محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
التظاهرات الاحتجاجية الراهنة، بعفويتها وشيوعها واستمرارها وكونها غير منظمة من قبل قوى سياسية ودينية معروفة، ومطالبها الوطنية وصرخة شبابها: نريد وطنا؛ تمثل نقلة نوعية عن التظاهرات السابقة.
هذه المرة، بدأت التظاهرات سلمية ضد الفساد وضد الطائفية، وانعدام الخدمات الأساسية، والنفوذ الإيراني الخانق وسلب إرادة الدولة، ولكنها بعد أن ردت السلطات بعنف غير مبرر، وحصدت برصاصها أكثر من 500 قتيل و6 آلاف جريح، تحولت هذه الاحتجاجات إلى رفض لمجمل التركيبة الحاكمة منذ 16 سنة، أي منذ الاحتلال الامريكي للعراق.
في الأيام الاولى لسنتنا هذه تدهور الوضع السياسي والأمني وخصوصا بعد استهداف رجل إيران القوي بالقرب من مطار بغداد حيث تحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين العراق والولايات المتحدة، وعلى اثر تلك التداعيات حاول الطرفين من جديد من تقوية تثبيت نفوذها.
ولتسليط الضوء على الوضع العراقي بصورة عامة وتداعيات مقتل سليماني والدور التركي المطلوب في العراق في الفترة القادمة التقينا بالاستاذ أثيل النجيفي القيادي في تحالف القرار العراقي والمؤسس القيادي في حزب للعراق متحدون ومحافظ نينوى الأسبق.
لنبدأ من لحظة الإعلان عن مقتل سليماني؟
بعد مقتل قاسم سليماني دخلت السياسة الإيرانية في المنطقة عموما والعراق خصوصا مرحلة جديدة. وبرأيي أن إيران كانت تمتلك خطة استراتيجية مسبقة للتعامل مع الوضع الجديد بعد ان استنفذ الوضع القديم فعاليته. ولكن المنهج الأساسي مستمر قبل وبعد سليماني.
فقد اعتمدت إيران منذ البداية على منهج خلق الفوضى وإدامتها واستثمار نتائجها. بعيدا عن منهج التعامل الدولي المعتاد. فقد قامت بتشجيع جميع الحركات المسلحة الإسلامية في المنطقة ودفعتها لتكون أكثر تقاطعا مع مجتمعاتها كما هي متقاطعة مع المجتمع الدولي واحتفظت لنفسها بالقدرة على التعامل مع هذه الحركات والجماعات المسلحة تفاوضيا أو عسكريا أو ولائيا حسب طبيعة ذلك الفصيل وقدرته على احتوائه أو معاداته.
وقد قام قاسم سليماني بالتعامل المباشر مع جميع تلك الفصائل مباشرة وبرعاية المرشد الإيراني مع استخدام موارد الدولة الإيرانية ومن بعد ذلك موارد الدولة العراقية بعد أن سيطرت الفصائل الموالية لإيران على مقدرات الدولة العراقية.
ونجح هذا الأسلوب في خلق فوضى شتت الثورة السورية وأدخلتها في دوامة جعلت العالم من بعدها يميل للحفاظ على النظام السوري. كما نجحت في تسهيل سيطرة داعش على المدن العراقية والاستعداد المبكر للانفراد بحرب داعش مما أظهرها أمام الشعب العراقي والعالم على أنها قوة لا بد منها لاستقرار المنطقة والحال في اليمن ليس بعيدا عن ذلك.
ما هي النتائج السلبية للأسلوب الذي اتبعه سليماني؟.
نتج عن هذه الفوضى التي افتعلتها إيران في أنظمة الدول انهيارات داخلية تمثلت بالفساد الذي مولت منه حروبها وبغياب حقوق الإنسان وظهور فصائل مسلحة في داخل تلك الدول تتفوق في قوتها على جيوش الدول ومؤسساتها الأمنية بما يعني بعبارة أخرى انفلات للسلاح داخل تلك الدول. وقد كان لسليماني بعمق علاقاته مع تلك الفصائل ومساهمته المباشرة بإنشائها وتقويتها القدرة على السيطرة المباشرة عليها وتوجيهها بصورة سلسة وسريعة.
ومع غياب شخصية القائد المسيطر سيصعب السيطرة المباشرة على فصائل لها مصالحها الخاصة وأصبحت تمثل مافيات يعتاش من ورائها عدد كبير ممن تعودوا العيش خارج القانون.
ماذا عن المجتمع الدولي وموقفه من الانتهاكات الإيرانية في خارج أراضيها.
المجتمع الدولي الذي مل من تلاعب إيران بالمنطقة ووجد في ذلك خطرا على استقرار النظام العالمي بدأ بالضغط على إيران للتخلي عن سياستها السابقة. وهنا وجدت إيران بعد مقتل سليماني أن عليها البدء بالصفحة الجديدة بالتعامل مع تلك الفصائل. فمن المتوقع أن تقوم إيران بقطع العلاقات المباشرة في التمويل والتسليح والإدارة مع تلك الفصائل وتبقي على العلاقة الولائية التي تمكنها من التفاوض مع دول المنطقة والعالم في كبح جماح تلك الفصائل بينما تتصرف الفصائل في مناطقها ودولها كالذئاب المنفلتة وتعتمد على مواردها من داخل دولها في التمويل.
أي بعبارة أخرى فمن المتوقع أن تنتشر حالة فوضى أكثر من السابق في الدول التي تتواجد فيها هذه الفصائل وتدخل في صراعاتها الداخلية وتبقى إيران متفرجة وتتدخل عندما تريد وتحصل على المقابل معتمدة على الولاء الديني الذي تكنه تلك الفصائل للولي الفقيه.
كل هذا الذي ذكرته يمثل توقعاتنا لأسلوب إيران في المنطقة.. ولكن ما الذي يمكن أن تفعله الدول الأخرى الإقليمية والكبرى لمنع الانفلات الذي قد يحصل نتيجة لذلك وكيف ستحافظ تلك الدول على أمنها الإقليمي.. وهل يكفي التفاهم مع إيران لذلك أم أنها تحتاج إلى خطوات استباقية لمنع هذا التشظي والانفلات في المنطقة؟؟
هنا نتسائل ما هو المطلوب من الدول الإقليمية ودول جوار العراق في التصدي لمحاولات التبعية السياسية والاستراتيجية الإيرانية لأن استقرار العراق يؤثر بشكل مباشر على استقرار كل دول المنطقة؟
أعتقد أن على دول المنطقة أن تدعم الشكل الرسمي لحكومة عراقية قوية ومقبولة في المجتمع الدولي وليس حكومة تنفذ الأجندة الإيرانية أو تسيطر عليها فصائل تتحايل على القوانين الدولية والمحلية. فالعدو الأول للمنهج الإيراني هو النظام والالتزام بالمعايير الدولية والقوانين الدولية.
وبينما تمثل هذه الغاية مصلحة امن قومي لدول المنطقة فإنها في الوقت نفسه تمثل مصلحة استراتيجية للدولة العراقية وللشعب العراقي الذي أصبح مغلوبًا على أمره في ظل سيطرة تلك الفصائل المسلحة على مقدرات البلاد وهمشت دور الأجهزة الرسمية.. فقد أصبح لكل جهاز يمثل الدولة والسيادة العراقية جهاز رديف يمثل الفصائل الموالية لإيران فمقابل الجيش هناك فصائل مسلحة يتفوق تسليحها على الأجهزة الأمنية التقليدية للدولة، وفي مقابل هيئة الجمارك هناك هيئة المنافذ الحدودية التي تتقاضى إيرادات تفوق إيرادات الجمارك. وكذلك الحال مع الأجهزة الاستخبارية فللحشد أجهزته الاستخبارية الخاصة.
وإذا كانت دول المنطقة بحاجة إلى عراق قادر على منع الأذى عن جيرانه فان العراق بحاجة إلى دعم دول المنطقة لبناء منظومات دولة تخضع للمعايير الدولية.
أين دورالولايات المتحدة من كل هذا؟
لا تستطيع الولايات المتحدة القيام لوحدها بهذه المهمة لعدة أسباب منها تاريخها المضطرب مع العراق خلال العقدين الأخيرين وعدم وجود سياسة واضحة بالإضافة إلى عدم معرفتها بحاجة المنطقة ولا اهتمامات شعوبها ولكن في نفس الوقت لايمكن إغفال دور الولايات المتحدة الإقليمي والدولي في استقرار الوضع في المنطقة. ومن الممكن أن يقوم حلف الناتو بدور أكبر من الدور المنفرد لأي دولة. فلجميع أعضاء حلف الناتو مصلحة مباشرة باستقرار المنطقة بدءا من أوروبا إلى تركيا والولايات المتحدة.
وفي تقديري إن الأفق المتاح لدور حلف الناتو يتمثل في القضاء على جميع الحركات الإرهابية التي تتحرك خارج المنظومات الدولية وتسعى لفرض إرادتها السياسية بالقوة العسكرية على دولها أو الدول المجاورة مثل الفصائل المسلحة في العراق وسوريا ولبنان وكذلك حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) أو أي جماعة مصنفة إرهابية في المعايير الدولية.
وعلى الرغم من أن هذا المسار يبدو مليئًا بالمصدات والموانع القانونية إلا أنه مع تحرك شعوب المنطقة كما هو الحال في العراق ولبنان، ومطالبته بحياة كريمة خالية من المغامرات والشعارات الفارغة، فإن مسار التغيير ودعم الدول لتلتزم بالمعايير الدولية أسهل من السابق بكثير لأن هناك شعبًا متحركًا يسعى لهذا التغيير، ويكفي أن يعاون المجتمع الدولي لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ليغلق ملف الفساد والسلاح المنفلت داخل العراق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس