دلين سردار النوري - خاص ترك برس

تشهد أغلب دول العالم حالياً، ازمات مجتمعية عديدة (سياسية واقتصادية وصحية واجتماعية) نتيجة نزاعات وحروب، وما يرافق ذلك أثر مباشر على النسيج الاجتماعي للمجتمع والذي يؤثر بدوره على أفراد المجتمع والأطفال بصورة خاصة.

ونظراً لأهمية وضع حقوق الأطفال في العالم والذين يتعرضون لانتهاكات خطيرة تجاوزت حد الانسانية، ويمكن أن يستهدفون ببساطة، لأنهم ضعفاء، إذ يتعرض عدداً لا يحصى من الأطفال في مختلف أنحاء العالم يوميا إلى مخاطر تعيق نموهم وتنمية قدراتهم وتشتد معاناتهم بسبب الحروب و الازمات وما يصاحبها من سوء المعاملة والتعذيب، والتشرد، واضطرارهم للتخلي بشكل قسري عن جذورهم ليصبحوا لاجئين و نازحين، هذا وبالإضافة الى تعرض الأطفال الذين أرغمهم الفقر واساءة المعاملة على العيش في الشوارع والاعتداء عليهم ، وحتى قتلهم، باسم التطهير الاجتماعي، ويقوم ملايين الأطفال بشتى أشكال العمل الاستغلالي والمحفوفً  بالمخاطر، أو يقعون ضحايا الاتجار بالأطفال والدعارة القسرية.

ومما لا شك فيه أن العمل على وضع آليات لحماية حقوق الطفل تتسم بأهمية حاسمة في بلوغ الاهداف والتطلعات بالنسبة للأطفال.

من أجل خلق بنية تحتية واعية لقادة الغد علينا البحث الدقيق عن معاناة انتهاك الحقوق الاجتماعية والنفسية والقانونية للأطفال ودراسة واقعهم الحالي، كتجنيدهم واشتراكهم في النزاع المسلح، وبيعهم واستغلالهم في البغاء والاستغلال في مجال العمل، ووضع الحلول والمعالجات وتحجيم المخاطر الناتجة عن العنف المسلح وفق آليات علمية ورؤية تحليلية لواقع المجتمع و لضمان حقوقهم، من خلال بيان دور صندوق الأمم المتحدة للطفولة" اليونيسيف"، ودور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حماية الأطفال (ICRC)، وكذلك دور لجنة حقوق الطفل.

اولاً: مظاهر انتهاكات حقوق الطفل

1- انتهاكات حقوق الطفل في تجنيدهم واشتراكهم في النزاع المسلح

لا شك أن الأطفال الشريحة الأكثر تضرراً في النزاعات الدولية منها وغير الدولية، إذ نص البروتوكول الاختياري الأول لاتفاقية جنيف الأربعة لسنة 1977 في المادة (77) فقرة 2 و3 على تحديد سن اشتراك الاطفال في العمليات العدائية أو تجنيدهم في القوات والجماعات المقاتلة وهو ألا يقل عن خمسة عشر سنة.

كما تم الاعتماد على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل لسنة 2002، والذي رفع فيه سن تجنيد الأطفال في القوات المسلحة والاشتراك في الأعمال الحربية إلى الثامنة عشر، على اعتبار أنه يجب أن تكون مصالح الأطفال العليا محل اعتبار في جميع الإجراءات التي تخص الأطفال، الى جانب أن معظم قوانين دول العالم لا تجند رعاياها قبل بلوغ هذا العمر كحد أدني للتجنيد.

ويجند الأطفال بطرائق عديدة، فقد يقسرون على التجنيد عن طريق كتائب التجنيد أو قد يرغمون على الانضمام إلى جماعات مسلحة، وفي كثير من الأحيان يتم التقاط الأطفال بشكل تعسفي من الشوارع والمدارس أو مؤسسات إيواء الأيتام لتجنيدهم وهناك من يتطوع نتيجة حملات غسيل الدماغ التي يقوم بها المسئولون لهم وتتوزع الوظائف التي يوكل بها إلى الأطفال في أثناء تجنيدهم أو وجودهم مع القوات المسلحة، فقد يكونوا جواسيس وينتهي بهم الأمر في جبهات القتال. ويعتبر التجنيد من أسوأ مظاهر الانتهاك، ويرجع سبب خطورته نتيجة تعرض الأطفال الجنود لعقوبات قاسية من قبل قادتهم لعدم طاعتهم لأوامرهم أو استسلموا لطفولتهم كاللعب أو لهروبهم من جماعاتهم المسلحة، وقد يتولد لديهم عنف شديد مما يجعل منهم مجرمي حرب.

2- انتهاكات حقوق الطفل ببيعهم واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية

 إن مسالة بيع واستغلال الاطفال جنسياً، باتت تشكل ظاهرة خطيرة تهدد معظم المجتمعات، لا شك أن اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1949 انما تهدف الى حماية الطفل، وعلى دول الأطراف اتخاذ ما يلزم لتوفير هذه الحماية، إذ نصت المواد 11، 21، 32، 33،34، 35، 36، على جميع التدابير التي تكفل منع بيع واستغلال الأطفال في البغاء، نظراً لانتشار هذه الظاهرة على نطاق واسع في العالم والمتمثل باستغلالهم اقتصادياً وانتهاك حقوقهم مما يؤثر على نماء الطفل البدني والعقلي والروحي والخلقي وحتى الاجتماعي.

ومن العوامل المسببة لبيع واستغلال الأطفال متعددة، منها:

- الفقر والجهل الاسري، الذي يدفع الى بيع بعض أطفالها حتى تتمكن من تربية البعض الآخر.

- العنف الاجتماعي، الشذوذ وضعف الاهتمام العائلي.

- التشرد العائلي، مما يدفع الأطفال الى القيام بتصرفات بحيث تجعلهم عرضة الاغواء أو حتى الخطف.

انتهاكات حقوق الطفل الاجتماعية وحمايتهم من الاستغلال في مجال العمل

3- بسبب الفقر والتقاليد الثقافية، أصبح عمل الأطفال ظاهرة عالمية ففي مجتمعات عديدة يكون عمل الأطفال مصدر دخل للأسرة، فمن خلال العمل يمكن لهم تقديم المساعدات الاقتصادية لعوائلهم، بالإضافة الى كسبهم مهارات الحياة، واحترامهم لأنفسهم. وعمل الأطفال يتحول الى عمالة عندما يعمل الأطفال في سن صغير جداً ولساعات طويلة مقابل أجر زهيد أو بدون اجر في بعض الاحيان، او يعملون في ظروف مليئة بالمخاطر. ويقصد بعمالة الأطفال بأنه" عمل استغلالي يضر بصحة ونماء الطفل بدنياً ونفسياً واجتماعياً، ويحرم الأطفال من التعليم وفرص الحصول على الخدمات الأساسية الاخرى".

ثانياً: آليات حماية حقوق الطفل

عندما أنشأت اتفاقية حقوق الطفل الية دولية لمراقبة تطبيق حقوق الطفل وهي لجنة" لجنة حقوق الطفل" فإن هذا لا يعني أن ضمانات حماية هذه الحقوق تقتصر على اللجنة وحدها، وذلك لأن حقوق الطفل تناولتها الاتفاقيات الدولية العامة لحقوق الإنسان، وعليه فإن آليات حماية الاطفال الدولية تتعد، حيث لابد ان يستفيد الطفل من أعمال الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بنشر وكفالة حقوق الإنسان.

هناك العديد من المنظمات الدولية المتخصصة، والمنظمات الدولية غير الحكومية، وكذلك الاجهزة الدولية، بالإضافة الى اللجان التي أنشأتها اتفاقيات حقوق الانسان. إلا أن هناك بعض من هذه الهيئات لها جهوداً واضحة في مجال الطفولة. ويمثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة" اليونيسيف" أحد أهم هذه الهيئات بوصفه جهازاً دولياً يهتم بشكل أساسي بحقوق الطفل ودعمها على المستوى الدولي، كما لا يمكن اغفال دور اللجنة الدولية للصليب الاحمر من جهود في مساعدة ضحايا النزاعات، وما تمنحه للأطفال الاولوية القصوى في ظل النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بالإضافة الى عمل لجنة حقوق الطفل.

وفي الختام، تبقى التشريعات والصكوك والمواثيق الدولية مجرد نصوص نظرية لا قيمة لها على ارض الواقع من دون تطبيقها، فالعبرة في مسالة حقوق الطفل هو التمتع الفعلي بها وليس مجرد إدراجها في الدساتير والمواثيق الدولية، كما أن التمتع الفعلي للطفل بحقوقه واحترامها وحمايتها تؤكد مصداقية التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية لاسيما في ظل الأزمات المجتمعية، و ضرورة العمل على سن القوانين التي تحمي الأطفال لا سيما داخل الأسر التي تعاني من التفكك الاجتماعي والأسري والعمل على تفعيل تلك القوانين مما لها الأثر الكبير في حماية الطفل من الانحراف والانخراط للجماعات المسلحة والإرهابية التي تنهك حقوق الطفل.

عن الكاتب

دلين سردار النوري

مستشارة قانونية وأستاذة جامعية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس