ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
بعمق 32 كيلومترا، وتمتد على طول 460 كيلومترا، وبغطاء لثلاث محافظات هي حلب والرقة والحسكة، ظلت تركيا تناضل من أجل منطقة آمنة للسوريين المستهدفين من قبل النظام منذ اندلاع ثورتهم في 2011، بعد أن حول الدكتاتور بشار الأسد الثورة السلمية إلى برك من الدم تغذيها دماء الأطفال والنساء والشيوخ الذين تستهدفهم طائرات ومدفعية القاتل مجرم الحرب بشار الأسد وجيشه، وظلت تركيا طوال قرابة الخمس سنوات تناضل سياسيا ودبلوماسيا من أجل إقناع المجتمع الدولي، ثم الدول الفاعلة في الأزمة لإنشاء المنطقة الآمنة مع كل من روسيا وإيران، باتفاق خفض التصعيد أو المناطق الآمنة الذي وقع في أستانا في 2017 بين الأطراف الثلاثة، تزايدت هذه المطالبات بعد أن بدأ الخطر يداهم حدودها وتحديدا بعد أن استطاعت مع التحالف الدولي دحر تنظم الدولة، لكن وفيما يبدو لم يكن دحر هذا التنظيم الإرهابي أحسن حالا من القادم، إذ كان البديل تنظيما إرهابيا آخر لكن بغطاء ومباركة وتسليح وتدريب أوروبي مضافا إليه غطاء سياسي على أعلى مستوى من كل من أمريكا وأوروبا ودعم بأموال النفط الخليجي.
قاتلت تركيا في الشمال السوري بعد أن فقدت الأمل في الغرب الأوروبي - الأمريكي من المشاركة في محاربة الإرهاب، فدحرت تنظيم الدولة بعملية درع الفرات وقاتلت التنظيمات الكردية الانفصالية المرتبطة عضويا بميليشيا بي كا كا الكردية التركية الانفصالية الإرهابية في عمليتي درع الفرات ثم غصن الزيتون متبعة هاتين العمليتين بالعملية المتممة نبع السلام، والتي تأخرت ما يقارب العام، في مشاورات ومفاوضات ووعود واتفاقيات ونكوص عن هذه الاتفاقيات وضمانات وتراجع عن تلك الضمانات، وتعهدات ونقض لتلك التعهدات، انطلقت عملية نبع السلام الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري، وثار على إثر انطلاقها جدل كبير، لا لشيء إلا لأن العملية ستقضي على الحلم الانفصالي الكردي في الشمال السوري، ومن ثم إحباط الخطة الغربية لزرع الكيان الإرهابي على حدود الدولة التركية، وستضع أول لبنة لحلم منطقة آمنة للسوريين الأحرار غير الراغبين في العودة لانتهاكات الأسد أو الميليشيات الكردية الإرهابية.
الآن وبعد أن أصبحت المنطقة الآمنة قاب قوسين أو أدنى، بعد أن استطاعت قوات نبع السلام من السيطرة على 111 منطقة سكنية و1500 كيلو متر مربع كمرحلة أولى من العملية، والتي تتبع باستلام 33 كيلو متر عمق بامتداد 480 كيلو متر بعد الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الأسبوع الماضي، والذي نص على طرد الميليشيات الكردية من مسار عملية نبع السلام تمهيدا لإنشاء المنطقة الآمنة في الشمال السوري، بدأت أوروبا الحديث عن منطقة آمنة، ففي تصريح لها لوكالة الأنباء الألمانية طالبت وزيرة الدفاع الألمانية انيغريت كرامب بإنشاء منطقة آمنة تخضع لمراقبة دولية في سوريا على الحدود مع تركيا. وأوضحت الوزيرة أنها تشاورت مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل حول المقترح ونقلته إلى حلفاء غربيين لدراسة كيفية تطبيقه، وتوضيحا للمقترح قالت وزيرة الدفاع الألمانية إن الفكرة هدفها مواصلة الحرب على الإرهاب، وتقصد تنظيم الدولة ومن جهة أخرى العمل على استقرار المنطقة بما يسمح بعودة اللاجئين تحت مراقبة أوروبية، قد يفهم من مقترح الوزيرة حاجتها لتأمين بلادها من موجات هجرة مستقبلية محتملة في حال استمرت الأوضاع مضطربة في هذه المنطقة، وهذا مبرر مقبول أو معقول، وقد يغلف بغلاف إنساني في إطار الحديث عن حق الإنسان في حياة كريمة داخل وطنه، لكن بمزيد من التحليل والوقوف على توقيت المقترح نجد أنه تزامن مع الانتصار الذي حققته تركيا في حدودها الجنوبية والذي ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد على الجبهتين الداخلية والخارجية، ومن ثم فإنه من الصعب على الغرب أن تترك (العديق) التركي ينعم بهذا الانتصار والذي جاء بلي ذراعهم فالانتصار لم يكن على الميليشيات الإرهابية بقدر ما هو انتصار على من يدعمونهم، ومن يدعمونهم لا يقبلون بهزيمة كاملة، لذا يحاولون بكل الطرق حتى وإن لبسوا فرو ضأن، من ثم فإن الإدارة التركية الواعية لمكرهم عليها أن تدبر من الآن وقبل اجتماع حلف ناتو خلال الأيام القادمة خطة موازية وتكون بديلة عن هذا المقترح إما بتوريط الغرب واستخدامهم لحماية حدودها أو بمماطلة تكسب على إثرها الوقت لإنفاذ أمر واقع يفشل تلك الخطة، وبين هذه وتلك بات المتابع مطمئنا لنصر جديد للإدارة التركية على ثعالب الغرب مدعيي الإنسانية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس