ترك برس
افتتحت السنة التشريعية الرابعة للدورة السابعة والعشرين في مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، بخطاب ألقاه الرئيس رجب طيب أردوغان، تضمن رسائل كثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقال أردوغان إن "التطورات في شرق البحر المتوسط، تعد بمثابة أهم صراع تخوضه تركيا خلال القرون القليلة الماضية. لقد ساد السلام في المنطقة لقرون، بفضل سيادتنا التي بسطناها في البحر المتوسط من خلال الانتصار في معركة بروزة البحرية التي احتفلنا بالذكرى الـ 482 لها هذا العام.
وفي حرب جناق قلعة التي سطرنا خلالها ملحمة النهضة من جديد، حققنا انتصارات عظيمة في البحر كما فعلنا على اليابسة".
وتابع: إن حماية تراث السلام الذي خلفه خير الدين بربروس باشا وأبطال آخرون، هو ديْن في عنق كل أبناء هذا البلد. نحن في تركيا لا نسعى خلف صراع أو توتر أو ظلم أو عدم شرعية في البحر المتوسط، كما لا نسعى لذلك في مكان آخر. مطلبنا الوحيد هو احترام حقوق ومصالح بلدنا.
"خيارنا الأساسي هو حل النزاعات حول تقاسم الإمكانات السياسية والاقتصادية في البحر المتوسط على أساس عادل"
إن خيارنا الأساسي هو حل النزاعات حول تقاسم الإمكانات السياسية والاقتصادية في البحر المتوسط على أساس عادل. لكن مع الأسف الشديد، موقف اليونان والجانب القبرصي اليوناني منذ عام 2003 بعيد كل البعد عن هذا المبدأ.
أما الاتحاد الأوروبي باعتباره أسيرا لنزوات اليونان والجانب القبرصي اليوناني، فقد تحول إلى هيكل غير فعال وبلا أفق وضحل. لا توجد مشكلة واحدة ظهرت في منطقتنا وتم حلها بمبادرة وثقل الاتحاد الأوروبي. على العكس من ذلك، كل أزمة شارك فيها الاتحاد نمت وتشعبت واكتسبت أبعادا جديدة.
وأمام هذا المشهد لم يعد لتركيا خيار سوى تنفيذ سياساتها وقدراتها دون تراجع.
واتفاقيتنا مع ليبيا كانت واحدة من ردودنا على مساعي إقصائنا كليا من منطقة البحر المتوسط. وقد وجدنا بذلك فرصة لتوسيع إطار المبادرات التي أطلقناها من أجل حماية حقوق جمهورية شمال قبرص التركية.
"اضطروا لانتهاج أسلوب الحوار"
تلك الأطراف التي كانت تتصرف دون مبالاة ببلادنا وتأتي إلينا بخرائط ومطالب من شأنها أن تسجننا في سواحلنا فقط، لجأت أولا إلى استخدام لغة الابتزاز والتهديد بعد الخطوات التي اتخذناها. ثم اضطروا أمام قوة تركيا السياسية والدبلوماسية ووقفتها الثابتة بعناصرها البرية والبحرية والجوية ومخابراتها لانتهاج أسلوب الحوار.
وفي هذه المرحلة التي وصلنا إليها لاسيما مع جهود ألمانيا المكثفة، يبقى الخيار للطرف المقابل إما حل المشكلة عن طريق المباحثات وإما تصعيد التوتر من جديد ولربما الصدام إن آل الأمر إلى ذلك.
نحن سنظل متمسكين بموقفنا الثابت بإبقاء قنوات الحوار مفتوحة حتى النهاية. كم من دولة تكافح وتضحي من أجل السلام مثل تركيا في عالم تتصاعد فيه الصراعات؟
وتبوؤ تركيا المركز الأول في تقديم المساعدات الإنسانية في العالم رغم أنها ليست أكبر دولة اقتصادية، أليس دليلا على ذلك؟ ورغم المخاطر الأمنية على الحدود والأعباء الاقتصادية، فإن استضافة تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، أليس دليلا على ذلك؟ وتسخير قوتها ومبادراتها للوساطة بين الأطراف في جميع المنصات بدءا بالأمم المتحدة وصولا إلى منظمة التعاون الإسلامي، أليس دليلا على ذلك؟
وفي ضوء هذه الحقيقة، نناشد جميع الدول وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة بتقديم الدعم لتركيا في نضالها من أجل الأمن والسلام أو على الأقل احترام هذا النضال.
"قضية القدس بالنسبة إلينا ليست كأي قصية جيوسياسية"
إن الظلم الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين وممارساتها الجائرة التي تنتهك حرمة القدس الشريف أزمة أخرى نتابعها بكل اهتمام على مستوى الدولة والشعب.ومن الأهمية بمكان أن نؤكد على النقاط:
قضية القدس بالنسبة إلينا ليست كأي قصية جيوسياسية. والبلدة القديمة التي هي قلب القدس بمظهرها وأسوارها وأسواقها ومبانيها الحالية إنما بُنيت على يد السلطان سليمان القانوني. لقد أولى أجدادنا لهذه المدينة اهتماما خاصا وعمروها واحترموها على مر العصور.
ويمكن العثور حتى الآن على آثار المقاومة العثمانية في هذه المدينة التي اضطررنا لمغادرتها بعيون دامعة إبان الحرب العالمية الأولى. يعني أن القدس مدينتنا، ومدينة منا. كما أن المسجد الأقصى أولى القبلتين وقبة الصخرة من المساجد الرمزية لعقيدتنا. والمدينة، تحضن مقدسات المسيحيين واليهود.
"لفت الانتباه إلى حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم هو شرف كبير لنا على مستوى الدولة والشعب"
ثم إن احتلال أراضي الفلسطينيين وهم سكان القدس وتلك المنطقة لآلاف السنوات، وانتهاك حقوقهم، يحتّم علينا الاهتمام بهذه القضية عن كثب. ولفت الانتباه في جميع المحافل والمنصات إلى حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم الذي عشنا معه جنبا إلى جنب لقرون طويلة هو شرف كبير لنا على مستوى الدولة والشعب. من هذا المنطلق، سنبقى على عهدنا بمتابعة الجرح الدامي للضمير العالمي، قضية فلسطين والقدس حتى النهاية.
كان الاقتصاد أكثر المجالات المستهدفة في مرحلة الاعتداءات المكثفة على تركيا التي بدأت بأحداث متنزه غزي. وآخر هذه الاعتداءات، هو الفخ الذي تم نصبه لاقتصادنا من خلال التلاعب بأسعار الصرف في أغسطس/ آب 2018، لكننا أفسدناه ودخلنا العام 2019 بشكل أقوى من قبل.
وبذلك، حقق رصيد الحساب الجاري فائضا قدره 8.8 مليارات دولار العام الماضي. كما انخفض معدل التضخم إلى 11.8%. وانخفضت نسبة عجز الميزانية إلى الدخل القومي إلى أقل من 3%. لقد جئنا في المركز السادس بين 50 دولة من حيث معدل نمو الصادرات في العام 2019 أيضا، وذلك مع وصول حجم صادراتنا إلى 181 مليار دولار. وبذلك اقتربت نسبة صادراتنا مقارنة مع الصادرات العالمية إلى 1%.
"أولويتنا خلال مرحلة الجائحة الحفاظ على سلامة وصحة شعبنا"
وعلى الرغم من كافة السلبيات، بدأنا العام 2020 بآمال كبيرة بعد العام 2019 الذي حافظنا فيه على معدل نمو سنوي اقترب من 1%. حيث يعتبر معدل النمو البالغ 4.4% الذي حققناه في الربع الأول من هذا العام، دليلا على أننا نسير بعزيمة نحو أهدافنا.
الجائحة أثّرت على بلدنا وعلى العالم بأسره في مثل هذا المناخ الاقتصادي. وبالطبع كانت أولويتنا خلال مرحلة الجائحة الحفاظ على سلامة وصحة شعبنا. وبالإضافة إلى ذلك، حاولنا من خلال حزم الدعم التي أعلناها، تأمين الخروج من مرحلة الجائحة بأقل الخسائر. وبلغ الحجم الاقتصادي الإجمالي للدعم والحزم التي أعلناها حتى الآن 495 مليار ليرة، أي ما يقرب من 10% من دخلنا القومي.
وقمنا بدفع مبلغ أكثر من 35 مليار ليرة غير مستردة إلى شعبنا واقتصادنا في إطار برنامج درع الحماية الاجتماعية لمواجهة الجائحة.وفي هذا السياق، قمنا حتى الآن بتحويل نحو 19 مليار ليرة إلى العاملين، من خلال مدفوعات بدل العمل لوقت قصير. كما وفرنا موردا يقارب 4.5 مليارات ليرة لدعم الأجور النقدية الذي استخدمناه لحماية العمالة. وقمنا بتقييم بدل البطالة بشكل فعال، وقدمنا دعما لشعبنا بقيمة 3.6 مليارات ليرة.
بينما وصلت مدفوعات الضمان الاجتماعي والصحي التي قمنا بتأجيل دفعها إلى مبلغ 40 مليار ليرة، فيما اقتربت مدفوعات الضرائب من 30 مليار ليرة. وقدمنا الدعم إلى اقتصادنا من خلال طرق عدة مثل التخفيضات الضريبية وتطبيقات الأسباب الإجبارية وزيادة حد صندوق ضمان الائتمان. ومن خلال تحفيز البنوك العامة، تمكنا من تحويل أكثر من 267 مليار ليرة من الموارد المالية إلى اقتصادنا. وعملنا على ضمان تلبية الاحتياجات التمويلية لكل شريحة من شرائح المجتمع، عبر دعم الاحتياجات الشخصية، ودعم الحرفيين، ودعم مواصلة العمل والحد من البطالة، وتأجيل قروض الشركات والأفراد.
"كافة المؤشرات الخاصة بالربع الثالث من العام تشير إلى أن اقتصادنا يتعافى بسرعة"
بالطبع، إن النمو السلبي بنسبة 9.9% الذي شهدناه في الربع الثاني من العام، مؤسف جدا بالنسبة لنا. ومع ذلك، عند إلقاء نظرة على المشهد العام نرى أن تركيا اجتازت هذه المرحلة بانكماش أقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي.
ولله الحمد كافة المؤشرات الخاصة بالربع الثالث من العام تشير إلى أن اقتصادنا يتعافى بسرعة وسيتم تعويض الخسائر في وقت قصير. كافة البيانات والمؤشرات المعلنة تدعم هذا المشهد وتمضي به قدما. إن هدفنا هو تحقيق انتعاش على شكل حرف V وإنهاء هذا العام بتحقيق نمو إيجابي.
أما معدل النمو الذي حددناه للعام القادم فهو 5.8%. في الواقع على الرغم من أننا نتوقع تحقيق نموا أكبر إلّا أننا رجحنا إبقاء التوقعات عند مستوى حذر. لقد اكتسب الاقتصاد التركي هيكلا أكثر مقاومة لمواطن الضعف وأكثر استعدادا للأزمات، وذلك عقب العديد من الهجمات والصدمات التي تعرض لها.
"تركيا أصبحت بمثابة النجم الصاعد في منطقتها والعالم برمته"
لم تستطع العديد من الدول بما في ذلك البلدان المتقدمة، الحد من انتشار الصدمة التي بدأت في الخدمات الصحية أثناء الوباء وانتقالها إلى اقتصاداتها وأنظمتها الإدارية. أما تركيا التي تمكنت من الفصل في كل هذه المجالات بشكل إيجابي، أصبحت بمثابة النجم الصاعد في منطقتها والعالم برمته في هذا السياق.
لقد أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الاقتصاد التركي هو ثالث أقل اقتصاد تضررا من الوباء في العالم. إن تركيا أفضل حالا من البلدان المتقدمة والنامية، حتى فيما يتعلق بالسلبيات مثل الزيادة الجزئية في عجز الموازنة.
كما أن حقيقة ارتفاع مكانة تركيا 10 درجات مرة واحدة واحتلالها المركز الـ 33 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التابع للبنك الدولي تظهر نجاح إصلاحاتنا الهيكلية.
"سنحقق أهداف تركيا المنشودة لعام 2023 في المجال الاقتصادي شأنه شأن المجالات الأخرى"
لقد بنينا برنامج الاقتصاد الجديد للسنوات الثلاث المقبلة على نموذج تنمية مبتكر وذي قيمة مضافة عالية وموجه نحو التصدير وشامل. بمشيئة الله تعالى سنحقق أهداف تركيا المنشودة لعام 2023 في المجال الاقتصادي شأنه شأن المجالات الأخرى.
لم يتم بعد اكتشاف علاج لوباء كوفيد–19 الذي ظهر في الصين وانتشر في العالم في وقت قصير. ولئن وصلت أبحاث الكشف عن اللقاح إلى مستوى معين، إلا أن بناء أرضية تشمل جميع الناس يحتاج إلى وقت. تركيا تتابع عن كثب أعمال البحث عن اللقاح في سائر الدول، وتبذل جهودا حثيثة لإنتاج اللقاح بنفسها.
وعند النظر إلى طرق مكافحة الوباء لدى دول العالم، نرى أن تركيا متقدمة على معظم هذه الدول في هذا الخصوص. ويعود الفضل هنا في هذا المشهد الإيجابي إلى البنية التحتية والتحول الكبير الذي حققناه في مجال الصحة على مدار الـ 18 عاما الأخيرة. والطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحديثة التي قمنا بافتتاحها منذ انتقال العدوى إلى بلدنا في شهر مارس/ آذار الماضي تجاوزت 15 ألف سرير. وإن شاء الله تعالى، سنقوم غدا بافتتاح رسمي للمدينة الاستشفائية في قونيا، لنتخذ بذلك خطوة أخرى في مجال الصحة نحو الأمام.
لقد وصل عدد العاملين في قطاع الصحة مليون و100 ألف عامل، ليحقق بذلك أكبر نسبة في التوظيف العمومي.لو لم تكن تركيا متمكنة من تطوير نظام الصحة وطاقاته إلى المستوى الحالي، لانهارت – لا قدر الله – تحت أعباء هذا الوباء. وأنا أغتنم هذه الفرصة لأجدد شكري الخالص لكافة العاملين في قطاع الصحة على ما أظهروا من جهد وتفان خلال انتشار الوباء. وبإذن الله تعالى سنتخطى هذه المحنة، بالتعاون بين الدولة والشعب يدا بيد.
"تركيا أبدت موقفا نبيلا في الداخل والخارج"
وبينما كنا نكافح الوباء إلى جانب الاستمرار في تقديم الخدمات إلى شعبنا بلا انقطاع، استجبنا لمطالب 153 دولة و8 منظمات دولية بتقديم الدعم لها. كما تمكنا من إجلاء ما يزيد عن 100 ألف مواطن تركي من 141 دولة مختلفة غبر وسائل النقل الجوية والبرية والبحرية. وقمنا بتسهيل العودة لـ 5 آلاف و500 مواطن أجنبي من 67 دولة إلى بلدانهم.
وفي الوقت الذي تركت بعض الدول بما فيها الدول المتقدمة مواطنيها، فإن تركيا أبدت موقفا نبيلا في الداخل والخارج. ولم يتمكن العالم وكذلك تركيا حتى الآن من تجاوز مشكلة الجائحة بشكل كامل. وبفضل التدابير الاحترازية الفورية وبروتوكولات العلاج التي وضعناها، تمت السيطرة على الوضع في بلدنا. وسنستمر في كفاحنا هذا إلى وقت انخفاض الوباء بطرق طبيعية أو عبر العلاج بالأدوية.
إن أكثر الطرق الاحترازية نجاعة حيال الوباء، تلك التي نسميها بالتركية "تمام"، أي النظافة والكمامة والمسافة. وسننتصر على هذا الفيروس إن شاء الله، لنمضي معا متكاتفين ومتضامنين إلى مستقبل حافل بالصحة والهناء والسعادة والأمان.
وبهذه المشاعر، أعرب مرة أخرى عن تمنياتي الخالصة بأن تعود السنة التشريعية الرابعة للدورة السابعة والعشرين لمجلس الأمة التركي الكبير بالخير على بلدنا وشعبنا ونوابنا. أتمنى لكم التوفيق والنجاح في أعمال المجلس".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!