ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في خبر تناقلته وكالة أسوشيتد برس أفاد ببدء وزارة الدفاع اليونانية مناورات عسكرية مشتركة مع فرنسا وإيطاليا وقبرص، في شرق البحر الأبيض المتوسط، اليوم الأربعاء، أمام جزيرة كريت اليونانية لتستمر لمدة ثلاثة أيام بحسب الخبر، وإن كان الخبر يندرج تحت النشاطات العسكرية التقليدية التي تجريها الدول منفردة أو مع أصدقائها، إلا أن الملابسات التي سبقت الخبر تجعل من الحدث أمر يستحق التوقف عنده.
يحتفل الأتراك في الـــ 30 من أغسطس من كل عام بعيد النصر أو الاستقلال، وتعود ذكراه إلى عام 1922 حيث دارت حرب الاستقلال التركية بين الأتراك ووكلاء الحلفاء (اليونان على الجبهة الغربية، وأرمينيا على الجبهة الشرقية، وفرنسا على الجبهة الجنوبية، بريطانيا وإيطاليا في إسطنبول) بعد ما احتُلّت أجزاء من الإمبراطورية العثمانية وقُسمت بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، ليشن مصطفى كمال اتاتورك هجوما مضادا استطاع به إلحاق الهزيمة بالدول الغازية وإخراجهم من الأراضي التركية التي احتلوها، مع ذلك خسرت تركيا مساحات وجزر خصمت من رصيدها الجيوإستراتيجي.
بعد أن أعلن الرئيس التركي أردوغان الأسبوع الفائت عن اكتشاف حقل الغاز الأكبر في تاريخ تركيا في البحر الأسود، والذي يقدر إنتاجه بــــ 320 مليار متر مكعب، مع ترجيح العثور على أحواض أخرى في الجوار، ودخوله التحدي منذ عام تقريبا بقرار التنقيب عن النفط في الأبحر الثلاث (الأسود وإيجا والمتوسط)، وإعداده لذلك عدته ببناء سفن التنقيب محليا، ثارت ثائرة "الحلفاء" ضد تركيا، فدولة كفرنسا لم تعرف جغرافيتها خطا في خرائط شرق المتوسط تقود حملة شرسة ضد تنقيب تركيا عن النفط في شرق المتوسط، وهو أمر غير مستغرب، والسبب بالطبع أن تظل تركيا أسيرة اقتصاديا للنفط المستورد من من روسيا والعراق وكردستان وكازخستان وأمريكا ونيجيريا والجزائر وإيران وقطر وغيرهم، تركيا تستهلك سنوياً بحسب الإحصائيات ما يقارب الــ 50 مليار متر مكعب من الغاز فقط، تستورد أكثر من %99 منه، ما يكلفها ما بين الــ 12-13 مليار دولار سنوياً، توفير هذه الأرقام يعني بالنتيجة مزيدا من المصانع وفرص العمل وزيادة دخل المواطن التركي، كما يعني توفير سيولة لمشاريع الصناعات الدفاعية التي بدأت تركيا تنطلق في مضمارها بشكل مقبول، كما أن توفير الطاقة يعني مزيد من المرونة في سياستها الخارجية وإعادة ترتيب أوراق أولوياتها في علاقاتها الخارجية المرهونة في بعض الأحيان بعقود توريد النفط.
يتساءل البعض لماذا بنت تركيا سفنا للتنقيب عن النفط، ولماذا تسير السفن الحربية لحمايتها؟
أما الأولى لأن جل الشركات الأجنبية التي تعاقدت مع الجمهورية التركية للتنقيب عن النفط كانت نتائج البحث والتنقيب لعملها سلبية، وأكدت عدم وجود آبار، أو آبار اقتصادية يمكن باستخراجها تغطي تكاليف التنقيب والحفر والاستخراج، ما يعني أن تركها أفضل، لاحظوا.. فاعتماد تركيا على دراستها وصور الأقمار الصناعية المرسلة من قمر غوكتورك-2 عالي الدقة منذ 2012، ما يعني أن تركيا على الطريق بخطى إستراتيجية وضعها حزب العدالة والتنمية الحاكم ومن غير قعقعة أنتج طحينا، أما السؤال الثاني لماذا ترسل مع سفن التنقيب المصنوعة محليا سفنا حربية، فالإجابة جاءت في صدر هذا المقال، هناك من يستميت لتظل تركيا العدالة والتنمية أسيرة الإنفاق على الطاقة.
لقد دعت تركيا على لسان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إلى تقسيم عادل للثروات في شرق المتوسط بعيدا عن المناكفات والتقسيم غير العادل للحدود البحرية والاقتصادية، لكن الرد جاء في صورة تدريبات عسكرية في رسالة لا تخلو من الصبيانية السياسية في أوروبا التي تقودها فرنسا ماكرون، ويبقى التحدي الآن فينا نحن العرب، فما يتحقق الآن على الأرض من نهضة اقتصادية تحارب، وتنمية عمرانية تنتظر الاستثمارات وقوة عسكرية تصنف من العشر الأوائل في العالم يدعمها صناعات عسكرية متطورة وريادة سياسية وضعت تركيا بين الدول الكبرى عنصرا لا يمكن تجاوزه في المعادلة الإقليمية والدولية، كل هذه المميزات لحليف قوي صاعد بقوة الصاروخ ستغير وجه المنطقة، ولكن كيف ستتعامل أنظمتنا معه، هل ستظل تناكفه وتكون معول هدم أم تركن لصوت العقل والمنطق والرؤى الإستراتيجية وتتخذه حليفا، وهل من مصلحة العرب أن يبقوا على هذا الخط الذي يخدم أعداء الأمة، ولا ينفع السائر عليه، انتهاج تركيا سياسة "الربح للجميع" تجعلها أولى من هؤلاء الطامعين في خيرات الأمة ومقدراتها، قد لا تروق هذه الأسئلة للأنظمة لكن إجاباتها عند الشعوب حاضرة وتنتظر الوقت المناسب لرفع الصوت وإعلان الإجابة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس