محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
في وقت سابق وفي أواخر العام الماضي صرح الرئيس ترامب بأن على حلف الناتو أن تضطلع بدورها في المحافظة على نفوذها بالشرق الأوسط، معلنا بذلك عن نية الولايات المتحدة بإشراك عضو أو أكثر من عضو في المساهمة في ترتيب أوضاع المنطقة وقد فسر أنها دعوة صريحة لتركيا كثاني أقوى دولة في الحلف في ذلك، وكذلك لبريطانيا التي خرجت للتو من تحت عباءة الاتحاد الأوربي والذي يجلب القلق على الدوام لأمريكا بسبب المنافسات التجارية والاقتصادية بينهما.
إن دعوة ترامب لحلف شمال الأطلسي للعب دور ريادي في منطقة الشرق الأوسط يعني أن هناك اهتمام آخر يشغل الإدارة الأمريكية وتعتبره قضية استراتيجية، ولا مجال للتهاون والالتفات حول أمور تعتبرها فرعية بالنسبة لها.
بقي أن نعرف أن دعوة الرئيس ترامب لحلف شمال الأطلسي للعب دور مسؤول في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة يعني بكل بساطة، وكما أسلفنا دعوة غير مباشرة لتركيا لتتهيأ للعب دور مهم وحيوي في المنطقة، معلنة بذلك تصعيدا غير مسبوق وزيادة وتيرة العداء لتركيا، والتي تعاني أصلا من وجود مؤامرة حقيقية ضدها من بعض الدول تتزعمها الإمارات التي تصرف مئات الملايين من الدولارات لذات الغرض، ليس لشيء بل لوضع العصا في دولاب حركة تركيا.
التحالف المعادي لتركيا يشبه إلى حد كبير ما يسميه العراقيون بـ(طبيخ المكادي) ويعني به طعام الشحاذين والذي يحتوي على كثير من الأصناف غير المتجانسة الحلوة والحامضة وغير المستساغة لكون الذي يدير هذه الطبخة العدائية لايستطيع رص صفوف جهات معينة متشابهة التكوينات الفكرية لمحاربة تركيا وعدائها الغير المبرر.
ولذا فإن تركيا الآن أمام مهمة مثالية لغرض إيجاد الحلول الناجعة لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة سعيا منها لمنع المزيد من التدخلات الدولية بشؤونها الداخلية ونزاعاتها الإقليمية، وذلك من خلال إيجاد الحلول المتيسرة لإنهاء كافة الخلافات والتشنجات العرضية والمسببة للمزيد من التوترات، والسعي على منع التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
وبالطبع هذا لاليكفي لتنفيذ كافة توجهات تركيا السلمية بالمنطقة، لأن بعض الأطراف المحلية تحاول بكل الوسائل إشعال فتيل الحروب ضد تركيا ومصالحها في المنطقة سواء أكانت في ليبيا أو سورية أو العراق أو حتى في الخليج، وتحاول بشتى الطرق إعاقة المصلحة التركية حيث تبذر مئات الملايين من الدولارات في سبيل ضرب المصالح التركية حتى إن أدى ذلك لخسارة مزدوجة للطرف المتعامل مع الأتراك.
ومن الطبيعي أن الاتراك يدركون مخاطر تلك الجهة التي تحاول هدم كل علاقة بناءة تمت بينها وبين باقي الدول، ويدركون أيضا أن هناك ضغوطًا هائلة على بعض الدول لتنفيذ مخططات تلك الجهات المعادية سواء بالإغراءات المالية أو بالتهديد الاقتصادي.
في مسألة إدلب وبعد الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها قوات النظام السوري بمهاجمتها لنقاط المراقبة التركية، إضافة إلى استمرارها بمهاجمة المراكز المدنية، والتي أدت إلى نزوح مئات الألوف من المدنين من مناطق القصف، وضعت الحكومة الروسية في موضع لن تحسد عليه إطلاقا فهي بين تحمل الخطأ الاستراتيجي لقوات بشار الأسد وبين معاداة الشرعية الدولية التي أوعزت إلى تكوين مناطق خفض التوتر والتصعيد سابقا.
والشيء المهم والأكيد أن الروس وإن لم يهتموا كثيرا بالشرعية الدولية إلا أنهم لن يجازفوا مطلقا بالاحتكاك بالقوات التركية المرتبطة بحلف الناتو الذي تهيمن عليه الإدارة الأمريكية.
وهنا يجب أن ننوه إلى أن أي تصادم أو احتكاك أو أظهار مؤازرة واضحة وحقيقية من قبل الروس لقوات بشار الأسد ضد القوات التركية يعني أنها الشعرة التي ستقصم ظهر العلاقات التركية الروسية دون أي تراجع لأن المسألة ستكون نزاعًا للناتو مع الروس بصورة مباشرة.
ومن المؤكد أن الروس والرئيس بوتين سيتردد كثيرًا قبل أن يخسر صديقا ويقف إلى جانب نظام مهترئ يعيش أيامه كالرجل العجوز الذي يعيش على الأدوية والمقويات، والمدعوم من أطراف شتى مختلفة الطباع والاستراتيجيات ليس لها ناقة ولا جمل في سوريا، وتتدخل فيها من أجل معاداة تركيا فقط.
ومن المؤكد أن الأمريكان ينتظرون تلك اللحظة التاريخية لحدوث نزاع بين الأتراك والروس أو الأتراك وقوات الأسد بصورة واسعة حتى تكون لهم كلمة حقيقية في المسألة السورية وبصورة مباشرة، كما أنها ستكون فرصة متميزة لحث الأتراك عن التخلي عن صواريخ "إس 400" بصورة دائمة.
إن حدوث أي نزاع على نطاق واسع ستكون آثاره واضحة على الخريطة السياسية في المنطقة، وبالذات في المسألة السورية، وخصوصا بعد تحييد قوة إيران الرئيسية بها بعد اغتيال سليماني وتهديد زعماء باقي الفصائل التي توالي إيران والأسد، واستمرار وتوسيع نطاق العقوبات الأمريكية ضدها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس