئلة حول أردوغان وحزبه:
1- لماذا لا يقوم أردوغان بإعلان الخلافة والحكم بالشريعة الإسلامية؟
ولكن، هل سيسمح له الجيش التركي العلماني الذي أعدم سلفه مندريس؟
وهل دستور الدولة الذي ينص أن تركيا دولة علمانية يسمح له بالاقتراب من الإسلام ؟
وتلك هي ملامح الواقع المر
أولًا: أردوغان ورث تركة علمانية ثقيلة وتبعية مطلقة للغرب، ورث 600 معاهدة مع الغرب وحلف الناتو، ورث عشرات القواعد التجسسية الأمريكية المجهزة بأحدث الأجهزة الإلكترونية السرية ومواقع الرادارات والبث اللاسلكي وفك الشيفرة، والتي لا يسمح لتركي الدخول أو الاقتراب حتى جنرالات الجيش!
ثانيًا: أردوغان ورث دولة عميقة بكل أذرعها الضاربة في الجامعات ورؤساء الجامعات وعمدائها ومؤسسة التعليم العالي التي تشرف على ما يقارب 100 جامعة؛ حيث تقوم بتصفية الأساتذة الذين يحملون اتجاهات إسلامية، والمؤسسات المدنية القوية المعادية لكل ما يمت للإسلام بصلة والنقابات اليسارية والعلمانية والشيوعية!
ثالثًا: أردوغان ورث وسائل الإعلام القوية من صحف ومجلات وإذاعات وقنوات تلفزيونية متعددة، والمحاكم بمختلف مستوياتها ودرجاتها حتى الوصول إلى المحكمة الدستورية العليا التي هي أعلى محكمة في تركيا، والتي أصبحت من أدوات القمع والاستبداد في يد العلمانيين المتطرفين!
رابعًا: أردوغان ورث أخطر مؤسسة في الدوله العميقة وهي المؤسسة السرية (كلاديو) التي يقف وراءها حلف الناتو، وهي منظمات عسكرية مسلحة متدربة على الاغتيالات والتفجيرات للمقاومة وحرب العصابات فيما لو احتلت تركيا من قبل الاتحاد السوفييتي، ومع أن هذه المنظمات ألغيت بعد انهياره عام 1989؛ إلا أنها بقيت نشطة جدًا في تركيا وكثيرًا ما تقوم بعمليات إرهابية دموية!
خامسًا: أردوغان ورث دولة مركبة ومعقدة من أعراق وإثنيات متعددة ترك وكرد وأرمن وأذريين وعرب، ومن أديان مختلفة متناقضة مسلمين وعلويين ومسيحيين ويهود.
سادسًا: أردوغان ورث مؤسسة عسكرية عريقة في الانقلابات والإعدامات منذ عام 1960عندما أعدمت رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس.
سابعًا: الغرب المتآمر الذي يعتبر تركيا وريثة العثمانيين العدو التاريخي الأبدي له لن يعدم ألف وسيلة للتآمر والخديعة، ما دام أنه يسيطر على المنظمات الدولية ويملك ترسانة عسكرية هائلة ولديه منظومة استخباراتية وتجسسية.
2- هل أردوغان خليفة المسلمين أو سلطان عثماني؟
أردوغان هو رئيس وزراء ورئيس دولة يشكل المسلمون فيها 99%، لكن دستورها علماني، ولكنه أعاد تركيا وأمجادها العريقة الماضية ويفتخر بأسلافه من آل عثمان هو وحزبه أصحاب التجربة الإسلامية الرائدة التي قفزت بتركيا إلى ترتيب 16 اقتصاديًا و6 عسكريًا في العالم، ورفع قيمة الليرة التركية من صفر إلى النصف أمام الدولار وارتفعت نسبة الحجاب بين المسلمات إلى 92% وترتدي زوجته وابنتاه الحجاب!
3- هل ستحارب تركيا الدولة الإسلامية إلى جانب التحالف؟
حتى إن دخلت تركيا في التحالف فهو دخول قسري لارتباطها بمئات المعاهدات مع حلف الناتو، وليس لأردوغان الصلاحيات الدستورية في إزالتها حاليًا!
4- هل تركيا عميلة لأمريكا؟
تركيا هي البلد الوحيد في العالم الذي رفض دخول القوات الأمريكية إلى أراضيه لغزو العراق 2003، وصدرت حينها تصريحات غاضبة من بوش الابن حيال ذلك، وأردوغان هو من وقف ضد تجزئة العراق ومع ووحدة أراضيه وضد انفصال الأكراد وتسليحهم.
5-هل تركيا عميلة لإسرائيل؟
كيف يمكن لأردوغان أن يكون عميلًا لإسرائيل وهو الذي هاجم بيريز في منتدى دافوس الاقتصادي ونعته (بقاتل الأطفال والنساء في فلسطين)، وهو الذي أرسل أسطول الحرية لمؤازرة أهل غزة وأجبر إسرائيل على الاعتذار والتعويض بعد ضربها لسفينة مرمرة!
تركيا هي من أوائل الدول التي طردت السفير الإسرائيلي في حروب غزة الثلاث، وإن اقوى مظاهرات شعبية في العالم كانت أمام السفارة الإسرائيلية في أنقرة، وهي حتى هذه اللحظة في أقل مستويات التمثيل الدبلوماسي الدنيا!
6-هل أردوغان لديه جنون العظمة ويتصرف بدكتاتورية؟
نعم أردوغان لديه (جنون العظمة)؛ ولذلك، رأيناه يبكي على أطفال غزة وفلسطين وعلى ابنة البلتاجي كالطفل وأمام الفضائيات العالمية! هل هذا التصرف يليق بدكتاتور لديه جنون العظمة! ما أسخف الاتهام، ولا أدري من هو المصاب بجنون العظمة هل هم أصحاب القصور الفارهة والأرصدة الفلكية من ولاة أمور العرب أم أردوغان؟!
7- هل حزب العدالة والتنمية حزب فاسد كما أشاعت المعارضة عند الحملة الانتخابية؟
لايمكن لأحد أن يقبل بالفساد، لكن أثبتوا أولًا أن هناك فسادًا بوسائل قانونية نزيهة والدليل القطعي الثبوت، ولماذا سكتم عن الفساد إلاعند الانتخابات؟ ما أسهل الاتهام وما أصعب الإثبات!
8-أردوغان متهم أنه وسع صلاحيات الاستخبارات التركية على حساب الجيش التركي!
نعم صحيح، ولكن ينبغي العلم بأن تركيا تسعى لإقامة حلف إقليمي من 8 دول إسلامية، وأن أمريكا زعيمة الشر في العالم ومن يشايعها ويناصرها يسنون مُداهم لنحر تركيا وهدم مشروعها الريادي وتجربتها النهضوية المذهلة وإسقاطها قبل أن تستفيق وتنتبه شعوب الجوار المنكوبه المنهوبة!
9- أردوغان اتهمته المعارضة أنه قام بنقل ضباط الشرطة والقضاة واستبدالهم للتغطية على الفساد!
ما أقدم عليه يجب أن يحسب له لا عليه؛ لأنه يدل على وعيه ووضوح رؤيته تجاه الدولة العميقةـ وأنه إذا لُدِغ من جحر ماينبغي أن يلدغ مرة أخرى، فنقل القضاة وضباط الشرطة إلى مدن وأقاليم بعيدة ليؤدوا مهمتهم من غير ظلم ولا تآمر على أمن الدولة وهذا من صلاحياته أيضًا، هذا أردوغان وليس مرسي يا انقلابيين!
10-أردوغان دكتاتوري وقمعي وضد الحرية الإعلامية والدليل إغلاقه لموقعي تويتر ويوتيوب!
أردوغان مع الحرية المسؤولة وليس مع الحرية المنفلتة، ما قام به أردوغان هو لحماية أعراض الناس وخصوصياتهم والمحافظة على كراماتهم من العبث والتشويه والاتهام دون دليل واضح، وأغلقها عبر حكم قضائي قاطع!
11- أردوغان تواصل مع إدارة تويتر ويوتيوب لحذف الحسابات المسيئة والتي تنتهك الخصوصية
لازدواجية المعايير والنفاق الدولي، فهم يغضون الطرف عن مكان ويضعون العدسات المكبرة آلاف المرات على مكان آخر!
12 – أردوغان متهم أنه دمر سوريا ونهب مصانع حلب!
لا نعرف من الذي خرب سوريا وحول مدنها إلى لينينغراد وقصفها بالطائرات والبراميل المتفجرة وقتل 250 ألف سوري و10 ملايين لاجئ، هل هو المقاوم الممانع الذي ورث الملك عن أبيه في نظام جمهوري، أم هو المنحاز إلى قضايا الشعوب العربية وعلى رأسها فلسطين الذي قبّل أيادي أطفال سوريا والذي حتى لم يسمح بتسميتهم لاجئين؛ بل سماهم (ضيوف تركيا)!
من الذي نهب مصانع حلب المدمرة؟ أليس هو النظام القمعي الدكتاتوري المجرم الذي أطلق ميليشيات حزب الله وفيلق غدر المرتزقة قاطعي الرؤوس؛ فالقاتل المجرم لا يُستكثر عليه الكذب، واللص لا يستبعد عنه التزوير والافتراء، ولا يستغرب من مغتصب أن يجادل بالباطل ليدحض الحق!
تركيا متهمة أن لها أهدافًا في المنطقة العربية! ذلك بديهي ومنطقي، وهو حق لكل قادر على تأمين مصالح بلاده ورفعتها، وفي ظل الفراغ الهائل في منطقتنا وتخلف قياداتها عن ملء الفراغ، فيا حبذا لو تملأه تركيا قبل أن تملأه إسرائيل أو أمريكا أو إيران!
كيف يمكن الاستفادة من تجربة أردوغان؟
كيف يمكن الاستفادة عربيًا من التجربة النهضوية التركية غير المسبوقة بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الذي دفع الغالي والنفيس ليصل إلى عقول الشعب التركي، وصنع دولة قوية اقتصاديًا وتنمويًا وارتفاع معدل دخل الفرد إلى أضعاف في وقت قياسي؟
نجيب على هذا السؤال بما أورده الكاتب والباحث التركي محمد زاهد بتفصيل في كتابه (التجربة النهضوية التركية) حيث يضع خمسة شروط هي:
أولًا: تقديم الكفاءات الشبابية المسلحة بالروح العلمية التجديدية (دماء الشباب )، وليس الحكام الذين يحكمون من القبر.
ثانيًا: السلطة خدمة للشعب وليست مغنمًا.
ثالثًا: سؤال الإنجاز والمساءلة لكل صاحب منصب، فالنجاح شرط للبقاء والتحقيق معه قانونيًا إذا عجز.
رابعًا: العمل الجماعي المؤسسي.
خامسًا وأخيرًا: وصول نتائج النهضة إلى كل بيت وقرية ومدينة ومحافظة!
في النهاية أقول:
الطيب أردوغان هو واحد من العظماء الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية النهوض بتجديد الحياة والتصدي للتيار العلماني الجارف المكتسح الذي كاد يسلخ الشعب التركي المسلم عن تاريخه ودينه وإسلامه بمنتهى الحكمة والذكاء.
ولن ننسى..
رغم كلّ التناقضات التي تصدر عن الحكومة التركية أحيانًا ولضغوطات كثيرة واعتبارات أكبر،
لن ننسى بأن تركيا الحديثة و بقيادة أردوغان وحزبه قد أظهرت مواقف متقدمة في استقلالية القرار، مثل عدم السماح باستخدام قواعدها الجوية لمهاجمة العراق وإسقاط بغداد عام 2003، وسفينة مرمرة لكسر الحصار عن غزة، وهجوم أردوغان الساحق على بيريز في المنتدى الاقتصادي دافوس، والبقيّة تأتي..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس