ترك برس
انتقد كاتب تركي معروف بيان دار الإفتاء المصرية الذي وصفت فيه فتح إسطنبول على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، بأنه احتلال.
وقال الكاتب الصحفي التركي توران قشلاقجي، في مقال له إن مؤسسة دار الإفتاء المعنية بنشر الفتاوى الدينية في مصر، تراجعت عن وصف فتح إسطنبول بـ"الاحتلال" بعد أن تعرضت لوابل من الانتقادات، ثم عادت ووصفته بالفتح.
وكانت دار الإفتاء قد انتقدت في فتواها أيضًا تحويل آيا صوفيا إلى مسجد من قبل السلطان محمد الفاتح. حسب ما ذكر الكاتب التركي في مقاله بصحيفة القدس العربي.
وأضاف: "لقد أصبحنا نسمع بشكل متكرر مثل هذه التصريحات، من بعض الدول العربية، التي تصف فتح إسطنبول المسماة القسطنطينية إبان الإمبراطورية البيزنطية، عام 1453 على أنه احتلال عثماني لإسطنبول".
وتابع: "نحن نعلم بأي ضغينة يقول هؤلاء مثل هذه العبارات، لأنه من الواضح جدًا أن هذه المشاعر يكمن وراءها العداء للإسلام، إلى جانب العداء لتركيا".
وزاد: لا شك في أن هذه الآراء الشاذة التي طرحت في مصر خلال الأيام الأخيرة، لا تمثل الشعب المصري العزيز، الذي يعلم جيدًا أن من يرى فتح إسطنبول احتلالًا، يرى في الواقع أيضًا فتح مصر بعد عام 640 على يد عمرو بن العاص على أنه احتلال، وأن القائد الفرنسي نابليون بونابرت مُنقذ، واحتلاله لمصر يعدّ فتحًا.
ومع الأسف، يمكنكم أن تشاهدوا مثل هؤلاء الناس البعيدين كل البعد عن تاريخهم وثقافتهم، في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي. وفي حقيقة الأمر، من الصعب جدًا فهم أولئك الذين يلتزمون الصمت لغاية اليوم، حيال التغيرات التي طرأت على الأندلس، ويرفعون صوتهم بقوة ضد الفتوحات الإسلامية.
لقد عاش المسيحيون واليهود دائمًا بسلام حتى القرن العشرين، في كافة الأراضي العثمانية تقريبًا. واستمر ذلك لغاية احتلال القوى الإمبريالية الغربية لهذه الأراضي، وزرعها الفتنة بين أهلها. ومن المعلوم أن الصليبيين الذين احتلوا الأندلس لم يتركوا فيها مسلمًا ولا يهوديًا واحدًا.
وعودة إلى موضوعنا الأساسي، فهل كان فتح إسطنبول عبارة عن احتلال؟ ثمة إجماع في كافة المصادر التاريخية على أن إسطنبول تحولت إلى مدينة خراب، إثر خضوعها للاحتلال الصليبي اللاتيني في الفترة من 1204 إلى1261 وقد استولى على تجارتها سكان جنوة في غلطة والبندقية، وانخفض عدد سكانها إلى 40 ألفا.
وبعد الفتح الذي تحقق عام 1453، تحولت المدينة تحت الإدارة العثمانية إلى أكبر مدن أوروبا في القرن السادس عشر. عندما احتل الصليبيون إسطنبول، طردوا جميع الأرثوذكس تقريبًا من المدينة، ونهبوا كنائسهم ودمروا العديد من الكنائس.
وقام السلطان الفاتح عقب فتح إسطنبول بإعادة الأرثوذكس الروم والأرمن إلى المدينة من جديد، واستعاد لهم كنائسهم. وقام الفاتح بإحياء بطريركية الروم الأرثوذكس في 6 يناير/كانون الثاني 1454.
"مع فتح إسطنبول أصبحت الدولة العثمانية إمبراطورية"
ويقول المؤرخ التاريخي الشهير عالميًا خليل إينالجك، إنه من دون معرفة هذه الحقائق ستبقى التصريحات المتعلقة بسيطرة الفاتح على إسطنبول معلقة في الهواء. يرى خليل إينالجك أن النهاية الحقيقية لعهد فترة العثمانيين كانت مع فتح إسطنبول.
وأكّد على أن الدولة العثمانية التي اهتزت قبل فتح إسطنبول، دخلت بعده إلى طريق التحول إلى إمبراطورية، توجّه السياسة العالمية بفضل السمعة العظيمة التي اكتسبتها من خلال الفتح.
ويشير إينالجك إلى أن المجموعة الواسعة التي تشكل أساس فكرة الفاتح للسيطرة على العالم، تمثلت في: "تقاليد الحكم التركية – المغولية، ومفهوم الخلافة الإسلامية، وفكرة الإمبراطورية الرومانية".
وبحسب إينالجك، فإنه مع فتح إسطنبول أصبحت الدولة العثمانية إمبراطورية، وانتهت الإمبراطورية الرومانية الشرقية، التي تعد واحدة من أهم الدول في التاريخ.
"هذا من تقاليد حق السيف"
بدوره يقول مراد بردقجي أحد أبرز الكتاب العلمانيين في تركيا، إن "الذين يقولون لا تفتحوا آيا صوفيا هم نفسهم الذين جعلوا الراقصة ترقص في المحراب". ويؤكد بردقجي على تأييده لإعادة فتح آيا صوفيا للعبادة من جديد، بعد أن تحول عام 1934 من مسجد إلى متحف قائلًا: "إن السيطرة على إسطنبول من قبضة بيزنطة تعد فتحًا، ومسجد آيا صوفيا هو رمز الفتح".
بردقجي، يشير إلى أن آيا صوفيا استخدم كمسجدٍ طيلة 500 سنة، ومن العار أن يبقى المسجد مغلقًا، وهو رمز الفتح. ويوضح أنه عندما تفتح مدينة جديدة يتم تحويل أكبر معابدها إلى معبد للدين الذي تنتمي إليه الدولة الفاتحة، مضيفًا: "هذا من تقاليد حق السيف".
بالإضافة إلى ذلك، فإن المعماري سنان هو الذي قام بترميم آيا صوفيا بطريقة تفصيلية، وأنجز أعمالًا كبيرة ومهمة للحيلولة دون انهياره. كما قام بتصميم دعامات جديدة من خلال هدم المباني المحيطة، التي كانت تلحق الضرر بآيا صوفيا. وهناك أيضًا مئذنتان أشرف سنان على بنائهما، من خلال وضعهما على أسس المبنى بحيث تشكلان دعمًا له.
لقد اتفق المؤرخون كافة على أن آيا صوفيا لم يكن ليصمد لغاية اليوم من الناحية الفنية لولا أعمال الترميم والحماية، التي حظي بها من قبل العثمانيين.
في المحصلة، أصبحت إعادة فتح "Hagia Sophia"، التي تعني "الحكمة المقدسة"، مطروحة في أجندة تركيا بشكل جدي، وسنرى معا طبيعة النتائج التي ستظهر أمامنا في الأيام المقبلة. فالحكومة التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان، تتخذ إجراءات حثيثة في هذا الصدد منذ أعوام طويلة.
ولدى الشعب التركي تطلعات كبيرة بشأن إعادة افتتاح رمز الفتح آيا صوفيا الذي تحول إلى متحف بعد إغلاقه بسبب أعمال الترميم. يجب على كل شخص يعيش في هذه المنطقة ويتمتع بالإنصاف، خاصة المسلمين، أن يدعم هذه الخطوة بقوة وصدق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!