ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
بعد أن لقيت المبادرة التي أطلقها رأس النظام في مصر صدى من جدران القصر الذي أطلقت منه، ولم تتعد ذلك، ولم يكذب الرجل خبر، فلديه من الأدوات ما يمكن الاستفادة منها لإيصال صوته الخافت الباهت المرفوض لما هو أبعد من جماعته وحلفائه، فكان الخيار ذلك المبنى القابع في قلب القاهرة، والمخطوف قراره من قبل الأنظمة التي تسيطر بالمال على مقدراته وقراراته، ذهب السيسي إلى الجامعة العربية من خلال الاجتماع الوزاري ليعيد ما بدأه وليلقى ما ألقي في مبادرته في ليبيا، وهناك يجد له من المصفقين بين مدفوع ومكبل.
الغريب أن القرار الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، الذي انعقد يوم الثلاثاء الماضي، أنه شدد على رفض كافة التدخلات الأجنبية غير الشرعية، ولا أدري إن كان المصوتون على القرار مدركين ما صوتوا عليه أم ماذا، فالتدخل الأول في ليبيا كان من الإمارات، والنظام في مصر ومن خلفهم فرنسا، ثم روسيا التي أتت متأخرة تبحث لها عن موطئ قدم ثان في المياه الدافئة، ولا أعرف حقيقة إن كان الوزراء يدينون دولهم، أم ماذا؟!
لكن الهدف كان في النهاية هو استدعاء الجامعة العربية من أجل إضفاء الشرعية على اللا شرعية وهو ما سيذكره التاريخ كواحدة من سقطات القرار العربي المختطف.
اجتماع الجامعة العربية يطرح سؤالا كبيرا مفاده.. ما الذي يمكن للجامعة فعله في قضية ليبيا؟
القضية الليبية قضية معقدة والأطراف الفاعلين فيها متعددون ومع دخول الأطراف الخارجية على المشهد زاد تعقيدا، فبالإضافة إلى طرفي الصراع هناك دول داعمة تحركها المصالح، الإمارات والنظام في مصر بالإضافة إلى فرنسا وروسيا التي دخلت بمرتزقتها لتتوارى خلفهم وتفتح مساحة للمناورة، في حين تقف إيطاليا بين بين تراقب وتترقب من أجل مصالحها، وفي الجهة الأخرى هناك تركيا الحليف لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا بموجب اتفاق أمني موقع بين الدولتين، ومن بعيد تقف أمريكا بأسطولها السادس وإداراتها السياسية متحفزة للنفوذ الروسي المتمدد، لذلك فإن القضية الليبية أصبحت اكبر من أن تحملها الجامعة العربية، أو تحلها.
لكن متى حلت الجامعة العربية قضية، وأنا هنا لست بصدد استعراض مواقف الجامعة المزرية في قضايا الأمة المفصلية والتي غيرت ليس جغرافية الأمة ولا ديمغرافيتها، ولكن في صلب التكوين السياسي والبنيوي للأمة بداية من قضية فلسطين وانتهاء بأزمة ليبيا التي يحاول خاطفو القرار في المنظمة أن يذهبوا بها للتقسيم، مرورا بقضية السودان شمالا وجنوبا ومن قبلهم العراق أولا وأخيرا، فأضعفوه أولا وسلموه لإيران أخيرا، ولنشرب سويا القهوة على روح العروبة في بيت العرب، فهو المستهدف والمراد.
قرار الجامعة العربية مخطوف منذ زمن، ففي الوقت الذي يسعى المجتمع الدولي إلى معاقبة بشار الأسد على جرائمه التي ارتكبها بحق شعبه يظهر الأمين العام للجامعة العربية ليلقي السلام بحميمية على وزير خارجية النظام السوري ويقول: (وحشتونا) في تصريح واضح على رغبة خاطف القرار في المنظمة لعودة الأسد لمقعده الذي تم تجميده مع اندلاع الثورة السورية، وهو نفس موقف الجامعة من الانقلاب في مصر، إذ كانت الجامعة أول من أعترف به وباركه وأضفى عليه الشرعية.
الجامعة العربية تحتاج إعادة نظر في ميثاقها وآليات عملها، وهذا الكلام ننادي به منذ 2003 وسنظل، فالجامعة العربية متكلسة، مع سبق الإصرار والترصد، فالجامعة لم تنحز يوما لآمال وطموحات الشعوب العربية الراغبة في التوحد والاندماج، لكن الجامعة العربية القابعة مبنى في قلب عاصمة العرب وفي وسط ميدان الحرية والتحرير، تبعد كثيرا عن المعني، فلا هي جامعة ولا هي من العرب بقريب، الجامعة العربية تحتاج أن تتحرر من هذه الأعباء التاريخية التي شوهت الإجماع العربي المقصود لتفكك الأمة، فقد أصبحت الجامعة العربية ملاذ الظالمين لشرعنة ظلمهم، وبيت للغاصبين لتحليل غصبهم حتى أصبح الدور الوحيد للجامعة العربية والذي تتقن القيام به هو تفكيك ما تبقى من روح الآية الكريمة (واعتصموا) في نفوس الشعوب العربية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس