م. معين نعيم - خاص ترك برس
تضج مواقع التواصل الاجتماعي والصحف وحتى الساحات السياسية التركية بجدل وحاد جداً بين مؤيدين ومعارضين لوضع ضوابط قانونية لمواقع التواصل الاجتماعي وهذه ليست المرة الأولى التي يتم هذا النوع من الجدل فخلال السنوات الماضية حدث هذا الأمر في كل مرة يتم فيها التضييق أو حظر مؤقت لمنصة من منصات التواصل الاجتماعي مثل ما حدث مع تويتر ويوتيوب أو مواقع الانترنت الشهيرة مثل موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا بسبب مواد مخالفة للقانون أو قضايا رفعها أشخاص أو مؤسسات متضررة من محتوى على هذا المنصات وبالطبع فغالب القضايا رفعت من مؤسسات حكومية التي يديرها حزب العدالة والتنمية وفي قضايا فيها إساءة شخصية لأردوغان وعائلته أو حتى مصطفى كمال أتاتورك كما حدث مع ويكيبيديا ويوتيوب.
ولكن هذه المرة أعيدت القضية إلى السطح بعد ألفاظ نابية ولا أخلاقية نشرت على موقع تويتر ضد زوجة رئيس حزب الشعوب الديمقراطي المعارض صلاح الدين دميرتاش والمعتقل رئيسه بعدة تهم ومنها دعم والترويج لمنظمة إرهابية مسلحة وكذلك زوجة رئيس دائرة الاتصال فخر الدين ألطون وغيرها من الحوادث و آخرها الهجوم بالألفاظ النابية على بنت أردوغان واتهامها في عرضها وشتم وليدها حين نشر زوجها خبر ولادتها في الطفل الأخير حمزة الأمر الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير من وجهة نظر الحكومة وأنصارها أو الحجة التي استغلتها الحكومة من وجهة نظر المعارضين. وقد وصل الأمر برئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشالي أن أعلن إغلاق كافة حساباته حتى صدور قانون ينظم مواقع التواصل الاجتماعي.
قانون يستهدف تقنين المنصات أكثر من محاربة المستخدمين.
من الضروري أن نعرف أن القانون الذي صدر هو قانون إداري تنظيمي وليس قانون قضائي فلا تغيير في طبيعة ما يمكن أن يصنف على أنه جريمة أو تجاوز على مواقع التواصل الاجتماعي أو يعدل من طبيعة الشكوى والتقاضي في هذا النوع من القضايا بل إن هذا النوع من الجرائم ينضوي تحت قانون الجرائم الإلكترونية ويتم متابعتها من قبل مؤسسة تكنولوجيا المعلومات الحكومية و عبر القضاء التركي وبناء عليه فقد اعتقل العديد مرتكبي الجرائم الإلكترونية مثل إثارة النعرات العرقية أو الدينية أو تشويه سمعة الأفراد وإثارة الشائعات وطبعا إهانة أتاتورك. ورغم وجود إجماع شبه كامل في الشارع بأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تهدد البنية الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع التركي وكثيرا تستخدم في تهديد الأمن التركي إلا أن المعارضين للقانون يقولون (وقد قالوها حتى منذ اللحظة الأولى لطرح الفكرة قبل نقاش محتواه) أن الحكومة تسعى عبر هذا القانون تكميم الأفواه و منع حرية التعبير ولكن الحقيقة أن القانون الجديد فيه جزئيتين رئيسيتين الأولى هي إلزامها بتوفير المعلومات التي تطلبها المحاكم لكل مستخدم يسيء استخدام المنصات ويتجاوز القانون التركي وكذلك الالتزام بمسح المحتوى جزئيا أو كليا بحسب طبيعة الإساءة وإمكانية إزالتها جزئيا وخلال مدة لا تزيد عن أربع ساعات وبعضها 24 ساعة وكذلك يعطي المواطن الحق في طلب مسح أو منع نشر أي محتوى خاص به كان قد نشره قديما باعتبار هذا المحتوى قد يسيء للأشخاص ويستخدم في تدمير حياتهم الاجتماعية أو السياسية أو حتى الاقتصادية . والجزء الثاني يلزم هذا النوع من المنصات التي المنصات التي يصل عدد الوصول لها لنصاب معين (مليون مرة وصول يوميا) أن يكون لها ممثل رسمي واحد على الأقل في تركيا ويكون هذا الشخص مواطناً تركياً ولديه معلومات اتصال حقيقة وسهلة الوصول. ويلزم هذا الشخص بتنفيذ قرارات القضاء التركي وإلا ستتعرض هذه المنصات لتضييق عرض نطاق البث عبر الانترنت ( Bandwidth ) بنسب متدرجة حتى شبه الإغلاق وغرامات مالية كبيرة و منع نشر أي مواد ترويجيه ودعايات على هذه المنصات.
وقد استفادت اللجنة البرلمانية التي أعدت القانون من قوانين أو مشاريع قوانين مشابهة من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية رغم أن هذه القوانين تواجه ومعارضة أيضا في تلك البلاد إلا أنها ايضا لديها قواعد تطالب فيها لحاجتها المجتمعية والأمنية.
والتخوف من استخدام هذا القانون لتكميم الأفواه أو تكبيل الحريات فالواقع أن القانون القائم أصلاً يعطي المواطن والدولة الحق في الحماية من الاعتداءات الأخلاقية أو الهجمات الإعلامية ولكن هذا القانون قد أداة فاعلة في مواجهة الجرائم ضد الدولة والأفراد عبر الحسابات الوهمية أو التي تدار من خارج البلاد وكذلك تدفع منصات التواصل الإلكتروني للرقابة الذاتية على المحتوى والانضباط المالي مع الدولة التركية.
في الخلاصة فإن مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا كما في العالم أجمع أصبحت أداة هامة ومؤثرة في المجتمع التركي سياسيا واقتصاديا وأخلاقياً ولم تعد مواقع مواقع للتواصل فقط بل أصبحت منصات تستخدم حتى في تنفيذ بعض الجرائم وارتكاب بعض الجنح وأصبح ملاك هذه المنصات يرون في أنفسهم قوى فوق القانون لا يمكن محاسبتهم ولا مقاضاتهم وهذا هو الدافع الأساسي لمثل هذه الضوابط القانونية علماً بإن استخدام القانون بشكل خاطيء وارد في كل المجالات الفعلية أو الإلكترونية ومنه ذلك يعتمد على الرقابة المجتمعية وقوة المعارضة في منع الحكومة من ذلك إن حاولت.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس