حمزة تكين - أخبار تركيا
انتهت قبل قليل انتخابات الإعادة الخاصة برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، لينتج عنها فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو على منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدريم، في مشهد ديمقراطي تفتقد لمثله دول الشرق الأوسط.
كانت النتائج متوقعة للبعض وصادمة للبعض الآخر، ولكن في النهاية من رضي بالاحتكام لصندوق الشعب فعليه أن يقبل بنتائجه سواء كانت لصالحه أو عكس ذلك، وإلا فإنه سيكون مجرد رافع لشعارات لا يلتزم بمضمونها كما يفعل رجالات الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية الشمولية التي تحكم دول الشرق الأوسط العلمانية منها والإسلامية.
تمخض عن انتخابات اليوم 3 نقاط أساسية، كلها تجعل من صورة تركيا مشرقة لامعة براقة جميلة، وسط حطام من اللوحات السوداوية المهترئة في الشرق الأوسط، وتكرس حقيقة أن تركيا هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
الأمر الأول أنه ثبت بالدليل الحسي العملي أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ليس شخصا ديكتاتوريا، كما تصفه أنظمة الاستبداد التي تتحكم برقاب العباد في المنطقة، ليس ديكتاتوريا كما تحاول أن تصوره الوسائل الإعلامية التابعة لأصحاب السلطة والمليارات والمافيات في المنطقة.
فلو كان الرئيس أردوغان ديكتاتوريا لما خاض هو وحزبه انتخابات نزيهة اليوم وأمس، ولكان استخدم "سلطته الديكتاتورية" لتثبيت فوز حزبه في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول ولما فاز إمام أوغلو، إلا أن فوز الأخير هو في حقيقته خدمة لأردوغان وصورته في العالم وكفّا لألسن المتربصين أنه "ديكتاتور"، طبعا مستثنين من هذا الكلام أولئك المحللين والسياسيين والنشطاء والصحافيين الحاقدين المنتمين لأنظمة مليارات النفط، والتي لا تشهد بلادهم انتخابات حتى في الفصل المدرسي.
الأمر الثاني الذي أفرزته انتخابات اليوم، أن حزب العدالة والتنمية بدءا من اليوم وحتى الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة عام 2023 هو أمام امتحان صعب ليعالج أوجه القصور التي أخسرته رئاسة بلدية إسطنبول، ليحدد نقاط ضعفه هنا أو هناك.
الامتحان الذي دخله "العدالة والتنمية" يتركز على أسئلة "لماذا كثير من أنصار الحزب لم يصوتوا له رغم تقديرهم وحبهم لرئيس الحزب" و"ما هي الأخطاء التي ارتكبها بعض مسؤولي الحزب المحليين تجاه المواطن العادي" و"هل نوعية بعض المسؤولين المحليين في الحزب أكفاء لقيادة ولو جزء بسيط من الحزب" و"كيف سيعالج الحزب أوجه القصور كي يعيد ثقة أنصاره ومحبيه به".
فإما أن يُطلق الحزب حملة واسعة لتصحيح الأخطاء والتخلص من بعض المتسلقين، وإما أن يتكاسل عن ذلك فيخسر الامتحان القادم... والظن أن الرئيس أردوغان سيقود حملة ضخ دماء جديدة في الجسم الحزبي.
الأمر الثالث الذي أنتجته الانتخابات، أن المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري وضعت نفسها تحت امتحان أصعب من امتحان حزب العدالة والتنمية، وهو امتحان تحقيق كل وعود أكرم إمام أوغلو التي قدمع للشعب في إسطنبول.
فالعمل البلدي في إسطنبول ليس بالأمر البسيط خاصة وأن حزب العدالة والتنمية هو الذي يسيطر حاليا على المجلس البلدي للولاية، وبالتالي أن تحركات غير إيجابية لإمام أوغلو سيجد أمامه أعضاء حزب العدالة والتنمية.
إما أن يعمل إمام أوغلو لخدمة أهالي إسطنبول كما وعد وبالتالي يفوز بالامتحان، وإمام أن تكون المعارضة كتاريخها السابق مجرد شعارات رنانة دون خدمات حقيقية للشعب وبالتالي سترسب شر رسوب في امتحان الشعب.
لقد أثبتت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية أنها دولة ديمقراطية وأن الأحزاب السياسية فيها تحترم المفهوم الديمقراطي الانتخابي وتحترم إرادة الشعب... وبالتالي هذه النقطة لوحدها تجعلنا نفتخر بما حققه حزب العدالة والتنمية وأردوغان في هذا السياق، والذي تحتاج أنظمة دول أخرى في المنطقة آلاف السنين الضوئية لتحقيقه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس