فاتح حسون - نداء سوريا
نتائج قمة سوتشي الأخيرة بين الرئيسين التركي والروسي تؤكد وجود "تفاهم روسي أمريكي" غير معلن حول منطقة شرق الفرات، فانسحاب الولايات المتحدة من سوريا مهّد الطريق أمام روسيا لتفرد على طاولة المفاوضات مع تركيا حلولها التي تفضي لإعادة إنتاج النظام السوري وفق مصالحها وهي صاحبة "فيتو" التعطيل لأي حل سياسي في سوريا.
لا يمكننا القول بأن مخرجات لقاء البارحة بين الرئيسين أردوغان وبوتين مرضية بالنسبة لنا كقوى ثورة ومعارضة سورية مقارنة مع ما كنا نأمله، بل كانت إيجابياتها بالنسبة لنا جزئية، وهذا ما أدى إليه الضغط الدولي الشديد وغير المسبوق لإيقاف عملية "نبع السلام"، ومحاولة توريط تركيا بشكل علني.
لقد انطلقت التصريحات الرافضة لعملية "نبع السلام" من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وإسرائيل، وحتى من إيران التي لا يمكنها الاستغناء عن تركيا في هذه الظروف، في محاولة للتشويش والضغط باتجاه إنهاء العملية، الأمر الذي يعكس حقيقة النوايا تجاه تركيا ليس في القضية السورية فحسب بل كدولة فاعلة على الساحة الإقليمية والدولية، فلقد سبق قمة سوتشي الأخيرة مواقف تصب باتجاه تطويق تركيا، والتأهب للنيل منها اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً، وقد توزعت الأدوار في ذلك بين دول متناقضة المصالح، فبالرغم من تنسيق الولايات المتحدة وحلفائها لإيقاف العملية من جهة، ففي الجهة الأخرى كانت إيران تثبت أنها لن تكون شريكاً لتركيا في أي حل سياسي فيما يتعلق بشرق الفرات، وهذا ما أكدته سلوكياتها على الأرض من خلال دعمها لـ"قسد" بعد بدء عملية نبع السلام بشكل مباشر وغير مباشر، في الوقت الذي دفع فيه الرئيس الروسي باتجاه إعادة إنتاج نظام الأسد في منطقة شرق الفرات من خلال "اتفاقية أضنة" كما فعل في مناطق ريف حماة وإدلب من خلال "اتفاقية خفض التصعيد"، وسوف نعود للسيناريو الروسي المتبع منذ عدة سنوات والتأرجح ما بين تصريحات فارغة من أي رغبة لدى موسكو بالحل السياسي وعمليات عسكرية على الأرض تعكس الرغبة الحقيقية لدى الأخيرة بالسيطرة على رقع جغرافية جديدة.
ستعمل تركيا جاهدة على تفكيك تلك العقد ما أمكن وبأقل الخسائر، ولن تكون الحلقة الأضعف في ظل ما يحاك، خصوصاً فيما يتعلق بأمنها القومي ومصالحها اللذين يتقاطعان مع إنشاء منطقة آمنة، وعودة اللاجئين من أبناء مناطق شرق الفرات إلى بلداتهم ومساكنهم، وستعمل على تحصين هذا الأمن على طول حدودها مع سوريا ولن تسمح بإعادة إنتاج المنظمات الإرهابية pkk وأخواتها ضمن المناطق القريبة منها والتي أصبحت قواعد انطلاق باتجاه زعزعة أمنها الداخلي، خصوصاً أن هذه المنظمات تمتلك لوبياً ضاغطاً على العديد من التيارات النافذة والمؤثرة في العديد من الدول.
لقد أصبحت مجريات الأحداث تحتم على القوى الثورية السورية عامة، والسياسية منها خاصة وضع مصالح أبنائها على الطاولة بفعالية أعلى، ودعم الموقف التركي، والضغط في كافة الاتجاهات بشكل يضمن حقوق الشعب السوري في مناطق إدلب وشرق الفرات ويحقق عودة اللاجئين والمهجرين قسراً إلى بلداتهم وقراهم.
يمكننا القول إنه في منطقة شرق الفرات انتهى الاتفاق التركي الأمريكي وبدأ الاتفاق التركي الروسي، طرفان دعما عَدُوَّنا، وطرف واحد يقف معنا أمامهم جميعاً، وأقل ما يمكن قوله أن "نبع السلام" فتحت ثغرة في جدار المصالح الدولية المتناقضة بطول 120 كلم وعرض 32 كلم، وعلينا المتابعة بأناة وصبر وحذر، فحقيقة ما حدث هو قطع للطريق أمام خلاف كبير محتمل ما بين تركيا وروسيا أرادت له واشنطن أن يقع، وكانت ستستثمره العديد من الدول التي راهنت على حصوله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس