رجب طيب أردوغان - واشنطن بوست - ترجمة وتحرير ترك برس
كان مقتل جمال خاشقجي ، الكاتب الصحفي المشارك في صحيفة واشنطن بوست ، أكثر الحوادث تأثيراً وإثارة للجدل في القرن الحادي والعشرين ، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يشكل أي حدث آخر مثل هذا التهديد الخطير للنظام الدولي أو تحدّي المواثيق الدولية التي أصبحت من المسلمات، مثل جريمة قتل خاشقجي. وبعد مرور عام على هذا الحادث ما زال المجتمع الدولي لا يعرف إلا القليل عما حدث، وهو ما يبعث على القلق البالغ. وإذا ما تبينت جميع الجوانب المتعلقة بوفاة الصحفي السعودي، فإنها ستحدد نوع العالم الذي سيعيش فيه أطفالنا.
في أعقاب وفاة خاشقجي ، تبنت حكومتي سياسة الشفافية. خلال العام الماضي ، تعاونت وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون في تركيا ، إلى جانب الدبلوماسيين والمدعين العامين ، عن كثب مع نظرائها واتخذت خطوات لإطلاع الشعب التركي وشعوب العالم على التحقيق. شاركت السلطات التركية نتائج التحقيقات التي أجرتها مع المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى دول أخرى ، من بينها الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا كما تعاوننا مع التحقيق الدولي الذي ترأسته أغنيس كالامارد ، مقرّرة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي. وأخيرًا ، طلبنا من المملكة العربية السعودية تسليم قتلة خاشقجي إلى تركيا ، حيث ارتكبوا الجريمة.
يستند رد تركيا على مقتل الكاتب الصحفي إلى رغبتنا في دعم النظام الدولي القائم على القواعد. ومن ثم رفضنا السماح بتصوير جريمة خاشقجي على أنها نزاع ثنائي بين تركيا والمملكة العربية السعودية. لطالما نظرت تركيا ، وما تزال تنظر ، إلى المملكة بوصفها صديقا وحليفا. ولذلك ميزت إدارتي بوضوح لا لبس فيه بين المجرمين الذين قتلوا خاشقجي، والملك سلمان وأتباعه المخلصين.
على أن صداقتنا الطويلة الأمد مع السعودية لا تستتبع بالضرورة الصمت، بل على العكس تماما ، كما يقول المثل التركي ، "الصديق الحقيقي يحدثك بحقائق مريرة".
إن فرقة الاغتيال المكونة من 15 عضواً والتي قتلت خاشقجي داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول وقطعت جسده إلى أشلاء خدمت مصالح دولة الظل داخل حكومة المملكة،وليس الدولة السعودية أو الشعب السعودي.و لو كنا نعتقد خلاف ذلك ، لعوملت هذه الجريمة الشنعاء بالفعل بوصفها مشكلة ثنائية. على أننا ما زلنا نرى ما حدث على أنه مسألة تتعلق بالعدالة وليس بالسياسة ، ونؤكد أن المحاكم الوطنية والدولية وحدها يمكنها أن تحقق العدالة.
كان اغتيال خاشقجي مأساة ، كما كان انتهاكًا صارخًا للحصانة الدبلوماسية. لقد سافر القتلة بجوازات سفر دبلوماسية وحوّلوا مبنى دبلوماسيًا إلى مسرح للجريمة، ويبدو أنهم تلقوا المساعدة في محاولة إخفاء الجريمة منأكبر دبلوماسي سعودي في إسطنبول، وهو ما يمثل سابقة خطيرة للغاية. ولعل الأخطر هو الإفلات من العقاب الذي يبدو أن بعض القتلة يستمتعون به في المملكة.
ليس سراً أن هناك كثيرا من الأسئلة حول إجراءات المحاكمة في المملكة العربية السعودية؛ ذلك أن الانعدام شبه التام للشفافية المحيطة بالمحاكمة ، والافتقار إلى الوصول العلني إلى جلسات الاستماع والادعاء بأن بعض قتلة خاشقجي يتمتعون بحرية فعلية، تخفق في تلبية توقعات المجتمع الدولي وتشوه صورة المملكة العربية السعودية، وهو أمر لا ترغب فيه تركيا بوصفها صديقا وحليفا للمملكة.
هناك جهود تبذل لتبرير انعدام الشفافية في المحاكمة بأنها تتعلق بالأمن القومي، لكن هناك خطا سميكا للغاية بين أن يبذل المرء كل ما وسعه لتقديم الإرهابيين إلى العدالة، وارتكاب جرائم القتل العمد بسبب الآراء السياسية للأشخاص. كان اختطاف مجرم الحرب النازي أدولف ايخمان ، على سبيل المثال ، مشروعًا تمامًا. ومع ذلك ، سيكون من السخف الإشارة إلى أن مقتل خاشقجي خدم قضية العدالة بأي طريقة أو بأي شكل من الأشكال.
ومن هذا المنطلق، تتعهد تركيا بمواصلة جهودها لتسليط الضوء على مقتل خاشقجي، وسنستمر في طرح نفس الأسئلة التي طرحتها في مقال نشر بهذه الصحيفة العام الماضي: أين رفات خاشقجي؟ من وقع على مذكرة وفاة الصحفي السعودي؟ من الذي أرسل القتلة الخمسة عشر ، بمن فيهم خبير في الطب الشرعي ، على متن الطائرتين إلى اسطنبول؟
من مصلحتنا ومصلحة الإنسانية أن نضمن عدم ارتكاب مثل هذه الجريمة في أي مكان مرة أخرى. مكافحة الإفلات من العقاب هي أسهل طريقة لتحقيق هذا الهدف. نحن مدينون لعائلة جمال بذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس