ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في المقال السابق (أردوغان إلى روسيا رهان الوجود) بينا أن رحلة الرئيس التركي إلى روسيا ليست استثنائية فقط من حيث التوقيت والظروف، بل هي جزء من وجود الإدارة التركية الحالية، لما تمثله من تحد جديد وعقبة كؤود أمام هذه الإدارة، والتي بدأت من قبل بمحاولة الانقلاب ومستمرة رغم تغير أشكالها وتغير جلد صانعيها، وضربنا في ذلك مثالا بدولة المماليك في مصر التي كانت تؤتى من كل صوب وبأشكال مختلفة من الغرب الذي دفع بجواسيسه ووضع الخطط لإسقاط الدولة الإسلامية المتمثلة في دولة المماليك.
لقد كان المسكوت عنه في المقال السابق هو تخوفات، كان يؤجلها الأمل، لكن نتائج زيارة الرئيس أردوغان إلى موسكو وتفاصيلها أكدت تلك التخوفات المسكوت عنها، حفاوة استقبال بوتين للرئيس أردوغان تفوق الوصف، لكن النتائج لم تكن على قدر الاستقبال، فالرئيس التركي يتحدث عن المنطقة الآمنة، فيرد الرئيس الروسي عن صفقات السلاح مع الرئيس الضيف، وكأنه حوار طرشان، كل له موقفه وكل متمسك به، فــ (لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان) كما يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة.
إعلان روسيا إلزام النظام وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد من جانب واحد، هو تكتيك جديد لإحراج تركيا غير المسيطرة على الفصائل المارقة في تلك المناطق كهيئة تحرير الشام، وهو ما يعني أن روسيا جزء من خطة على تركيا لا حليف كما يتوهم البعض، وهو ما يدركه الرئيس أردوغان بالنتيجة، لكنه يتعامل معه كمتجرع المر من أجل الاستشفاء، وهو ما عادله بالإعلان عن نيته لقاء الرئيس الأمريكي ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر الجاري، لكن الأمر لم ينته عند حد السياسة الخارجية وتشابكاتها، فالجبهة الداخلية دخلت على الخط من أجل الاستفادة من هذه الدوامة التي وقعت فيها الإدارة التركية.
كجزء من الخطة تسارع المعارضة التركية بقيادة حزب الشعب الجمهوري - الذي زارت قياداته مجرم الحرب بشار الأسد - تسارع باتهام الرئيس أردوغان بخيانة الأمة التركية وإدخالها في عداء مع النظام السوري وتدعو لحل الخلاف السوري التركي، وتتناغم هذه الاتهامات مع توجيه بعض الأنظمة العربية إعلامها لاتهام الرئيس أردوغان باحتلال جزء من سوريا، وفي نفس الوقت تقوم بدعم مليشيات الــ (PKK) و (YPG) و (PYD) الإرهابية بالمال والسلاح لمواجهة تركيا.
في ظل كل هذه الضغوط الداخلية والخارجية على أردوغان والتي لم تتحملها أي دولة عربية في الأزمة السورية، والتي على العكس بدأت بطرد اللاجئين السوريين ومطاردتهم، تأتي المرحلة الثانية من الخطة يدفع بضع عشرات من السوريين دفعا للتظاهر على الحدود التركية أمام معبر باب الهوى مطالبين تركيا بالخروج من سوريا والسماح لهم بالعبور إلى أراضيها وفي خضم هذا الغضب يحضر أفراد منهم صورة للرئيس أردوغان، الذي حمل هذا الشعب وواجه الأزمة منفردا وآوى ما يزيد عن الثلاثة ملايين منهم على مدى سبع سنوات، ليحرقوا صورة الرجل.
لا أعرف مدى إدراك الشعب السوري خطورة خروج تركيا من الشمال السوري، لكن علي هنا أن أوضح بعض شيء من أهمية هذا الوجود، خروج تركيا من الشمال السوري يعني تواجد مليشيات (YPG) و(PYD) وهو ما يعني، بحسب شهادات الأهالي في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية الانفصالية فإن عشرات الآلاف من آراميين ويزيديين والسريان وبالطبع العرب السنة دفعوا إلى مناطق القتال المحتملة في عفرين، ليكونوا دروعا بشرية، وآلاف الشباب أخذوا عنوة للتجنيد في صفوف تلك الميليشيات، ناهيك عن تغيير الهوية والخطف والاعتقال عليها، بالإضافة إلى نهب الأراضي والمساكن والثروة الحيوانية للأهالي في تلك المناطق.
في ظل كل تلك الخطط وتداعياتها والضغوط المفروضة على تركيا من الخارج ومن الداخل لإسقاط إدارتها، فإن الحل موجود والخطط المضادة حاضرة والرهان عليها قائم، أن تقلب الطاولة، طالما القصف لن يقف واللاجئين يتدفقون، فعليها أن تلغي اتفاقية إعادة قبول اللاجئين نحو أوروبا، وقتها سيهرول الأوربيون إلى الروس لوقف القصف بل وتأمين إدلب وحماه، وتخرج تركيا من مأزقها وتعصم دماء السوريين من قذائف روسيا ومكائد الغرب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس