د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا
مع إعلان كل من الإمارات والبحرين مؤخراً عن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بدأ البعض في الترويج لمقولة مفادها إنّ هذه الخطوة ستُقرّب كلاًّ من إيران وتركيا إلى بعضهما البعض لمواجهة هذا التكتّل الناجم عن اندفاع بعض الأنظمة العربية باتجاه إسرائيل. ينطوي مثل هذا التقييم على كثير من التفكير بالتمني كما يُقال بدلاً من التحليل، لا بل إنّ البعض ذهب في أمنياته إلى حدود إعادة إحياء ما يسمى بمحور الممانعة وضم تركيا إليه على قاعدة أنّ التحالف الإسرائيلي مع بعض دول الخليج يبرر قيام مثل هذا التحالف خاصّة أنّ الإمارات العربية المتّحدة ستقوم باستخدام التحالف مع إسرائيل ضد البلدين في المنطقة.
لكن وقبل تفنيد مثل هذه التصوّرات، لا بد من الإشارة إلى أنّ دوافع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين إنما تعود في الأصل إلى جهد الإدارة الأميركية التي تسعى إلى التسويق لهذه الاتفاقات على أنّها نصرٌ يستحق إعادة التصويت لترامب في الانتخابات المنتظرة بعد حوالي شهر ونيّف من الآن. بهذا المعنى، فإنّ الجمهور الذي يتم مخاطبته بجهود التطبيع تلك إنما يتمثّل في اللوبي الإسرائيلي في واشنطن والإنجيليين الأميركيين الذين يشكلون قاعدة واسعة وخزّانا انتخابيا كبيرا للرئيس ترامب. من هنا نستطيع أن نرى بشكل واضح أنّ الدافع الأساسي هو الانتخابات الأميركية وأنّ الهدف الرئيسي هو التجديد للرئيس ترامب وليس مواجهة الإمارات و/أو إسرائيل لكل من إيران أو تركيا في المنطقة.
الأمر الآخر الذي يجب الانتباه له هو أنّ الإمارات ليست بحاجة إلى اتفاق علني مع تل أبيب للعمل ضد أي أحد في المنطقة. فعلاقة أبو ظبي مع إسرائيل قائمة وعميقة لا سيما على المستوى الأمني، كما أنّ الإمارات لم تكن في وضع انتظار حتى تتحرّك الآن مع إسرائيل ضد تركيا أو إيران، علماً أنّ العلاقات الإماراتية - الايرانية كانت قد شهدت تطوّراً ملحوظاً في المرحلة الماضية بشهادة المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى والذي استفاضوا مؤخراً في الحديث
عن طبيعة التقدّم الذي جرى في هذه العلاقة لا سيما منذ العام الماضي. في حقيقة الأمر، فإنّ التعاون المباشر وغير المباشر بين الإمارات وإيران وتلاقي المصالح بينهما إلى حد ما في عدد من الساحات كالخليج وسوريا واليمن وليبيا ازداد في الآونة الأخيرة بشكل يُناقض الرواية التي تفترض أنّ الإمارات تعمل ضد إيران.
وبخلاف ما تقدّم، فإنّ أبو ظبي لم تتوقف عن العمل لتقويض مصالح تركيا الإقليمية والتحريض الإقليمي والدولي ضد أنقرة والحث على قيام محاور محليّة وإقليمية ودولية ضدها. ويبدو واضحاً من خلال السلوك الإماراتي مؤخراً بأنّ استهداف أنقرة هو الأولوية رقم واحد على أجندة السياسة الخارجية الإماراتية وأنّ الأخيرة مستعدة لفعل أي شيء في سبيل تحقيق ذلك. وبالرغم من هذا، فإنّ الاتفاق الأخير بين الإمارات وإسرائيل لا يرتبط بتركيا أيضاً وإن كان بالإمكان الاستفادة منه أو توظيفه لاحقاً للتأثير ربما على سياسة تركيا أو إيران في الإقليم.
استناداً إلى بعض التحليلات التي يتم الترويج لها مؤخراً، من المفترض أن يدفع ذلك تركيا وإيران إلى التقارب أكثر فأكثر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بحيث تنضم الأولى إلى جهود إحياء ما يسمى محور الممانعة الذي كان قد انكشف زيفه بشكل غير مسبوق بُعيد الثورات العربية والدعم اللامحدود الذي قدّمته إيران لنظام الأسد ودورها إلى جانب ميليشيات شيعية في قتل وتشريد الشعب السوري إضافة إلى دورها التخريبي المعروف في عدد من دول المنطقة. لكن الواقع يقول إنّ موقف كل من إيران وتركيا من القضية الفلسطينية مختلف تماماً، ومن غير الممكن جمعهما في سلّة واحدة وإن بدا الظاهر غير ذلك.
تركيا تسعى إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وهي تؤيّد مقترح قيام دولتين مستقلتين، وتقيم علاقات غير مشروطة ومتوازنة إلى حد كبير بين الأطراف الفلسطينية المختلفة، وقد سبق لها أن حاولت أن تضغط على إسرائيل للتوصل إلى حل الدولتين في أكثر من مناسبة. وبهذا المعنى، فإنّ أنقرة توازن علاقاتها القائمة أصلا مع إسرائيل بدعم غير مشروط لحقوق الفلسطينيين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وقد كلّفها ذلك الكثير في وقت من الأوقات على المستوى الدولي و. أمّا بالنسبة إلى إيران، فالموقف مختلف تماماً ويقوم على تغذية الصراع والانقسام وعلى الدعم المشروط لبعض الفصائل الفلسطينية. تفترض المصلحة الإيرانية استمرار الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بدلاً من التوصل إلى حل لأنّ ذلك يبرّر استمرار الخط القائم على صناعة وتغذية الميليشيات المسلحة التابعة للحرس الثوري في المنطقة كما أنّه يُبقي النهج الثوري القائم على شعارات معاداة إسرائيل والولايات المتحدة حيّاً داخل إيران.
ملاحظة أخيرة في هذا المقام وهي أنّ وجود علاقات رسمية لتركيا مع إسرائيل وعدم وجود علاقات رسمية لإيران مع تل أبيب لم يمنع الأولى كما سبق وذكرنا من الضغط على إسرائيل ولم يمنع الثانية أيضاً من التعاون مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر عندما اقتضت المصلحة العليا للنظام الإيراني ذلك. إذا ما أضيف إلى هذا الاختلاف في موقف الدولتين من القضية الفلسطينية التنافس الإقليمي بين الدولتين سواءً في سوريا أو العراق أو الدور المستجد لتركيا في الخليج وغيرها من المناطق، فإنّ افتراض حصول تحالف بين الدولتين أو انضمام تركيا إلى محور إيران الإقليمي يبدو تفكيراً بالتمني أكثر من كونه تحليلاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس